يوميات أسامة بن لادن.. هوس بالأحلام وتشاؤم من المستقبل
نشرت وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) الأسبوع الماضي “الكنز” الذي حصلت عليه من مقر إقامة زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وذلك بعد تحفظ دام ست سنوات، عصرت خلالها الاستخبارات كل حرف وكل معلومة حصلت عليها من بيت ابن لادن، ومحصت كل ما وجدته في محاولة لفهم شخصية عدوها اللدود ومنظمته الإرهابية التي ضربت الولايات المتحدة في مقتل.
الحصيلة التي نشرتها الوكالة للعموم ضخمة ومعقدة بلغت قرابة (470) ألف مادة ما بين صور ومذكرات وتسجيلات فيديو وملفات صوتية. ومنذ لحظة نشرها انهالت مئات الآلاف من الزيارات على الصفحة، مما أدى إلى تعطلها حتى هذه اللحظة.
المواد المنشورة كشفت الكثير عن شخصية زعيم التنظيم، وربما عن التغيرات التي طالت شخصيته ونظرته للأمور، كما يبدو من تلك المذكرات التي كُتبت بخط ابنته، أنه كان يعيش فترة التقاعد عن العمل والاكتفاء بمشاهدة التلفزيون ويوتيوب وتدوين أفكاره ومرئياته عن ما يحدث في العالم.
في إحدى الصفحات عنونت الكاتبة مذكراته بـ”جلسة مع الأسرة” ودونت فيها ما دار من حوار في تلك الجلسة حول ما يعيشه العالم العربي من ثورات واضطرابات، يبدو من صياغة المذكرات أنها أشبه ما تكون بالحوار بين الأب وأسرته، حيث ذكرت أكثر من مداخلة وسؤال لابنتيه مريم وسمية، ومداخلات لزوجته أم حمزة، ولابنه خالد. تحدث ابن لادن في تلك الجلسات المدونة عن الوضع في ليبيا إبان مرحلة إسقاط القذافي والوضع في العراق وفي الجزيرة العربية، التي نبه إلى أنها تستخدم سلاح التخويف من ارتفاع النفط إلى (200) دولار للبرميل، وذلك للمحافظة على أراضيها من مد الثورات.
يبدو من الواضح أن ابن لادن كان يكتنفه خليط من المشاعر تجاه ما كان يحدث في الوطن العربي في أوج الثورات التي اجتاحت المنطقة آنذاك. من ناحية، كان سعيدا بما يحدث ويتمنى أن تسقط جميع الأنظمة “سقوط جميع الأنظمة مصلحة للأمة” بحسب تعبيره، ولذلك كان من الواضح رضاه التام عن قناة الجزيرة التي قال عنها بأنها تسعى للمساهمة في الإطاحة بأنظمة الحكم في المنطقة. ومن ناحية أخرى، كان يتابع بقلق ما يحدث، خشية أن تجري الرياح بما لا يتماشى مع طموحاته. مذكرات ابن لادن ضمت تحليلاته لأحداث الثورات آنذاك، ولحسن الحظ أننا نقرأ هذه التحليلات الآن بعد عدة سنوات من كتابتها وبعد أن استقرت الصورة ووضحت. كان من تحليلاته التي أصاب فيها، الوضع في السودان وأنه لن يشهد الكثير من الاضطرابات بسبب نزعة السودانيين نحو السلم. في حين جانبه الصواب في وضع المغرب العربي مثلا، إذ تنبأ بسقوط الأنظمة هناك في حال سقطت ليبيا، وهو ما لم يحدث بطبيعة الحال.
المذكرات تحدثت كثيرا عن الوضع في ليبيا، ربما لأنها كانت الملف الأكثر سخونة في ذلك الوقت، أو لأن الساحة هناك كانت مغرية بتكاثر خلايا القاعدة. إلا أن من الواضح أن ابن لادن كان يتابع الوضع هناك بشكل لصيق، إلى درجة أنه قام بقراءة لغة جسد القذافي وتحليل شخصيته، يقول ابن لادن بأن “أعصاب القذافي كانت مرهقة وأنه عندما يتكلم لم يكن طبيعيا، إذ تبدو عليه آثار تعاطي الحبوب المهدئة”. كما أشار في أكثر من موضع إلى أن القذافي شخص مجنون.
تعرض زعيم تنظيم القاعدة في مذكراته للوضع السعودي- الإيراني ووصفه بأنه “صعب”، موضحا أن إيران لها أكثر من رأس: خامنئي والحرس الثوري، ومجلس الشورى، وأن لكل رأيه، كما أشار إلى أن قيام حرب بين السعودية وإيران سيكون له عواقب وخيمة على المنطقة.
وتبدو نظرة ابن لادن لمستقبل المنطقة العربية في ذلك الوقت متذبذبة بين التفاؤل والتشاؤم، ففي بعض الأيام التي دون فيها بدا مفعماً بالتفاؤل، ففي يوم 21 ربيع الثاني 1432، صدّر تدوينة بعبارة “الأخبار أحلى من العسل” وتحدث فيها عن بعض المستجدات المبشرة من أرض اليمن السعيد بحسب وصفه، وبعد عدة أيام كتب مقاطع يتحدث فيها عن تشاؤمه بمستقبل الأمة العربية، وذلك بسبب تعطيل العقول وأن المنطقة مقبلة على مجاعات وكوارث بسبب تضخم العدد وانعدام خطط النهوض.
من الواضح على ابن لادن أيضاً أنه يعطي الأحلام ورموزها وتفسيرها الكثير من الاهتمام، حيث تحدث في أكثر من مقطع عن أحلام رآها هو أو ابنه خالد أو حتى بعض أعضاء التنظيم. أحد أكثر الأحلام التي أثرت فيه هو رؤيته للأمير الراحل نايف بن عبدالعزيز يدخل عليه بلباس عسكري، وكان يبدو في الحلم كصديق وليس كعدو. ويفسر ذلك بقوله: “آل سعود أسرع في التحرك منا نحن نحو المجاهدين والشباب الملتزم (!)”. كما ظهر في أكثر من مقطع يتحدث عن المهدي المنتظر والمسيح الدجال وعيسى بن مريم وعودته للأرض، يبدو ابن لادن وكأنه يرى بأن يوم القيامة أقرب مما نتصور.
أشار الكثير من المتابعين والمتخصصين إلى أن ابن لادن يتمتع بكاريزما عالية، وذلك في تحليلهم لشخصيته إبان ذروة الخطابات التي كان يتوجه بها للعالم، وذلك بسبب فصاحته وبلاغته، ويبدو أن هذا النهج لم يكن مصادفة، إذ تكشف هذه اليوميات أنه يعي الأهمية البالغة للغة وتأثيرها على الجماهير، يقول في إحدى الصفحات: “أحد المستشرقين يقول: إن العربي تسحره بلاغة الكلمة عن حقيقة الواقع، السبب فصاحة اللغة، وجزالتها ترفع الحس للصوت، كل الناس لهم تأثر بالسجع”.
وأخيراً، هذه المذكرات التي وقعت في (228) صفحة ليست إلا جزءاً بسيطاً من المضبوطات التي استحوذت عليها الاستخبارات الأمريكية من مقر سكنه، وكان من ضمنها جهاز الكمبيوتر الشخصي الذي كشف أيضا جوانب من شخصيته، ومنها مقاطع فيديو تمت مشاهدتها على جهازه لها علاقة بتعليم حياكة الصوف والكثير من الأفلام الهوليوودية الكارتونية (الأنيميشين) مثل فيلم Ice Age، Tom and Jerry، Wallace and Gromit، Chicken Little، Antz، وغيرها من المقاطع الكوميدية الشهيرة مثل Charlie bit my finger ومقاطع مستر بين وبعض الوثائقيات. ولا يمكن تأكيد أن هذه المواد تمت مشاهدتها بواسطة زعيم تنظيم القاعدة أو أحد الساكنين معه في ذلك البيت، لكن نظرا للحساسية البالغة لاستخدام الحاسب من الناحية الأمنية عليه، والتي تحتم عليه التعامل بحذر شديد مع تصفح الإنترنت، تظل فرضية أنه ربما كان هو من شاهدها أو أنه قام بتشغيلها لأطفاله، هي الأرجح. إذ لا يمكن تصور أن يغامر زعيم تنظيم القاعدة بالسماح لأفراد أسرته باستخدام الإنترنت، إذ إن هفوة بسيطة قد تدل القوات الأمريكية على موقعه.