المقدمة
حتى هذه اللحظة، تضع كل دولةٍ تاريخها لهزيمة داعش، بالتأكيد أن خبر هزيمتها في العراق 2017 ومن ثم اغتيال زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي 2019 لم يعن شيئاً كبيراً لدى المتابعين برغم أهميته السياسية.
داعش من طينة الجماعات المسكونة بالبقاء، لم يكتسب الكثير من صفات تنظيم القاعدة الصلب بنظمه وشبكاته، ولكنه استطاع بناء هيكل يمثل مزيجاً من «إدارة التوحش» القاعدي (انطلاقاً من كتاب إدارة التوحش للأبو بكر ناجي) ومن المأساوية الدرامية (الإخوانية) من «أوضاع المسلمين» الأمر الذي جعل مشهدية داعش تنزح نحو التصعيد «السينمائي» في العمل الإرهابي، لدرجةٍ جعلت المشهد بحق سوريالياً.
ثم إن داعش تنتج متحوّراتها في العراق وسوريا وأفريقيا، وتلتحم في مناطق النزاع وتهبّ في لحظات الاضطراب، ولعل المشهد الأفغاني كان المثال الأبرز حين ظهرت الخلايا النائمة، وبرز التنظيم الكامن، فحين تضعف داعش، ينبري للمشهد تنظيم «داعش خراسان» وغيره المتحوّرات التنظيمية الداعشية.
لقد حاول العديد من المتابعين والمحللين رصد هذه الظاهرة، «ظاهرة داعش»، زخرت المكتبات العربية والعالمية بعدد لابأس به من الكتب والتدوينات، وكل كتابٍ يشرح مرحلةً من المراحل أو يغطي حقبةً من وحشية ذلك التنظيم.
في هذا الكتاب «وجهاً لوجه مع داعش» سعت المؤلفة الأستاذة رولا الخطيب أن تستفيد من خبرتيْها البحثية والأكاديمية (تحمل درجة الماجستير من جامعة السوربون) والصحافية والميدانية إذ تعمل في شبكة قنوات العربية منذ اثنتي عشرة عاماً، فهي مراسلة حرب وغطت العديد من الاضطرابات في مناطق النزاع إذ ذهبت إلى سوريا والعراق وكردستان وليبيا، وغطّت في أفغانستان مرتين، وهي من أهم المراسلات الميدانيات في المنطقة.
وبعد تجربتها الدقيقة في تغطية تنظيم داعش ومخيم «الهول» وجدت أن بين يديها تجربة غنية منحتها إياها القراءة والمتابعة والدراسة من جهة، والترحال المضني بين الجبهات والحواجز والجبهات من جهةٍ أخرى، وأرادت أن تدوّن هذه التجربة باعتبارها آداء رسالة للإنسانية.
تنوّع الكتاب في مضامينه، حتى ليشبه روايةً ملحميةً لايصدق أحداثها إلا من عاشها، وضعت للقارئ نافذته ليطلّ على الجغرافيا الملتهبة، للرمال الزاحفة بفعل الجحافل الإرهابية والألوية الدموية، لمحات تاريخية لنزاعات مشتبكة استثمرها تنظيم داعش، بالإضافة إلى تفوّق كبير من المؤلفة في استباق الأحداث بتحليلاتٍ بديعة، ونفائس في الربط والتأمل اختص بها هذا الكتاب.
مزج الكتاب بين البحثي والميداني، بين السياسي والإنساني، ويتنقّل بالقارئ من درجةٍ إلى أخرى نحو مشهد مختلف قد يكون شاهد لقطاته على الشاشات، وإنما يقرؤه هنا بالتفاصيل، بالحكايات الموثقة، بتحليلٍ دقيق وشجاعةٍ متوثبة، إن المؤلفة نموذج حقيقي للشجاعة الفكرية والميدانية، قلما نعثر على تجربةٍ بمثل هذا الثراء في المكتبات.
والكتاب لاتقتصر أهميته على المتخصصين، بل من الضروري نشره في جميع الأصقاع لسماع شهادةٍ دقيقة وحيّة نقلتها لنا المؤلفة من مواقع الحدث، من أفواه الناس، من النساء المكبّلات، أو اللواتي كبّلن أنفسهن، من أوجاع الطفولة، إن الكتاب رسالة إنسانية ضد الإرهاب والعنف بالعالم.
فهد بن سليمان الشقيران
مستشار مركز المسبار للدراسات والبحوث