يأتي كتاب المسبار «الفرص والتحديات في دول الخليج العربي» (الكتاب المئة، أبريل/ نيسان، 2015) في ظل واقع مزدوج تعيشه دول مجلس التعاون الخليجي. تُعد هذه المرحلة من أفضل مراحل دول الخليج العربي بالرغم من التحولات الكبرى التي تمر بها المنطقة. استطاعت الدول الخليجية، نتيجة ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأخيرة، زيادة فائضها المالي بشكل غير مسبوق في تاريخها، مما وفر لها الفرص لمتابعة وتطوير مشروعاتها التنموية. وقد بدأت في العمل على إيجاد بدائل للاستهلاك المحلي للطاقة، سواء من خلال المحطات النووية أو الطاقة الشمسية. ثمة توجهات جادة عند هذه الدول لدعم رواد الأعمال في القطاعات كافة، خصوصاً القطاع التقني.
شهد العقد الأخير قصص نجاح لأفراد ومؤسسات خاصة في دول الخليج العربي، وقد عرف القطاع الحكومي، لا سيما في دولة الإمارات العربية المتحدة، تطوراً متنامياً يرتبط بعوامل عدة، لعل أبرزها: تطوير البنية التشريعية؛ كي تمكنها من جذب الاستثمارات الأجنبية وسط توفير شروط البيئة الآمنة، علماً بأن الإمارات تصدرت دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، باعتبارها الأكثر شفافية والأفضل على مستوى مكافحة ممارسات الفساد ضمن مؤشر مدركات الفساد 2014، الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية.
وفي ضوء واقع عربي مضطرب، استطاعت دول الخليج تجنب تداعيات فوضى الربيع العربي، بالرغم من الشكوك التي أثارها محللون حول قدرة الأنظمة الملكية على الاستقرار والاستمرار أمام موجة الاضطرابات التي أسقطت أنظمة عربية عدة، وأدخلت سوريا وليبيا في أتون الحرب الأهلية.
وإثر تنامي موجة الإرهاب في المنطقة، تمكنت دول الخليج من حماية حدودها، ووضعت قوانين ضامنة تصدرها «نظام مكافحة الإرهاب وتمويله»، الذي صادق عليه الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز أوائل فبراير (شباط) عام 2014.
إستراتيجياً، سجلت دول الخليج موقعاً لافتاً في السياسات الإقليمية بعد خروج سوريا من حلقة (الدول المؤثرة) نتيجة الأزمة التي تعاني منها منذ أربع سنوات، وتراجع دور مصر كـ«لاعب إقليمي» بسبب تراكم أزماتها الداخلية وتنامي عنف الإسلاميين.
نجحت دول مجلس التعاون الخليجي في إضعاف التنظيمات الإسلاموية، فلم يعد لها وجود في الإمارات العربية المتحدة، ولم يعد لها تأثير يُذكر في المملكة العربية السعودية. كما أن المجلس صمد أمام الخلافات الداخلية كافة، وتقدم في تطوير منظوماته الدفاعية المشتركة.
على أهمية الإنجازات، ثمة تحديات كبرى أمام دول مجلس التعاون الخليجي. داخلياً، يمكن تحديد المؤشرات الآتية:
- ارتفاع نسبة البطالة مقابل ارتفاع عدد العمالة الوافدة.
- استمرار الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للاقتصاد الوطني.
- ضعف إسهام القطاع الخاص في التنمية والضعف النسبي للتنافسية العالمية.
- تشكيل الثقافة الإسلاموية للوعي الجمعي وتأثيرها على رؤية كثير من الخليجيين لذواتهم والعالم من حولهم.
خارجياً، ما زالت إيران مصدر تهديد كبير لأمن دول الخليج العربي بسبب تمددها الإقليمي ودورها في سوريا، واستمرار محاولاتها السيطرة على القرار السياسي في العراق، ودعمها جماعة الحوثيين في اليمن.
يطرح الاتحاد الخليجي تحدياً آخر أمام دول مجلس التعاون نتيجة التردد في المضي به من قبل بعض الدول الأعضاء. كما أن هناك قلقاً خليجياً كبيراً إزاء استقرار مصر، فالإسلام السياسي ينشط فيها ضد الدولة محاولاً إدخالها في حال من الفوضى الأمنية والاضطراب السياسي.
إن اقتراب الدول الصناعية الكبرى من إيجاد بدائل للطاقة سيشكل ضغطاً على اقتصادات الخليج ضمن مسارين: تلبية المتطلبات الداخلية، والأدوار الإقليمية. سيؤدي استغناء العالم عن النفط الخليجي، إلى تراجع القيمة الإستراتيجية للمنطقة، مما ينعكس على الشراكة التاريخية بين دول المجلس -خصوصاً المملكة العربية السعودية- والولايات المتحدة الأمريكية. ومعلوم أن تبدل سياسة واشنطن تجاه طهران على خلفية الملف النووي، والتقدم في المحادثات بين إيران ودول (خمسة زائد واحد)، ومحاولات إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما منح الإيرانيين دوراً إقليمياً أكبر، أقلق الخليجيين مما ينذر بتوتّرات جديدة في المنطقة.
يحاول الكتاب إلقاء الضوء على أبرز الفرص والتحديات التي تواجه دول الخليج العربي. تسعى الدراسات المدرجة إلى الإحاطة بمجموعة من القضايا والملفات المرتبطة بالبيت الخليجي. وقد توزعت على محاور عدة: سياسية، وتنموية، وإصلاحية، وإقليمية… إلخ. ونتمنى أن تسهم الأفكار المطروحة في إثارة التفكير حولها، خصوصاً أننا نمر بمنعطف تاريخي خطر.
في الختام، يتوجه مركز المسبار بالشكر لكل الباحثين المشاركين في الكتاب، ويخص بالذكر الزميلين: إبراهيم أمين نمر، وعبدالله حميد الدين، اللذين نسّقا العدد، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهدهما وفريق العمل.
مشاهدة فهرس الكتاب
رئيس التحرير
أبريل (نيسان)2015