هناك قواعد أساسية تشكل الأساس لقيام الدولة، وتعبر عن سيادتها، وأهمها احتكار الدولة للعنف المشرع قانوناً، وقدرتها في بسط سيطرتها على السلطة السياسية. لكن في حالة الدولة اللبنانية، أدت ممارسات “حزب الله” إلى إفقاد لبنان قدرته في ذلك. يطرح هذا التقرير سؤالاً متداولاً عن تحول مطار رفيق الحريري الدولي والمنافذ اللبنانية إلى أدوات ومعابر يستخدمها حزب الله لتهريب السلاح كما في حال المطار، أو في دخول مواد ممنوعة كما في حال الحدود اللبنانية السورية التي شهدت اتهامات تهريب مخدرات عوضًا عن صفقات الفدية الشهيرة التي اتهمت بالضلوع فيها قطر وغيرها.
صرحت وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية في شهر حزيران الماضي، قرارًا يفيد السماح للرعايا الإيرانيين من الدخول إلى لبنان دون ختم جوازات سفرهم عبر المعابر الحدودية. ومن جهة أخرى، فيما اعتبرت وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية، أن “الإجراء من صلاحيات الأمن العام اللبناني وهو من اتخذ قرار ختم بطاقة الدخول بدلا من الجواز، وينحصر دور وزارة الخارجية والمغتربين بالإبلاغ عنه فقط لا غير”. دار جدل حول صدقية هذا الخبر، بين رد وإيجاب، نفي وتأكيد، وفروق بين التجربة العملية وبين القرار المكتوب، لذا صح السؤال إن كانت سلطات المطار أجازت قرارًا لكل الإيرانيين أم لجماعة منتقاة من المختارين لأغراض ربما تصب في مصلحة حزب الله. ولا يمكن البت بجواب. (فريق موقع القوات اللبنانية، 17 يونيو (حزيران) 2018)
في ضوء القرار السابق، وبناء على قضايا سابقة أيضاً، تضافرت تقارير تشير إلى تحول مطار بيروت الدولي إلى مركز يُسيطر عليه حزب الله، ويقوم من خلاله، بتهريب الأموال والمقاتلين والأسلحة وتمرير أجندته الخاصة رغمًا عن أنف الدولة أو بصمتها.
اتهم النائب اللبناني نديم الجميل الحكومة بالتخلي عن مسؤولياتها الأمنية فى مطار بيروت الدولي لصالح حزب الله. قال في تغريدة له على “تويتر”، إن حزب الله يتحكم في حركة المسافرين والشحن في مطار بيروت من دون أى حسيب”، واصفا الأمر بـ”المعيب”. (الحرة، 14 أغسطس (آب) 2018). وأشار التقرير إلى أن الجميل أرفق اتهامه بوثيقة قال “إنها دليل جديد على تخلي الحكومة عن مسؤولياتها الأمنية وتجييرها لحزب الله الذي يتحكم بحركة المسافرين والشحن من دون أى حسيب”. فيما اعتبر البعض، منها تقرير نُشر في (موقع الخبر اللبناني) أن الوثيقة التي أوردها النائب اللبناني، تبين سيطرة حزب الله على المطار، موضحاً “أنّ هذا التصريح بمثابة “أوّل قرار رسميّ مكتوب ينصّ على السماح لحزب اللّه بالدخول إلى المناطق المحظورة أمنيّاً في المطار أو المحرّمة، ما يوحي بشرعنة “اللجنة” وكأنّها بمثابة أحد الأجهزة الأمنيّة التابعة للدولة اللبنانيّة”. (ليبانون ديبايت، 13 أغسطس (آب) 2018).
وفي مقال آخر نُشر في مجلة (فورن بوليسي) الأمريكية، ألقى الضوء على أنشطة حزب الله غير القانونية في أمريكا اللاتينية، وتحديداً عملية كبيرة ومتنامية لغسل الأموال مرتبطة بحزب الله في الحدود الثلاثية بين باراغواي والأرجنتين والبرازيل. يوضح الكاتب أن هناك أدلة على أن حزب الله يُرسل مسؤولين لتنسيق تلك الأنشطة هناك. كما يعتقد الكاتب أن حزب الله يحكم قبضته على لبنان، ويشير إلى ضرورة تحجيم وخنق حزب الله الذي يجني الكثير من المزايا من خلال سيطرته على لبنان ومؤسساته، لافتاً إلى أن المؤسسات اللبنانية لا تقوم بتحجيم حزب الله، بل بتمكينه. (إيمانيول أوتولينغي، فورن بوليسي، 15 يونيو (حزيران) 2018).
كما اعتبر تقرير نُشر في صحيفة “واشنطن تايمز” الأمريكية أن حزب الله اللبناني قد حول مطار رفيق الحريري الدولي إلى “مركز لتهريب المخدرات والسلاح والمقاتلين”. مشيراً إلى أن حزب الله قد سمح لفيلق الحرس الثوري الإيراني باتخاذ مطار بيروت الدولي المعروف بـ”مطار رفيق الحريري الدولي” كقاعدة لعمليات النظام الإيراني، التي تشمل نقل للأسلحة والمقاتلين إلى مواقع ودول تخدم استراتيجية الحرس الثوري لتحقيق مساعيها في التدخل الإقليمي. (تود وود، واشنطن تايمز، 15 يونيو (حزيران) 2018).
ما طبيعة هذه النشاطات، وكيف بدأت؟
لفت تقرير -مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات- ماثيو ليفيت المنشور في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” إلى وجود أشخاص متنفذون في حزب الله يُمارسون أنشطة تتعلق بتهريب السلاح والاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال، وتوفر هذه النشاطات الدعم المالي لحزب الله وأنشطته العسكرية. يلفت ماثيو أن هذه الأنشطة العسكرية التي يمولها الحزب، قد أشارت إليها وكالات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة بـ “مكوّن الشؤون التجارية في حزب الله”، الذي قد تم الكشف عنه عام 2016، بواسطة جهود عملية مشتركة شملت إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، والجمارك وحماية الحدود، ووزارة الخزانة، والـ “يوروبول” والـ”يوروجست” والسلطات الفرنسية والألمانية والإيطالية والبلجيكية. “وقد أدى التحقيق إلى اعتقال عدد من أعضاء حزب الله، والمتعاونين معه، بتهم الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال وحيازة الأسلحة لاستخدامها في سوريا. (ماثيو ليفيت، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 20 يوليو (تمّوز) 2018).
بوليتيكو: إدارة أوباما تغاضت عن نشاطات تنظيم حزب الله الإجرامية
نشرت مجلة بوليتكيو الأمريكية الشهيرة تقريراً توضح فيه قيام إدارة باراك أوباما بالتغاضي عن أنشطة تنظيم حزب الله الإجرامية في الولايات المتحدة، إلى جانب عرقلة كافة التحقيقات والاعتقالات والإجراءات التي تستهدف عملاء الحزب المشتبه بهم. بواسطة عرقلة المشروع الأمني، الذي يطلق عليه اسم “كاساندرا” والذي كان يسعى لاستهداف شبكات حزب الله وأنشطته في الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يخص غسيل الأموال والاتجار بالمخدرات. لقد أشار التقرير إلى أن حزب الله يجمع مليار دولار سنوياً من هذه الأنشطة، ويعرض التقرير وثيقة مؤرخة في شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2011، صدرت عن مكتب النائب الأمريكي العام في نيويورك، وتلفت إلى تورط حزب الله بمخطط غسيل أموال بقيمة تزيد عن أربعة مليارات دولار. وتشير الوثيقة إلى أن عملية غسيل الأموال قد تمت بمساعدة المصرف اللبناني الكندي ومصرفين آخرين، بالإضافة إلى ثلاثين أمريكياً من تجار السيارات.
وتُشير الوثيقة كذلك إلى أن مؤسسات مالية لبنانية مرتبطة بحزب الله قد أرسلت ثلاثمئة مليون دولار إلى الولايات المتحدة من أجل شراء سيارات مستعملة وشحنها إلى غرب أفريقيا كجزء من مخطط غسيل الأموال. وتؤكد الوثيقة أن المبالغ المالية الناتجة عن بيع السيارات والمخدرات تم ضخها إلى لبنان من خلال قنوات غسيل أموال يسيطر عليها الحزب.
ويُوضح التقرير أن إدارة أوباما قد أنقذت حزب الله من مأزقه بهدف إنجاح مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران من خلال عرقلة فريق عمل هذا المشروع، وبالتالي فقدت الحكومة الأمريكية بصيرتها، ليس بما يخص تجارة المخدرات فحسب، بل أيضاً فيما يخص نشاطات الحزب على الصعيد الدولي.
شكوك حول تمويل الحزب وقضايا غسيل أموال قديمة
يُشير تقرير منشور في مجلة العرب الدولية المعنون بـ”حزب الله اللبناني… الاقتصاد الأسود” إلى أن استثمارات الحزب لم تستقر يوم على لون استثماري واحد، حيث يقوم الحزب بتغيير الاستثمارات وإعادة تدوير رؤوس الأموال في استثمارات جديدة. وحزب الله، الذي ارتبط بالدعم الإيراني، يقع الآن مثار تساؤل في ظل الأوضاع السيئة التي تمر بها إيران نتيجة الأزمة المالية والعقوبات الأمريكية، مما زاد الشكوك حول تمويل الحزب. يُشير التقرير إلى أن واحدة من القضايا التي أثارت الشكوك حول تمويل الحزب، كانت قضية إفلاس رجل الأعمال اللبناني الشيعي صلاح عز الدين، الذي كان يستثمر أموال الراغبين من اللبنانيين وغيرهم في محفظته الاستثمارية ويقدم أرباحاً مرتفعة جداً تصل إلى 40%. لاحقاً، كشفت التقارير عن ارتباط شبكته بالإرهاب والجريمة المنظمة، يذكر أن هذه الاستثمارات المالية التي تقدر بمئات ملايين الدولارات، لم تكن تمر عبر النظام المصرفي. ويُشير التقرير إلى قضية المصرف اللبناني- الكندي، الذي تقول وزارة الخزانة إنه مملوك بشكل جزئي لأحد أنصار حزب الله بلبنان. كما يُشير التقرير إلى دور المصرف البارز في قضية غسيل الأموال. وتبعاً للتقرير فإن البنك اللبناني الكندي يقوم بتمويل شراء سلع من الصين، تُصدّر إلى أميركا الجنوبية، ويستخدم العائد المالي لها لشراء المخدرات هناك، ثم يقوم تجار المخدرات بتصديرها إلى أفريقيا، ومن هناك يُصدر جزءاً إلى أوروبا، بالتزامن مع ذلك يقوم البنك اللبناني الكندي بتمويل شراء سيارات مستعملة من الولايات المتحدة ويصدرها إلى أفريقيا ليستعمل عائد ربحها لغسيل المال الملوث من المخدرات، وتحول الأرباح بعدها إلى لبنان عبر شركات الصرافة، يستلم كل من البنك والحزب حصته منها. (مجلة العرب الدولية، 31 يناير (كانون الثاني) 2012).
ردود الفعل الدولية حول تورط حزب الله بأنشطة غير قانونية
فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات جديدة يوم الخميس 17 مايو (أيار) 2018، على أشخاص وكيانات عديدة ترتبط بحزب الله. وبحسب البيان المنشور على الموقع الإلكتروني للوزارة، فإن الشخصين هما، محمد إبراهيم بزي وعبدالله صفي الدين. كما أدرجت الخزانة الأمريكية خمس شركات مسجلة في أوروبا وغرب أفريقيا والشرق الأوسط مرتبطة بالشخصين المذكورين. واعتبر البيان المنشور أن بزي ممول رئيس لحزب الله، كان قد قدم مساعدات مالية على مدى سنوات عديدة للحزب تقدر بملايين الدولارات، والتي كان قد جناها من أنشطته التجارية. وبحسب البيان، فإن بزي من أبرز المسؤولين عن التعاملات المالية لحزب الله. الذي وجه له وزير الخزانة الأمريكي ستيف منوشين اتهاماً له بالتورط في غسيل الأموال وتجارة المخدرات. (موقع وزارة الخزانة، 17 مايو (أيار) 2018).
وقد دعا مركز مكافحة الإرهاب في العاشر من شهر أغسطس الحالي، الدول الأوروبية إلى لزوم مقاطعة حزب الله، فضلاً عن ضرورة فرض عقوبات مالية ودبلوماسية موسعة عليه، معتبراً أن تصنيفه كمنظمة إرهابية أمر غير كاف. (العربية، 11 أغسطس (آب) 2018).
كيف رد “حزب الله” على هذه الاتهامات؟
نفى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قيام حزب الله بأعمال تجارية، قائلاً: “حتى الاتجار الحلال لا نقوم به لأسباب لها علاقة بالعقوبات ولأسباب خاصة بنا، على الرغم من أن التجارة هي أمر مباح شرعاً. نحن لا نقوم بأي عمل استثماري وليس لنا جهات تستثمر”. مضيفاً: أن “حزب الله ليس لديه أي مشروع في أي مكان وليس شريكاً في أي مشروع استثماري، قد يكون هناك تاجر يؤيد وإنما العمل هو شخصي وحزب الله لم يفوض أحداً أن يتكلم باسمه وأن يدير مشاريع استثمارية تابعة له”. ( سي ان ان العربية، 19 يناير (كانون الثاني) 2018).
ولكن هذا النفي المتكرر يغرق في دوامة التبرير وحدود الضرورات التي تلجأ إليها الجماعات الإسلامية، لذلك اعتبر ماثيو ليفيت في مقاله المنشور في معهد واشنطن أن “فساد حزب الله يستشري أعمق بكثير مما يمكن لنصر الله الاعتراف به”. (ماثيو ليفيت، معهد واشنطن، 25 يونيو (حزيران) 2018).
خلاصة القول
لا تزال التقارير والتحقيقات المختلفة بالإضافة إلى تواتر العقوبات الدولية على حزب الله تُشير إلى تورط الحزب في أنشطة غير قانونية دولية متعددة وإلى استخدام الحزب لمطار بيروت الدولي لإتمام أنشطته المختلفة.
ويظل السؤال المفتوح عن حدود الفصل بين دولة حزب الله وبين لبنان سؤالاً مشروعًا، ويظل الحديث عن أن جماعات اللادولة تأكل الدول حديثًا مخيفًا ويستدعي التوقف.