تقديم
يتناول كتاب «المجتمعات التعددية: إشكاليات الاندماج وسياسات الدولة» (الكتاب الثامن بعد المئة، ديسمبر/ كانون الأول، 2015) التعددية الدينية والثقافية والسياسية في المغرب وتونس والجزائر والسودان، ويناقش سؤال الهوية وتجلياتها الثقافية بما تتضمنه من ارتباط بالتاريخ والتراث والذاكرة الجمعية.
تنهض الفلسفة العامة للتعددية على الحرية والتعايش في إطار الحقyes في الاختلاف والتنوع، أي إنها إقرار واعتراف بوجود التنوع الاجتماعي، وهي تعالج مشروعية تعدد القوى والآراء السياسية، التي تُعبر عن نفسها في المجتمع ومؤسسات الدولة البرلمانية والتمثيلية، مما يسمح لمختلف المجموعات بأن تشعر بأنها مُمثلة وفاعلة. تقتضي الإدارة العادلة للتعددية اعتماد مبدأ المواطنة أساساً في التعامل بين المكوِّنات المجتمعية من دون التمييز على أساس الدين، أو اللون، أو الجنس، أو العرق.
تطرح المجتمعات ذات الأديان والمذاهب والثقافات والأعراق المختلفة أسئلة معقدة: كيف نجعل جماعات دينية أو إثنية تمتلك أنماطاً وأعرافاً وتقاليد خاصة بها تتعايش معاً؟ إلى أيّ مدى يمكن للحقوق المدنية التي ترفعها المواطنة بناء مجتمع منسجم؟ كيف تتم المواءمة بين الهويات الفرعية وهوية المجتمع؟ وما السبل الناجعة التي يمكن للدساتير والقوانين تكريسها لحفظ التعددية ومنعها من التصادم السياسي الذي يترك تداعيات اجتماعية تؤثر في الانسجام العام؟
تركز الدراسات المدرجة في الكتاب على قضايا شائكة تتصدرها المسألة الأمازيغية في المغرب، وإدارة التنوع في الدول المدروسة التي تتمتع بنسيج اجتماعي غني، دينياً وثقافياً وإثنياً، مما يستدعي الاعتراف بتعدد الهويات الفردية والجمعية على حد سواء. يرصد الكتاب الفسيفساء المجتمعية، ويناقش إشكاليات تدبير التعددية السياسية والإثنية لدى الإسلاميين في المغرب وتونس، محاولاً تحديد خطوط التمايز بين تيارات الإسلام السياسي قياساً إلى تمثلات وحضور «الآخر» في خطابهم، كبحاً أو إطلاقاً.
يواجه إدماج التعدد في مؤسسات الدولة مجموعة من التحديات، لعل أبرزها عجز الحكومات العربية عن إنشاء مؤسسات سياسية قائمة على أساس الكفاءة، وتغليب الروابط المذهبية والطائفية والقبلية والأيديولوجية على الانتماء الوطني والمواطنة. وما يزيد الأمر تعقيداً هو سيطرة الصراعات السياسية في مؤسسات الدولة الرئيسة، وخضوعها للمؤسسة العسكرية. إضافة إلى ذلك، فإن المعادلة السياسية في كثير من الدول العربية كانت قائمة على مبدأ قدسية الأيديولوجية الحزبية على حساب المجتمع وتنوعه، والفرد ومكانته وحقوقه. إن هذا الوضع يُبقي إدارة التنوع والالتفات إليها أسفل قائمة السياسات الحكومية المتعاقبة.
لم تقدم الحركات الإسلامية في العالم العربي حلولاً حول الأزمات التي تطرحها التعددية السياسية وموقع الأقليات في أجندتهاyes، فاستندت في طروحاتها إلى المرجعية الدينية. لذا؛ نجد أن الأدبيات الإسلاموية التي تناولت إشكالية المواطنة يفتقد خطابها لمقوماتها الأساسية، حيث يغلب عليها إطار الوحدة والأمة بمفهومها الإسلامي. في المغرب –على سبيل المثال- قدمت الحركة الإسلامية خلال تناولها للمسألة الأمازيغية جوابين أساسيين: الأسلمة واختراق نقاط ارتكاز العمل الثقافي الأمازيغي، والميثاق الإسلامي والبحث عن التوافق داخل حدود المواطنة.
تهدد الإدارة الهشة للتعدد في العالم العربي المنطقة بمزيد من التفتت والانقسام. وعليه؛ من الأهمية أن تعزز الدساتير العربية وأنظمة الحكم القائمة التنوع الموجود في المجتمعات ومنحه حقوقاً متساوية، وذلك من خلال إطلاق ورش الإصلاح الدستوري التي بدأت في بعض الدول العربية، إثر موجات الاحتجاج، وإن بوتيرة خجولة.
يحاول الكتاب -من خلال دراساته- طرح السبل المختلفة لفهم ومناقشة قضايا التنوع في العالم العربي. ويسعى إلى الإجابة عن أسئلة عدة: هل أجابت الكتابات الإسلامية عن إشكال المواطنة من خلال تناول المسألة الأمازيغية؟ وكيف دبرت الحركة الإسلامية المسألة الأمازيغية، في مقاربتها لجدلية العلاقة بين الهوية والمواطنة؟ ما المفاهيم التي يتم توظيفها لفهم التنوع الإثني والديني والسياسي؟ وما النماذج التاريخية التي يتم استحضارها كأمثلة للنجاح أو الفشل في التعايش؟ وما الآمال أو المخاوف التي يثيرها وجود الأقليات؟ وما المعايير التي يتم الارتكاز عليها لتقويم الممارسات العادلة وغير العادلة إزاء الأقليات؟ وكيف نظرت حركات الإسلام السياسي في المغرب العربي للتعددية السياسية؟ وما المحدِّدات والأسس المرجعية التي يعتمد عليها الإسلاميون في رؤيتهم للآخر «السياسي» و«العرقي»؟
في الختام يتوجه مركز المسبار بالشكر لكل الباحثين المشاركين، ويخص بالذكر الزميل حسام الدين علي مجيد الذي نسق العدد، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهوده وفريق العمل.
رئيس التحرير
ديسمبر (كانون الأول) 2015
شاهد فهرس الكتاب