يتناول هذا التقرير أبرز ما تناولته الصحف حول قضية كشف وثائق ترسم وقائع مفاوضة قطر لخاطفي مواطنيها في العراق، وحوارًا بين وزير خارجيتها وسفيره يكشف تفاصيل الاتفاقات. ويتساءل التقرير عن الجديد الذي تضيفه هذه الوثائق. مؤكدًا، أنّ الجذر الحقيقي للمشكلة يتعدى القصة المعروفة، ولما يتم تناوله، لأنّه يعتمد على خلافٍ جذري بين الإخوان المسلمين والعالم، حول مفهوم الإرهاب، ومفهوم مكافحته.
البداية من واشنطن بوست “قطر تدعم الإرهاب بالوثائق”
كشفت وثائق جديدة نشرتها صحيفة واشنطن بوست[1] أن قطر دفعت مبالغ مالية باهظة لجماعات إرهابية في صفقة الإفراج عن خمسة وعشرين مواطنا اختطفوا في العراق.
اعتبرت المقالة المنشورة في “واشنطن بوست” Washington post للكاتب جوبي وارك Joby warrick أن هناك محادثات خاصة أظهرت موافقة مسؤولين قطريين على مدفوعات بلغ مجموعها حوالي (275) مليون دولار، لتحرير تسعة أعضاء من العائلة المالكة، وستة عشر مواطنا قطريا، تم احتجازهم خلال رحلة صيد في جنوب العراق. وكشفت السجلات السرية التي أشارت إليها المقالة أن خطة الدفع خصصت مبلغاً إضافياً قيمته (150) مليون دولار نقداً للأفراد والجماعات الذين يعملون كوسطاء، وتشمل هذه السجلات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله.
في الشهر الماضي نفى السفير القطري في واشنطن مشعل بن حمد “دفع بلاده لأي فدية”، وأرسل رسالة لصحيفة نيويورك تايمز. إلا أنه لم ينف –حينها- دفع قطر لأموال لإنهاء الأزمة.
وتشير المقالة إلى أن المحادثات والرسائل النصية التي حصلت عليها الصحيفة (واشنطن بوست) ترسم صورة أكثر تعقيداً. مشيرة في هذا السياق إلى سلسلة من الدفعات الجانبية التي تراوحت ما بين مليونين إلى واحد وعشرين مليون دولار، لمسؤولين إيرانيين وعراقيين وزعماء آخرين. وتؤكد المقالة أن ذلك ما يبين مساومة قطر مع مسلحين حول قضية الرهائن، الأمر الذي سيصبح نقطة اشتعال في نزاع أكبر بين قطر وجيرانها نتيجة علاقات قطر مع إيران، ومنظمات إرهابية أخرى[2].
وحسب هذه الوثائق، تورطت قطر في تلك الصفقة بالتعامل مع شخصيات وكيانات إرهابية كوسطاء، منهم قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وكان نصيبه من الصفقة خمسين مليون دولار.[3]
وكشفت الصحيفة، التي عرضت رسائل نصيّة مسربة، عن قيام دبلوماسي قطري كبير ببعث رسالة إلى رئيسه في شهر أبريل (نيسان) 2016، أي في الشهر السادس عشر من اختطاف (25) قطريا، وقال فيها: إن الدوحة تعرضت للسرقة.
وأظهرت الرسائل، التي نشرتها “واشنطن بوست”، تذمر السفير القطري في العراق زايد بن سعيد الخيارين من سعي الميليشيات المتطرفة إلى السطو على قطر، حين دخلت الدوحة في مفاوضات سرية لأجل تحرير مواطنيها، وكتب السفير، وهو متزعم المباحثات: “كلهم لصوص، السوريون وحزب الله
اللبناني وكتائب حزب الله العراقي، كلهم يريدون المال وهذه فرصتهم”. ووافقت قطر في أبريل (نيسان) على دفع (275) مليون دولار على الأقل، لأجل الإفراج عن (9) أفراد من الأسرة الحاكمة و(16) مواطنا تعرضوا للاختطاف أثناء رحلة صيد في العراق. وقالت “واشنطن بوست”: إنها تأكدت من دفع القطريين أموالا للإرهابيين، بناء على رسائل بين المسؤولين القطريين. ولا يمكن التأكد إن كان لدى الصحيفة المزيد من الملفات السرية، خاصة وأنّ المقال أشار إلى وثائق.
توضح المراسلات، أن صفقة تحرير الرهائن، كانت تقوم على دفع (150) مليون دولار نقدا للأشخاص والجماعات الذين لعبوا دور الوساطة لتحرير الرهائن، وهم أشخاص تدرجهم الولايات المتحدة منذ مدة طويلة في خانة الإرهاب. وتضم الأطراف الوسيطة في الملف القطري كلا من الحرس الثوري الإيراني وكتائب حزب الله، إضافة إلى جماعة عسكرية متورطة في هجمات دامية ضد القوات الأمريكية في العراق. وتضيف “واشنطن بوست”: إن دفع تلك الأموال لم يكن سوى جزء من صفقة أكبر شملت حكومات العراق وإيران وتركيا، فضلا عن ميليشيات حزب الله اللبناني وفصيلين اثنين من المعارضة السورية، بما في ذلك جبهة النصرة.
وجراء دخول عدة أطراف على الخط، ارتفع المبلغ المطلوب للإفراج عن الرهائن إلى مليار دولار، وتوضح الصحيفة الأمريكية أن الوثائق لا تكشف التكلفة النهائية لإتمام العملية. وأقرت قطر في وقت سابق بأن دولاً عدة ساعدتها لأجل تحرير الرهائن، لكنها نفت أن تكون قد دفعت أموالا لجماعات إرهابية في سبيل إتمام الصفقة.
تظهر الوثائق التي حصلت عليها “واشنطن بوست”، أن المال دفع بالفعل لتنظيمات منسوبة لدول أو لميليشيات إرهابية، وأظهرت أن مسؤولين قطريين وقعوا على دفع مبالغ تتراوح بين (5) و(50) مليون دولار لمسؤولين عراقيين وإيرانيين وميليشيات، فضلا عن (50) مليون دولار لشخص أشير إليه بقاسم، وهو أحد أبرز اللاعبين في صفقة الإفراج عن الرهائن. وكتب السفير القطري لدى العراق، زايد بن سعيد الخيارين في رسالة موجهة إلى كتائب حزب الله: “ستصلكم أموالنا حين نستلم أهلنا”، في إشارة إلى المخطوفين.
أحجار في لعبة جيوسياسية
وفي وقت سابق كانت قد أشارت مقالة في نيويورك تايمز[4] إلى أن الرهائن القطريين كانوا أحجاراً في لعبة جيوسياسية. حيث تتمتع قطر بنفوذ قوي مع الفصائل المتمردة التي يُعتقد أنها تمولها، وهي وسيلة يمكن أن تكون مفيدة لخبير استراتيجي مثل سليماني. تم استخدام الرهائن القطريين من أجل إجلاء السكان في سوريا من أربع مناطق استراتيجية: منطقتان شيعيتان ومنطقتان سنيتان، كان هدف هذه الحركة تحويل سوريا إلى منطقة تضمن -كما في اليمن ولبنان والعراق- دوراً إيرانياً مهيمناً. كم من اللوم تستحق قطر على هذا؟ يُجيب الكاتب في نفس المقالة السابقة: لقد شاركت قطر في فدية تقدر بملايين الدولارات لتحرير أسرى لدى القاعدة سابقاً، بما في ذلك امرأة سويسرية محتجزة في اليمن عام 2013. يقول الكاتب: وقد تم تحرير صديقي ثيو بادنوس Theo Padnos الذي تم اختطافه لمدة عامين في سوريا، وقد تم تحريره بالوساطة والمال القطري. وفي النهاية، يقول الكاتب: لقد دفع القطريون أموالاً للتلاعب بسياسات منطقة مضطربة، ولكنهم وجدوا الأمور تغيرت بطريقة مختلفة عن ما خططوا له.
تشير إرم نيوز إلى أنه في العام الماضي، كشفت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، توثيقًا للمراسلات حول ارتباط الإفراج عن الرهائن القطريين، بخطة إيرانية مدعومة من تركيا و”حزب الله” اللبناني، لإخلاء (4) قرى سورية: اثنتان من الأغلبية السنية وأُخريان من الأغلبية الشيعية، والتي خضعت لحصار جماعات متشددة مختلفة لعدة أشهر. علاوة على ذلك، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، الشهر الماضي، مقالًا يكشف عن استيلاء مسؤولين عراقيين في مطار بغداد الدولي على (360) مليون دولار، من الأموال النقدية القطرية، المُرسلة جزئيًا للمقاتلين السوريين وتنفيذ عمليات الإجلاء، ضمن خطة إطلاق سراح الرهائن المتفق عليها. وكشفت تسريبات واشنطن بوست، أن الخيارين أكد لوزير الخارجية القطري، إذ طلب المسلحون منه “إحضار الأموال” مقابل تحرير الرهينتين، ثم في وقت لاحق، طلب الخاطفون، عبر وسيط عراقي، تقديم تنازلات أخرى.
وفي مارس (آذار) 2016، كتب الخيارين أنه أخبر الخاطفين بـأن “مطالبهم ليست منطقية إطلاقًا”، ولكن بعد فترة وجيزة، أصبح المال الركيزة الرئيسة في التبادلات النصية والمحادثات الهاتفية، ففي بادئ الأمر، ناقش المسؤولون القطريون دفع (150) مليون دولار إلى كتائب حزب الله في حال إطلاق سراح جميع الرهائن، مع دفع (10) ملايين دولار إضافية إلى الوسيط العراقي للمجموعة، الذي يعُرف باسم أبي محمد السعدي. وكانت هذه الدفعة المالية بداية مناقشات عديدة، حول مجمل الدفعات الإضافية المحتملة لمسؤولي الميليشيات والوسطاء، الذين طالب بعضهم بالحصول على أموال إضافية من القطريين تحت غطاء من السرية، لكي لا يكتشف إخوانهم في الكتائب حصولهم على مكافآت. وقد أخبر الخيارين وزير الخارجية القطري، في رسالة بالبريد الصوتي، أن “السعدي قال له: ماذا عنّي؟”، قائلًا له بصراحة: “أريد (10) ملايين دولار”، فرد عليه: “لن أعطيك (10) ملايين، إلا إذا ضمنت تحرير رفاقي بنسبة (100%)، لذا سأدفع لك (150) مليونًا ثم سأعطيك العشرة فيما بعد”. وفي وقت لاحق، خلال ربيع العام 2016، اتسعت دائرة الوسطاء والمحاورين لتشمل (سليماني) وغيره من كبار المسؤولين الإيرانيين، ففي شهر مايو (أيار) أخبر الخيارين رئيسه بأن المفاوضين توصلوا إلى مبلغ (275) مليون دولار، على أن تتم الصفقة في محافظة السليمانية بالعراق، ثم اُقترح مبلغ مليار دولار ثمنًا لصفقة شاملة، تشمل الإيرانيين وخطة الإخلاء من (4) قرى، إذ يسعى سليماني إلى تنفيذ هذه الخطة منذ أكثر من عامين. وفي رسالة نصية بتاريخ أبريل (نيسان) 2016، قال الخيارين: إن “قاسم ضغط على الخاطفين وكان مستاءً جدًا منهم”، لتتصف مراسلاته في وقت لاحق، برحلات سليماني للقاء الكتائب في العراق، وكذلك الاجتماعات بين المفاوضين القطريين، وممثلين عن الحرس الثوري، ومكتب المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي. وبحسب “واشنطن بوست”، دخلت المفاوضات مرحلة غير مثمرة لعدة أشهر حتى أواخر العام 2016، عندما بدأت الميليشيات تشعر بالقلق المتزايد من طبيعة الحوار، فكتب الخيارين في نوفمبر (تشرين الثاني) من ذلك العام، قائلًا: “أخبرت الكتائب (الوسيط) أنهم سئموا من القضية ويريدون أي حل لإنهائها، لذا يريدون الحصول على بعض المال”، فعلى ما يبدو أن “الجماعة مفلسة”. وبحلول أبريل (نيسان) 2017، وبعد اجتماعات إضافية مع الإيرانيين، تم وضع الخطوط العريضة لصفقة شاملة تضم سلسلة من الطلبات، إذ وصلت الحافلات إلى القرى السورية الأربع لبدء عمليات الإخلاء، لينقل الرهائن القطريون إلى بغداد قبل إطلاق سراحهم، بحضور كبار المسؤولين القطريين للمساعدة في الإشراف على تنفيذ الخطة، وفقًا للوثائق. وفي 25 أبريل (نيسان) 2017، بعد أيام فقط من إطلاق سراح الأسرى، أمسك الخيارين، هاتفه الخلوي، ليخبر وزير الخارجية القطري بالخبر الصادم، مشيرًا إلى مطالبة وسطاء بمبلغ (150) مليون دولار نقدًا، إذ يحصل قاسم على (50) مليوناً، ووسطاء السليمانية (50) مليونًا، وأبو حسين، قائد الكتائب، (25) مليونًا، وبانهاي (مسؤول إيراني متورط في المحادثات) (20) مليونًا”. وكان الشخص الأخير في القائمة أبا محمد السعدي، مفاوض حزب الله، الذي طلب مبلغ (10) ملايين دولار إضافية، لكنه حصل على (5) ملايين دولار. وختم الخيارين في رسالة بريد صوتي مدتها سبع ثوانٍ إلى رئيسه مؤكدًا أن جميع المدفوعات تمت: “لقد انتهى الأمر وتم توزيع الأموال”.[5]
ردود فعل على الوثائق
الكاتب والباحث السياسي الأمريكي إريك هام في مقابلة مع سكاي نيوز عربية قال: يجب مواجهة أذرع إيران في المنطقة ومواجهة الدول الداعمة للإرهاب[11]. أما أستاذ الإعلام السعودي عبدالله العساف فقال في مقابلة على قناة سكاي نيوز: قطر استغلت غطاءً إنسانيا لتمرير صفقات هائلة لتمويل الإرهاب، قطر ضخت الأكسجين في رئة التنظيمات الإرهابية، والدفع بها مجددا للحياة، هذه التنظيمات قبضت مبالغ ضخمة، كما رأى أن قطر بتقديمها المساعدات الإنسانية وفك الرهائن تقدم حيلا شيطانية لتمويل ودفع الأموال الطائلة للجماعات الإرهابية. وفي مقابلة أخرى على سكاي نيوز يقول الكاتب والباحث السياسي أحمد الفراج: النظام القطري مستعد أن يقوم بأي عمل قبيح ومصبوغ بالخيانة ليجد له مكانا على الخارطة الدولية[12].
شكك أحد أبرز خبراء الإرهاب في الولايات المتحدة الأمريكية في جدية قطر في مكافحة الإرهاب، خلال شهادة أدلى بها أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي. وقال الدكتور ديفيد واينبرج: إن الدوحة وقّعت “تحت الضغط” مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة في يوليو (تموز) لمكافحة الإرهاب، موضحا أن نص المذكرة لم يعلن بموافقة البلدين، مما جعل من المستحيل على المراقبين تقييم مدى جدية قطر، والتزامها بأحكام الاتفاق. ولفت واينبرج، خلال شهادته، إلى أن الضغط على قطر، بعد قطع العلاقات معها من قبل الرباعي العربي منتصف العام الماضي، جعلها تسعى لبذل بعض الجهد في هذا الإطار. وفي شهادة أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، بشأن تعاون الولايات المتحدة مع الدول العربية في مكافحة الإرهاب بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أشار إلى تقرير نشرته وزارة الخارجية الأمريكية في يوليو (تموز) 2017 ، ويغطي عام 2016، ورد فيه أن “ممولي الإرهاب داخل البلاد (قطر) لا يزالون قادرين على استغلال النظام المالي الرسمي”. وأضاف واينبرج أن تمويل الإرهاب بالمنطقة لا يزال مصدر قلق بالغ، لافتا إلى أنه في فبراير (شباط) عام 2017، كشف مساعد وزير الخزانة الأمريكي السابق لمكافحة تمويل الإرهاب دانيال جليزر، عن أن هناك ممولين للإرهاب لا يزالون يعملون بحرية داخل قطر. كما لفت إلى تقارير تحدثت عن معلومات مقلقة تم اكتشافها العام الماضي بشأن المجهودات القطرية لمحاكمة ممولي الإرهاب؛ حيث توصلت إلى أن الدوحة حاكمت شخصيات بارزة في تمويل الإرهاب، كانت تتمتع بحصانة قانونية قطرية على الرغم من كونهم على قائمة العقوبات الأمريكية والأمم المتحدة لتمويل الإرهاب.
وأوضح أن مدى كفاءة تلك الإجراءات الجديدة التي اتخذتها قطر هي موضع تساؤل الآن، لافتا إلى ما قالته قطر لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في وقت سابق من هذا العام، حول إلقائها القبض على عبدالرحمن النعيمي وأنه قيد محاكمة جديدة. وكان النعيمي ضمن قائمة العقوبات الأمريكية عام 2013، التي أشارت إلى أنه قدم ملايين الدولارات إلى القاعدة خلال عقد زمني. لكن تمت مشاهدة النعيمي خلال حفل زواج ابنه منذ أسبوعين، في نفس الوقت الذي قال فيه أمير قطر للرئيس الأمريكي دونالد ترمب: إنهم لا يتسامحون مع الأشخاص الذين يدعمون الإرهاب أو يمولونه. وخلال الحفل، التُقطت صور للنعيمي واقفًا بجواره خالد مشعل.[13]
وماذا عن ردود الفعل للمشتبهين؟
إلى الآن لم يصدر تعليق رسمي جديد من الأطراف الضالعة في القضية. الطريف أن الصحافة الإيرانية التي كانت تجد في مثل هذه المواقف مناسبات ملائمة لمهاجمة ما تسميه الشيطان الأكبر، ولكنها لم تجد ما تقوله هذه المرة. واختارت أن تبيّن غضبها من خلال التغطيات الصحافية التي تدافع عن قطر في ملف الأزمة الخليجية تحديدًا. فتقوم صحيفة كيهان الإيرانية في عدد اليوم مثلاً، بنقل “اجتهاد” النيويورك تايمز حول أن ترمب لم يقصد تهديد قطر. وتنقل كيهان ذاتها خبرًا مفصلاً عن طائرة الدرون التي أسقطت في حي الخزامي بالسعودية، وتفصّل عليها تفسيرات غريبة عليه.
ما الجديد الذي تكشفه هذه الوثائق؟
لا يمكن الجزم بأنّ الوثائق كشفت جديدًا، فكل المعلومات المذكورة فيها معلومة بالعموم، وذكرتها الدول المقاطعة لقطر في تقارير متفرقة، ولا جديد الآن سوى بروز الأرقام والأدلة التوكيدية. فقطر هي قطر التي تمارس دورها في شراء الخيوط الجديدة للنفوذ، وتريد أن تحضر في التفاصيل.
يرى البعض، أن نظر قطر للأحداث على الأرض يحاول استغلال كل شيء، وأن ما نراه “استغلالاً” إيرانيًا لسذاجة المفاوضين القطريين، لا يشكل الحقيقة. فسياسة قطر التفاوضية في العالم، لا تنظر للمال كمشكلة، ولكن لعابها يسيل دائمًا لشراء أوراق قوّة جديدة.
كم مرةً قدمت قطر فدية؟ راهبات معلولا وقصتهنّ الشهيرة؟ إطلاق سراح زوجة أبي عمر البغدادي؟ هذه وغيرها لم تكن مقصودة لذاتها، بل كان المقصود تحصيل علاقات حقيقية بين قطر واللاعبين على الأرض.
رأي أول: أموال لفتح قنوات خلفية
“لم تكن الفدية –المحرمة دوليًا- مجرد رغبة في تمويل الإرهاب، أو حتى تحرير الرهائن، بل تتحوّل إلى رغبة في فتح قنوات خلفية للحوار مع الجماعات الفاعلة على الأرض. وهو عين ما فعلته طهران في اليوم الأول عبر الحرس الثوري، حينما رأت أن العراق يتحوّل إلى ساحة مفتوحة، ودمشق تتحوّل إلى بوتقة جهادية، تحوي في تفاصيل قصتها على “مستقبل الإرهاب في العالم”، بشكلٍ لا يقل عمّا جرى في أفغانستان. قدم الإخوان الكتائب الاستراتيجية على الأرض ليعملوا على فهم ما يجري، وقدمت الصفقات الثنائية التمويل اللازم لدعم مواقف بعينها داخل الأرض. عبر تمويل صمم لتبدو الدوحة فيه، وكأنها تعرضت لعملية سطو، أو كأنها تدفع للوسطاء أتعابًا إدارية.
رأي ثان: الإخوان وقطر لا يتفقون مع العالم حول تعريف الإرهاب
تغيب من الحوارات التي تتعلق بالإرهاب التعريفات الأوليّة التي تضبط المصطلح، وتحققه، الدوحة ومفكروها إلى الآن يراوغون أمام التعريف الأساسي الذي يفصّل الأفعال. هم لا ينظرون إلى تمويل التمرّد ضد السلطات التي يكرهونها على أنه إرهاب، بل يصنفونه على أنه عنف سياسي. لذا يمكن للجزيرة والقنوات التابعة لقطر، أن تفتح الهواء لنعي تبجيلي لعمر عبدالرحمن، وأن تسمح لعاصم عبدالماجد أن يفتي فتاوى ينفق العالم على محاربتها الملايين. وحتى الخطابات الرسمية لدولة قطر تحوم حول هذه المعاني.
رأي ثالث: قطر كانت تقول: نحن ضحايا الإرهاب
يعتقد البعض، أن قطر أرادت أن تقول بأن مواطنيها أيضًا تعرضوا لعمليةٍ إرهابية. وعبر ذلك تستفيد من التعاطف المبذول مع كل ضحايا عملية إرهابية. وهذا رأي بعيد، ولكنه يلامس قضية جوهرية في فكر الإخوان المسلمين. وهي ظنّهم أن للتطرف وزناً سياسياً يمكن عبره تحريك الأحداث.
المخاطرة البالغة في دعم التطرف والظن بأنّه سيكون تحت السيطرة، أثبتتها الوقائع التاريخية، فكل تنظيمٍ إرهابي انفلت بعد تمكنه وتحرر من سيطرة داعميه، وربما أكلهم.
خلاصة
تتنافس الآراء في تأكيد أنّ الوثائق لا تقدم جديدًا غير المعروف من دعم قطر للجماعات المسلحة عبر بوابة الفدية والوساطات. ورغبتها في كسب مساحات جديدة. ولكن السؤال الذي يفوق أهمية جواب قطر ونفيها للاتهامات: متى سيدرك العالم أن الخلاف مع قطر والإخوان المسلمين خلاف حول تعريف وفهم الإرهاب ومكافحته؟ خلاف بين من يفتح قنواته لتبرير الإرهاب وتمجيده وبين من يكتوي بنار هذا الإرهاب؟.
[1]– Joby Warrick,Hacked messages show Qatar appearing to pay hundreds of millions to free hostages
https://www.washingtonpost.com/world/national-security/hacked-messages-show-qatar-appearing-to-pay-hundreds-of-millions-to-free-hostages/2018/04/27/46759ce2-3f41-11e8-974f-aacd97698cef_story.html?noredirect=on&utm_term=.906b0682b3cb
[2]– المصدر السابق.
[3]– كم دفعت قطر للجماعات الإرهابية لإطلاق مواطنيها الرهائن في العراق؟ قناة العربية، 28 أبريل (نيسان) 2018، ينظر الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=rg4vtqrfP24
[4]– Robert F. Worth, Kidnapped Royalty Become Pawns in Iran’s Deadly Plot, March 14, 2018:
https://mobile.nytimes.com/2018/03/14/magazine/how-a-ransom-for-royal-falconers-reshaped-the-middle-east.html?rref=collection/sectioncollection/middleeast
[5]– رسائل مسربة: قطر دفعت مئات ملايين الدولارات لإرهابيين، إرم نيوز، 29 أبريل (نيسان) 2018:
https://www.eremnews.com/news/arab-world/gcc/1306697
[6]– النعيمي: تسريبات واشنطن بوست تؤكد أن قطر تحكمها عصابات، الخليج 365، 28 أبريل (نيسان) 2018:
http://www.gulf365.co/gulf/1056792/النعيمي-تسريبات-واشنطن-بوست-تؤكد-أن-قطر-تحكمها-عصابات.html
[7]– أين ذهبت أموال الشعب القطري في عهد الحمدين؟ العين الإخبارية، 28 أبريل (نيسان) 2018:
https://al-ain.com/article/the-money-of-the-people-of-qatar-tamim-terrorism
[8]– https://twitter.com/Ghaazey/status/990279493129506817
[9]– https://twitter.com/hsom67/status/990243044401303552
[10]– https://twitter.com/hsom67/status/990242528636080128
[11]– https://twitter.com/skynewsarabia/status/990255679557513217
[12]– https://twitter.com/AltenaijiMusab/status/990245171324387328
[13] – شهادة بالكونغرس حول تمويل قطر للإرهاب، البلاد، 29 أبريل (نيسان) 2018:
http://www.albiladdaily.com/%D8%B4%D9%87%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%86%D8%BA%D8%B1%D8%B3-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%AA%D9%85%D9%88%D9%8A%D9%84-