يشهد إقليم الساحل الإفريقي، لا سيما منطقة شمال مالي، تطورات متسارعة، حيث كشف تقرير حصري بثته قناة (فرنسا 24) عن اجتماع عقده ممثلون عن جبهة أزواد، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، بهدف تنسيق التعاون، وتوحيد الجهود، من أجل تصعيد العمليات في مواجهة الجيش المالي والقوات الروسية الداعمة له شمال البلاد[1]، فيما تضمن الاجتماع نقاشات تستهدف وضع ترتيبات إدارية، وتشكيل هيئة تضم عددًا من الفقهاء؛ لتكون المرجعية الرئيسة للتحالف الجديد، من أجل حل القضايا الخلافية والاحتكام للشريعة الإسلامية.
ولا تعد تلك المرة الأولى للتحالف بين الطرفين، حيث سبق وشهد عام 2012 محاولة لتوحيد الجهود، إلا أنها باءت بالفشل؛ نتيجة خلافات حول إدارة الأراضي التي تمت السيطرة عليها، مما أدى إلى مواجهات دموية، ترتب عليها خسارة جبهة أزواد ثقلها، وتراجعها من المشهد السياسي، إلى جانب خسارتها زمام المبادرة، بعد أن كانت رائدة المشروع الانفصالي الذي كاد يحصل على إجماع الغالبية، فيما تسعى جبهة أزواد للعودة مجددًا إلى المشهد، من خلال تشكيل تحالف جديد مع جبهة نصرة الإسلام والمسلمين، شريطة حل النقاط الخلافية التي أدت إلى فشل مشروع تحالف عام 2012.
واستنادًا إلى ما سبق يتناول التقدير، مضمون الاتفاق الأخير بين حركة أزواد وتنظيم القاعدة، إلى جانب إبراز دوافعه، وتأثيره على الأوضاع الأمنية بالبلاد، كذلك استيضاح مستقبل التحالف في ظل التطورات التي تشهدها مالي.
أولاً: ملامح التقارب
شهدت منطقة شمال مالي توترات سياسية وأمنية متصاعدة، مما أدى إلى قيام المجلس العسكري بالدفع بوحدات عسكرية شديدة التسليح إلى شمال البلاد؛ للقضاء على المتمردين من الطوارق والعرب من مسلحي تنسيقية حركات أزواد، وتنظيم القاعدة في الساحل، بينما كشفت مصادر أزوادية عن شن الجيش المالي هجمات انتقامية على منطقة تينزواتين، أسفرت عن استهداف عمال منجم الذهب بالمنطقة، مما أدى إلى مقتل العشرات من المدنيين[2].
لذا دفعت تلك التطورات جبهة تحرير أزواد، وتنظيم القاعدة للتقارب وتوحيد الجهود لمواجهة المجلس العسكري، حيث كشف رئيس المجلس الأعلى لوحدة أزواد الذي يضم المتمردين الانفصاليين السابقين “العباس أغ ستالا” عن وجود مفاوضات حالية مع جبهة نصرة الاسلام، فيما تضمنت المفاوضات بين الجانبين العديد من النقاط، لعل أبرزها؛ تشكيل تحالف عسكري عبر تأسيس آلية أمنية مجهزة بأحدث الأسلحة، تضم عناصر مدربة على أعلى المستويات، ترتكز مهمتها الأساسية حول تنسيق الجهود لمواجهة الجيش المالي وعناصر الفيلق الإفريقي، كما تناولت المفاوضات ترتيبات لتنسيق العمل الإداري في المناطق المسيطر عليها؛ تفاديًا لأخطاء اتفاق 2012، كما تمت مناقشة إنشاء هيئة شرعية وفقهية من العلماء والقضاة، تشرف على الخلافات التي تقع بين الجماعتين، مع الإبقاء على الهيئات وقضاة الجماعتين، والتوافق على تحكيم الشريعة الإسلامية بتلك المناطق[3]، فيما كشفت تقارير عن تقدم جبهة أزواد بطلب لفك ارتباط نصرة الإسلام بالقاعدة، بحيث يستقل المشروع السياسي الخاص بهما عن تنظيم القاعدة العالمي، إلا أن رد نصرة الإسلام جاء حاسمًا مؤكدًا أن بيعة القاعدة ليست مجرد التزام تنظيمي، لكنها عقد شرعي لا يمكن نقضه إلا في ظروف معينة، منها إسقاط النظام الحالي في مالي، وإقامة دولة إسلامية بديلة.
فالتنظيم يرى أنه مع سقوط دولة مالي تسقط معها جميع المسميات، وحينذاك يمكن ترتيب الأوضاع بما يتوافق مع المصالح الشرعية، إلا أن تلك الرؤية تتعارض مع تطلعات جبهة الأزواد التي ترغب في إقامة دولة مجاورة لمالي، وليس إسقاط الدولة المالية، وربما تصبح تلك النقطة بمثابة الخلاف الرئيس بين الجانبين.
ويثير التقارب الأخير بين الأزواد وجبهة النصرة تساؤلاً، حول إمكانية تكرار سيناريو الجولاني في سوريا، بمالي، بعدما فك ارتباطه بتنظيم القاعدة العالمي عام 2016، تحت مسمى جبهة تحرير الشام، وتحوله تدريجيًّا إلى فصيل ذي طابع محلي، بمسمى هيئة تحرير الشام، حيث تحالف مع عدد من الفصائل المحلية السورية المعارضة، مما أتاح له فرصة الحصول على دعم محلي وسياسي وعسكري وكذلك قبول دولي، فربما تفرض التطورات أن تنتهج نصرة الإسلام ذات النهج، وتقوم بفك الارتباط مع القاعدة، إلا أن تلك الخطوة ستؤدي إلى تداعيات خطيرة على نصرة الاسلام تتعلق بفقد الدعم اللوجيستي، وخسارة الغطاء الجهادي للحركة، ناهيك عن عداوة الجهاديين التقليديين الذين سيرون في تلك الخطوة خروجًا وخيانة للمشروع الجهادي، وفي الوقت ذاته يصعب الحصول على دعم سياسي وعسكري دولي، مثلما حدث مع الجولاني؛ نظرًا للبيئة الأمنية المعقدة للإقليم.
ثانيًا: دوافع محفزة
جاءت محاولة التقارب الأخير بين الأزواد ونصرة الإسلام التي حظيت بقبول متبادل، كنتاج للعديد من المحفزات، التي يمكن إبرازها على النحو التالي:
- تقاطعات قبلية: كشفت تقديرات عن انخراط العديد من الطوارق والعرب داخل جماعة نصرة الإسلام، بحيث تشكل تلك العناصر قرابة (90%) من العناصر البشرية للتنظيم[4]، بعد أن نجح في استقطابهم، مستغلاً الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الهشة، ناهيك عن أن زعيم نصرة الإسلام إياد أغ غالي ينحدر من الطوارق، ففي ديسمبر (كانون الأول) 2023، وبعد سبع سنوات من الاختفاء، ظهر إياد أغ غالي، في مقطع فيديو، مطالبًا المسلمين بدعم العمليات القتالية التي ينفذها التنظيم ضد القوات الروسية، وسعى غالي عبر الفيديو إلى محاولة التوظيف الإثني، حيث ظهر بزي الطوارق التقليدي[5]، مما يعكس رغبته في تأكيد انتمائه لجماعة الطوارق، وحرصه على إثارة حماستهم، في محاولة لاستقطابهم، مما يساهم في توسيع القدرات القتالية للتنظيم في مواجهة المجلس العسكري من جهة، وتنظيم داعش من جهة أخرى، لذا فمن شأن التداخلات الإثنية، الإسهام في تعزيز التقارب بين الجانبين؛ وصولاً إلى تفاهمات لحل النقاط الخلافية.
- هدف مشترك: برغم اختلاف أيديولوجيات الجانبين، لكنهما التقيا حول هدف واحد، وهو مواجهة كل من المجلس العسكري المالي، وعناصر تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يسعى إلى توسيع نفوذه، ومنافسة النفوذين الأزوادي والقاعدي، فوفقًا لتقرير مؤشر الإرهاب العالمي، كثف تنظيم داعش جهوده لتوسيع مناطق نفوذه بمنطقة الساحل، وتحولت تكتيكاته من العنف الجماعي إلى تكتيكات شبيهة بالحصار[6]، وبالفعل نجح في السيطرة على مناطق شاسعة على طول الحدود بين مالي والنيجر، لذا تسعى كل من جبهة الأزواد والقاعدة إلى تنسيق جهودهما لتقليص تمدد داعش، وإفشال المقاربة الأمنية للمجلس العسكري، بالتوازي مع ذلك تسعى الجماعات المتمردة شمال البلاد إلى تحقيق الاستقلال التام لمنطقة أزواد، لذا تجد الجبهة الأزوادية في تحالفها مع نصرة الإسلام فرصة لتعزيز مقوماتها العسكرية والقتالية، وإضفاء ثقل ميداني وعملياتي في مواجهتها مع الجيش المالي، مما يمنحها ثقلاً سياسيًّا وعسكريًّا، يعزز موضعها التفاوضي خلال الفترة المقبلة.
- تغير براجماتي: أدت التطورات الأخيرة إلى تغيير جماعة نصرة الإسلام تكتيكاتها واستراتيجياتها، لتتحول إلى جماعة متمردة أكثر براجماتية، تتحلى بقدر كبير من المرونة، في محاولة لإضفاء شرعية لوجودها، في محاكاة واضحة للنموذج الطالباني في أفغانستان، الذي تمكن من ترسيخ نفوذه، مع الحفاظ على وحدة الأراضي الأفغانية. فعلى سبيل المثال دعا بيان صادر عن جماعة نصرة الإسلام للتدخل الدولي للإطاحة بالمجالس العسكرية الحالية التي تعد عقبة أمام الاستقرار والتنمية، فيما أفادت تصريحات لقادة بارزين في جماعة نصرة الإسلام؛ منهم أمادو كوفا زعيم كتيبة ماسينا، وجعفر ديكو قائد عمليات الجماعة في بوركينا فاسو، إلى استعداد التنظيم لتقديم تنازلات بما يخدم استقرار الإقليم، وتسعى الجماعة من وراء هذا التحالف إلى استغلال النفوذ المحلي للأزواد؛ بغية تقنين تموضعها، وشرعنته باعتبارها جهة فاعلة تضم عناصر محلية، تعبر عن مصالحهم.
- صدام مع الحكومة المركزية: هناك حالة من عدم الثقة تجاه الحكومة المركزية، نتيجة إخلالها بما ورد في اتفاقيات السلام، والتي كان آخرها الاتفاق المبرم عام 2015؛ بهدف إنهاء النزاع بين الحكومة المركزية، وحركات الطوارق، حيث أخلت به الحكومة عام 2024، مما أدى إلى تصاعد المواجهات المسلحة مع الجيش المالي، لذا دفعت تلك التطورات الأزواد إلى التوجه نحو تعزيز التحالف مع فصائل أخرى، للضغط على الحكومة المركزية من أجل الحصول على استقلالها.
- مواجهة الوجود الروسي: بعد رحيل القوات الفرنسية، وتوتر العلاقات المالية مع باريس، واستبدالها بروسيا، تحول العداء تدريجيًّا إلى عناصر الفيلق الإفريقي، لا سيما وأن انخراط القوات الروسية في الصراع الداخلي المالي أدى إلى تقلص محاولات السلام، وتضاؤل فرصة الاستقلال، ناهيك عن تعزيز التنافس الدولي بالمنطقة، نتيجة توتر المشهد العملياتي شمال البلاد، لا سيما في كيدال، وقد كان ذلك دافعًا لتعزيز التفاهم بين الأزواد ونصرة الإسلام لتقوية جبهتهما العسكرية، لمواجهة الجيش المدعوم من عناصر الفيلق الإفريقي، ناهيك عن رغبتهما في استعادة السيطرة على المناطق التي استردها الجيش شمال البلاد كمدينة كيدال، إلى جانب رغبتهما في توسيع زحفهما نحو بعض المدن الشمالية والسيطرة عليها.
ثالثًا: أبرز التداعيات
تحمل محاولة التحالف المرتقبة بين نصرة الإسلام وجبهة الأزواد، جملة من التداعيات المحتملة التي يمكن إبرازها على النحو التالي:
- الضغط على المجلس العسكري: يتوقع أن تؤدي محاولة التحالف بين نصرة الإسلام وجبهة الأزواد إلى رضوخ المجلس العسكري لمطالب الأزواد، عبر فتح قنوات جديدة للتفاوض، وذلك لإفشال محاولة التعاون مع القاعدة، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى الوصول لاتفاق سلام شامل أو العودة لاتفاق الجزائر 2015، من جهة أخرى نجد أن موسكو -الحليف الاستراتيجي للمجلس العسكري المالي- تعتبر أبرز القوى الدولية المؤيدة للمسار التفاوضي، وسبق وقامت برعاية العديد من صفقات التبادل بين الجماعات المسلحة والمجلس العسكري، بخلاف فرنسا التي حذرت من هذا الخيار، ومما يعزز هذا المسار انشغال موسكو بالحرب مع أوكرانيا، ناهيك عن خسارتها قواعدها العسكرية في سوريا، التي كان يتم خلالها إرسال الإمدادات اللوجستية، لذا فموسكو في وضع لا يسمح لها بتوسيع نطاق عملياتها ضد التنظيمات الإرهابية، مما يدفعها لتبني المسار التفاوضي، عبر دفع الحكومات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر إلى التفاوض مع الجماعات الإرهابية، والمتمردين.
- تفاقم الأوضاع الأمنية: يتوقع أن يؤدي عدم التوافق بين الحكومة المركزية والفصائل المحلية المتمردة بالشمال إلى اتساع الجبهة المعارضة للحكومة، وتصاعد المواجهات المسلحة، وتصعيد العمل العسكري شمال البلاد. فعلى سبيل المثال استهدفت المسيرات الحكومية (8) من قادة الطوارق عقب الإعلان عن تحالف جديد يضم حركات أزوادية في ديسمبر (كانون الأل) الماضي[7]؛ خوفًا من اتساع هذا التحالف، ناهيك عن أن تعقد التفاعلات السياسية والعسكرية شمال البلاد، يمكن استغلاله من قبل تنظيم داعش الذي يسعى لمنافسة نفوذ القاعدة، ويطمح نحو توسيع نفوذه، فيتوقع أن يكثف من عملياته، استغلالاً للسياق الأمني المضطرب.
- تأثير الدومينو: استنادًا إلى تنامي تأثير الدومينو، يتوقع أن تشهد باقي دول الساحل استنساخًا لنموذج التحالف بين نصرة الإسلام والأزواد، وستكون المبادرة دائمًا مقدمة من التنظيمات الجهادية إلى الجماعات المحلية المسلحة، في محاولة لترسيخ وجودها وشرعنة تمركز الجهاديين، وذلك على غرار نموذج الجولاني في سوريا، وطالبان في أفغانستان، ويرجح أن ينتقل هذا النموذج إلى النيجر وبوركينا فاسو وتشاد وغيرهم، بل يمكن أن تنهج داعش ذات النهج لا سيما مع اتجاهه أخيرًا؛ لتخفيف وطأة نهجه القائم على العنف الشديد، حيث يتوقع أن يقوم التنظيم بتشكيل تحالفات مع الجماعات الانفصالية المنتشرة في ربوع القارة، ما من شأنه ظهور تيار إرهابي جديد يزعم مساندته للجماعات المحلية المتمردة في الحصول على حقوقها الانفصالية، وتقديم نفسه باعتباره القوة العسكرية الداعمة لتلك الفصائل.
- تضارب المواقف الدولية: يتوقع أن تحظى خطوة التحالف بردود فعل متضاربة، فربما نجد دعمًا فرنسيًّا للحركة الأزوادية برغم التاريخ العدائي الممتد بين الجانبين، لكن يتوقع تغير موقفها كرد فعل عن توتر العلاقات الفرنسية مع المجلس العسكري المالي، حيث تسعى باريس من وراء دعم الأزواد إلى إعادة تموضعها مجددًا بمالي بدءًا من الإقليم الشمالي. في المقابل يتوقع أن تحظى الخطوة برفض إقليمي لا سيما من الجزائر؛ خوفًا من تهديد حدودها وأمنها القومي، لا سيما مع وجود توقعات بتصاعد المواجهات العسكرية مع الجيش المدعوم من روسيا، مما يعني تمركز قوات روسية على الحدود، في حين تخشى الجزائر من توسع النفوذ الروسي في المنطقة.
رابعًا: سيناريوهات متوقعة
هناك عدة سيناريوهات يمكن خلالها تحديد مصير التحالف بين الثنائيين، ويمكن استشراف تلك السيناريوهات على النحو التالي:
- السيناريو الأول ـ نجاح التحالف: يفترض هذا السيناريو أن يتم التوصل إلى توافق متبادل بين الطرفين، ويتوقع أن يعتمد تنظيم القاعدة على أدواته الدعائية عبر استغلال انتهاكات الجيش وعناصر الفيلق الإفريقي؛ لبث مشاعر الكراهية تجاه الحكومة المركزية، مما يدفع مزيدًا من العناصر للاندماج في التنظيم، فيما تعكس المعطيات الحالية توافق الطرفين حول الأمور الرئيسة لعل أبرزها؛ إنشاء هيكل عسكري مزود بأسلحة حديثة ومقاتلين مدربين جيدًا، كذلك تشكيل هيكل قضائي إسلامي لحل الخلافات وفض النزاعات. من جهة أخرى يتوقع أنه في حال اتخذت جماعة نصرة الإسلام قرارًا بالانفصال عن تنظيم القاعدة العالمي، فمن شأن ذلك أن يمنحها قبولاً ودعمًا دوليًّا وإقليميًّا، وبالتبعية تقنين وضع التحالف الجديد.
- السيناريو الثاني ـ فشل التقارب: يفترض هذا السيناريو فشل الطرفين في التوصل إلى اتفاق؛ نتيجة اختلاف أيديولوجياتهما وأجنداتهما، فالقاعدة تسعى إلى الإطاحة بالحكومة المالية، وفرض سيطرتها على كافة الأراضي المالية، وإقامة دولة إسلامية تطبق مبادئ الشريعة، ناهيك عن وجود تطلعات توسعية لضم المزيد من الأراضي، وصولاً إلى السيطرة على إقليم الساحل. في المقابل تسعى الحركة الأزوادية إلى الانفصال عن مالي، وضم الأقاليم التي يقطنها الأزواد فقط في كل من النيجر وجنوب الجزائر وليبيا، ومما يعزز من هذا السيناريو اشتراط الأزواد في المفاوضات الأخيرة انفصال جبهة نصرة الإسلام عن القاعدة، في حين أعلنت الجبهة رفضها التام لهذا الشرط، بزعم أن الانفصال عن التنظيم العالمي يعني خيانة واضحة للمشروع الجهادي، وربما تتحول تلك النقطة إلى أحد معرقلات التقارب.
- السيناريو الثالث ـ تحالف مؤقت: يفترض هذا السيناريو أن يظل تنظيم نصرة الإسلام تابعًا للقاعدة، ويصنف ضمن التنظيمات الجهادية المتطرفة بالمنطقة. في المقابل تظل جبهة الأزواد كما هي حركة انفصالية، تسعى للدفاع عن مصالح وحقوق الطوارق، وتدعو لانفصال الأزواد، وتأسيس دولة خاصة بهم، لكن يبقى الجانب العسكري هو ركيزة التعاون فيما بينهما، بحيث يؤدي تصاعد العمليات العسكرية، وتصعيد الهجمات من قبل الجيش المالي، إلى تنسيق التعاون الأمني والعسكري بين الحركة الأزوادية وتنظيم القاعدة.
وبناءً على ذلك؛ فمن المرجح أن العلاقة بين حركة الأزواد وجبهة نصرة الإسلام ستقوم على أساس التعاون المؤقت وليس الاندماج التام، ويعزز من ذلك رغبة الأزواد في تعزيز بنيتهم العسكرية، وهو ما لن يتم إلا بالتعاون مع القاعدة، للاستفادة من خبراته القتالية، في الوقت ذاته يسعى القاعدة إلى تقليص عدد خصومه، فبدلاً من مواجهة داعش والجيش المالي والطوارق، جاء التحالف الأخير ليحول العداء مع الطوارق إلى تعاون متبادل. في الوقت ذاته يُستبعد سيناريو الاندماج التام نتيجة اختلاف أيديولوجيات وتطلعات كل منهما.
واستنادًا إلى ما سبق، يبدو أن المشهد الأمني في مالي يزداد قتامة وتعقيدًا، ويتطلب مقاربة أمنية رصينة، لا تستند إلى الجانب العسكري والمواجهات المسلحة فحسب، لكن ينبغي أن تشمل رؤية سياسية وتفاوضية عميقة، تعزز من التواصل مع الجماعات المحلية المتمردة، وتعمل على إعادة دمجهم مجتمعيًّا، عبر تلبية متطلباتهم السياسية والاجتماعية والتنموية؛ منعا لتسهيل عملية استقطابهم من قبل التنظيمات الجهادية، خاصة أنه في حال ثبوت فاعلية التحالف بين الأزواد والقاعدة، فمن شأن ذلك إتاحة الفرصة أمام انتشار نماذج مختلفة للتحالف بين الجماعات المحلية والتنظيمات المسلحة، الأمر الذي سينعكس بالسلب على الأوضاع الأمنية واستقرار المنطقة.
[1]– حصري – مالي: اجتماع مفصلي بين “جبهة تحرير أزواد” و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، موقع فرنسا 24، 5 مارس (آذار) 2025، متاح على: https://2u.pw/zuELZ
[2]– غارات انتقامية للجيش المالي في أزواد تستهدف عمال منجم للذهب، موقع سكاي نيوز، 31 يوليو (تموز) 2024، متاح على: https://2u.pw/SdwchY0H
[3]– تحالف مصالح بين المتمردين الطوارق والقاعدة ينذر بموجة عنف في مالي، موقع ميدل إيست، 7 مارس (آذار) 2025، متاح على: https://2u.pw/IYyXB
[4]– Andrew Lebovich,The Local Face of Jihadism in Northern Mali,compating terorrism center,Volume 6,june 2013, available at: https://ctc.westpoint.edu/the-local-face-of-jihadism-in-northern-mali/
[5]– د. حمدي بشير، تصعيد محتمل: هل تستهدف جماعة “نصرة الإسلام” مصالح روسيا بمنطقة الساحل؟، موقع الحائط العربي، 18 ديسمبر (كانون الأول) 2023، متاح على : https://2u.pw/2lQH7
[6]– Global Index Terrorism 2025, available at: https://reliefweb.int/report/world/global-terrorism-index-2025
[7]– القوات المالية تقتل (8) من قادة متمردي الطوارق، موقع جريدة الشرق الأوسط، 2 ديسمبر (كانون الأول) 2024، متاح على: https://2u.pw/y1O2cK7p