اتخذ هروب الإخوان من مصر عقب عزل مرسي من الحكم عدة مراحل، وفي اتجاه عدة دول تمثل الملاذات الآمنة لقيادات وعناصر الإخوان، ليبقى السؤال: كيف أدارت الجماعة هذا الملف؟
وتمكنت جماعة الإخوان من جني ثمار عملية الفرار والهروب من مصر خلال الخمسينيات من القرن المنصرم، إذ إنها أخذت منذ تلك الفترة ترسِّخ وجودها بمنطقة الخليج، وتحديدا في قطر، وبالتالي فإن الدوحة أصبحت الملاذ الأول لقيادات الصف الأول بعد عزل مرسي، هذا على الرغم من حل فرع الإخوان هناك لنفسه، إلا أنها استمرت في دعم الجماعة[1].
وعبر طرق هروب غير شرعية انتقل عدد من قادة الإخوان إلى قطر[2]، للإقامة فيها، ليس فقط للعلاقات القوية مع جماعة الإخوان باعتبارها أحد أبرز حلفاء الجماعة حينما كان مرسي في الحكم، ولكن أيضا باعتبارها جزءاً من مخطط الوجود في تلك الدولة للظهور على شاشة الجزيرة، والتي كانت تنقل فعاليات مؤيدي مرسي مباشرة من قبل ميداني رابعة العدوية والنهضة، وأيضا المسيرات الإخوانية[3].
وتشير تقارير صحافية غربية، إلى أن قطر راهنت على جماعة الإخوان عقب الربيع العربي، لتصنع لنفسها مكانا على خريطة المنطقة، باعتبارها قوة لها ثقل ونفوذ، ولذلك كان من الطبيعي دعم الجماعة بقوة، مخالفة في ذلك جيرانها من دول الخليج على وجه الخصوص[4].
ولكن مع الدعم الفج من قطر لجماعة الإخوان والهجوم على الدولة المصرية، اتخذت دول السعودية والإمارات والبحرين، في مارس (آذار) 2014، قرارا بسحب سفرائهم من الدوحة، لعدم التزام قطر بالاتفاقات في القمة الخليجية 2013[5].
وكانت هذه الخطوة مؤثرة لجماعة الإخوان، إذ وقّعت الدوحة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، اتفاق الرياض، الذي بموجبه أغلقت قناة الجزيرة مباشر مصر التي كانت مخصصة لدعم الإخوان، وطلبت بشكل غير رسمي من قيادات بالإخوان مغادرة أراضيها[6].
وعلى الرغم من أن تركيا كانت أحد ملاذات الإخوان لقيادات الصف الثاني والثالث الذين خرجوا من مصر في أعقاب عزل مرسي، فإنها وبعد الأزمة القطرية أصبحت الملاذ الأول، مع وجود قيادات الصف الأول أيضا بعد طردهم من قطر.
ورحب أردوغان عقب تصاعد الأزمة القطرية بقيادات الإخوان المبعدين من الدوحة، وقال على متن طائرة عائدا من الدوحة في نوفمبر (تشرين الثاني)2014: “إن الشخصيات الإخوانية البارزة ستكون موضع ترحيب في تركيا إذا رغبت في المجيء”[7].
وباتت أنقرة الوجهة الأولى للإخوان الفارين من مصر على اختلافهم، وذلك طوال عام 2014 وما تبعه، هذا بخلاف بعض القيادات والعناصر التي توجد بالسودان من أجل استقبال العناصر الهاربة وإيوائهم وتسهيل عملية نقلهم إلى تركيا، ومن بينهم محمد الحلوجي[8].
يمثل عام 2014 نقطة تحول كبيرة، فبخلاف الضربة التي تلقاها الإخوان من قطر، وعملية تكدس عناصر الجماعة في تركيا، إلا أنه العام الذي شهد بوادر تشكيل شباب الجماعة بمصر لمجموعات تنتهج العنف، والتي يصطلح على تسميتها “الخلايا النوعية”، بشكل أكثر تنظيما من الشباب الذي كان مكلفا بمواجهة الأجهزة الأمنية في مسيرات الجماعة عقب فض اعتصامات أنصار مرسي، إذ ظهرت حركات مثل “ولّع” و”مولوتوف” و”أجناد مصر”[9].
هذا المنحنى التصاعدي في العنف داخل الإخوان، دفع الأجهزة الأمنية إلى ملاحقة تلك العناصر لضبطهم، وهو ما دفع بعضهم مع آخرين إلى الفرار من مصر إلى السودان، وبقائهم هناك في ظل صعوبة نقلهم إلى تركيا، التي أصبحت تضم عدداً كبيراً من قيادات الجماعة وأسرهم، الذين سافروا قبل فرض مصر قيوداً على السفر إلى تركيا[10]، إذ اشترطت موافقة أمنية مسبقة في ديسمبر (كانون الثاني) 2014[11].
وبداية من عام 2015، تحولت السودان من محطة مؤقتة لقيادات وعناصر الإخوان تمهيدا للرحيل تجاه قطر وتركيا عقب فض اعتصامات أنصار مرسي، إلى أحد أبرز الملاذات الآمنة، وهنا فإن أغلب الموجودين في السودان من شباب الجماعة غير البارزين أو المؤثرين وقيادات الصف الثالث وما دونه.
وعكفت السلطات في السودان على تسهيل وجود الإخوان هناك، وإتاحة حرية الحركة لهم، إذ انتشرت وثيقة وصفت بـ”المسربة” نقلتها مواقع محسوبة على جماعة الإخوان، تفيد بتوجيه الدعم للإخوان الفارين، وذلك خلال اجتماع حضره الرئيس السوداني عمر البشير في أكتوبر (تشرين الأول) 2015، وتسهيل عملية انتقالهم والاستثمارات هناك، في ظل قناعة بإمكانية عودة الإسلاميين للحكم مرة أخرى[12].
ومع التحولات التي طرأت والإبقاء على بعض عناصر الجماعة في السودان، أخذ الإخوان في ترتيب الأوضاع لناحية تأسيس شركات والقيام بأنشطة اقتصادية توفر جانباً من النفقات وإيجاد فرص عمل لهؤلاء الفارين، ومن بين أنشطة الإخوان هناك العمل في سوق المضاربة بالدولار[13].
أما ماليزيا، وعلى الرغم من صعوبة تحديد التوقيت الفعلي لبدء انتقال عناصر الإخوان إليها، فإنها تحولت مع تصاعد الأزمات داخل الجماعة أي خلال عام 2015، إلى مقصد رئيس للجماعة، اعتمادا على الوجود الإخواني هناك.
وكانت أول مرة تتردد فيها ماليزيا كأحد ملاذات الإخوان ولكن على نطاق ضيق، حينما منعت السلطات المصرية نجل محمد مرسي من السفر إلى كوالالمبور في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، بما يعني أنها كانت ضمن الحسابات الأولية للإخوان، ولكن ليس بشكل موسع[14].
ويدعم هذا الاتجاه ما ذكره أحد الباحثين في الحركات الإسلامية، أن ماليزيا تعتبر مركزا للشخصيات الأبرز والأقوى في التنظيم الدولي للإخوان، كما أنها مركز استثمار هام للتنظيم الدولي[15].
وهنا يمكن أن نلاحظ التالي من خلال تتبع تحركات الجماعة وتوزيع عناصرها:
أولا: عملية الهروب والفرار من مصر ارتبطت بشكل أساسي بالقيادات فقط، من أجل مواصلة قيادة الجماعة عقب فض اعتصامي أنصار مرسي، إذ إن القبض على كل قيادات الجماعة الفاعلة والمؤثرة سيؤدي إلى تفكك الجماعة فعليا في ظل عدم وجود قيادة، فضلا عن وجود قيادات بالخارج يمكنها التحرك على عدة مستويات إقليمية ودولية من أجل إعادة الجماعة للمشهد مرة أخرى.
ويرى بعض الخبراء أن فشل الإخوان في الحصول على أي مكاسب عقب 30 يونيو (حزيران) 2013، دفعهم إلى اللجوء إلى العنف، وحينما فشلوا في ذلك أيضا، لجؤوا إلى التحرك على المستوى الدولي، للتحريض على النظام الجديد في مصر.
ويؤكدون أن أول خطوة ضد الدولة المصرية، كانت تمكُّن قيادات وعناصر الجماعة من الهروب من مصر، والسعي لتسويق “مظلومية” خاصة بهم منذ إسقاط نظام حكمهم[16].
ثانيا: يتضح أن الجماعة لم تكن تخطط من البداية لخروج هذا العدد الكبير من شبابها على وجه الخصوص، بما يشكل أزمة كبيرة لها، وتحمل أعباء توزيعهم على بعض الدول، خارج الإطار الإقليمي لمصر، مثل ماليزيا على سبيل المثال.
ثالثا: وجدت الجماعة نفسها أمام أزمة تمويل كبيرة في تحمل تكلفة إقامة وتنقلات وتهريب عناصرها من داخل مصر، ولذلك لجأت إلى محاولات فتح مشروعات وتأسيس شركات في الدول التي يوجدون فيها، وهذا كان واضحا في الحالتين السودانية والتركية.
رابعا: توجيه أغلب التمويل الذي تتلقاه الجماعة من حلفائها وتحديدا قطر، إلى معيشة قيادات الجماعة التي يتهمها شباب الجماعة بالإقامة الرغدة في قطر وتركيا، إذ استعرضت تقارير صحافية أوضاع الهاربين إلى تركيا مثلا، إذ إنها تنقسم إلى فئات، ويتربع على قمة هذه الفئات، القيادات وأبناؤهم، وهؤلاء يحصلون على منح للدراسة ويعملون في الإعلام الممول من الإخوان وقطر، ويتقاضون رواتب كبيرة تصل إلى (10) آلاف دولار شهريا[17].
[1]– الإخوان المسلمون في قطر، مركز المزماة للدراسات والبحوث، انظر الرابط المختصر التالي: https://bit.ly/2CN4y79
[2]– قطر “حضن” الإرهاب الدافئ.. الدوحة تؤوي الإرهابيين، موقع انفراد، 6 يونيو (حزيران) 2017، انظر الرابط المختصر التالي: https://bit.ly/2UcsbjB
[3]– ما وراء دعم فضائية الجزيرة للإخوان؟، الفجر، 22 فبراير (شباط) 2019، انظر الرابط المختصر التالي: https://bit.ly/2I0gzJP
[4]– قطر وجماعة الإخوان .. استراتيجية التحالفات الخاطئة، العربية، انظر الرابط المختصر التالي: https://bit.ly/2Uanibl
[5]– لماذا سحبت دول الخليج الثلاث سفراءها من قطر؟، العربية، 5 مارس (آذار) 2014، انظر الرابط المختصر التالي: https://bit.ly/2FL9TO9
[6]– قطر تبعد (7) من قيادات الإخوان والمتعاطفين معها، بي بي سي عربي، 13 سبتمبر (أيلول) 2014، انظر الرابط المختصر التالي: https://bbc.in/2UpmkHq
[7] — أردوغان يرحب في تركيا بقيادات الإخوان المسلمين التي ستغادر قطر، فرانس 24، 16 سبتمبر (أيلول) 2014، انظر الرابط المختصر التالي: https://bit.ly/2HQfJ2U
[8] – بالأسماء والوقائع.. “السودان” أكبر الدول الداعمة للإخوان الهاربين، البوابة نيوز، 8 فبراير (شباط) 2017، انظر الرابط المختصر التالي: https://bit.ly/2TLvfPg
[9]– «مولوتوف» «إعـدام» «ولّع» «أجناد مصر».. أبرز حركات «العنف» الجديد، الشروق، 8 أبريل (نيسان) 2014، انظر الرابط المختصر التالي: https://bit.ly/2JVnWor
[10]– بالأسماء.. تفاصيل هروب كوادر الإخوان من مصر، اليوم السابع، 6 فبراير (شباط) 2016، انظر الرابط المختصر التالي: https://bit.ly/2K52Kg3
[11]– تعرف على الدول التي تسافر إليها بدون تأشيرة.. وأخرى تحتاج لتصريح أمني، الوطن، 11 ديسمبر (كانون الأول) 2014، انظر الرابط المختصر التالي: https://bit.ly/2I18DrO
[12]– توصيات من رئاسة السودان بدعم إخوان مصر الفارين إليها، نون بوست –موقع محسوب على جماعة الإخوان-، 4 فبراير (شباط) 2016، انظر الرابط المختصر التالي: https://bit.ly/2V5FvDf
[14]– “بان”: نجل “مرسي” لن يسافر إلى “كوالالمبور” لـ”الاستجمام”.. وماليزيا معقل الشخصيات الأكثر تأثيرا في التنظيم الدولي للإخوان، صدى البلد، 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، انظر الرابط المختصر التالي: https://bit.ly/2FNE9rW
[15]– المصدر السابق.
[16]– خبراء يشرحون مراحل تحول حرب الإخوان ضد مؤسسات الدولة المصرية | صور، الأهرام، 13 سبتمبر (أيلول) 2018، انظر الرابط المختصر التالي: https://bit.ly/2FGiBw3
[17]– لماذا تفر عناصر إخوان مصر إلى تركيا وكيف تعيش هناك؟، العربية، 7 فبراير (شباط) 2019، انظر الرابط المختصر التالي: https://bit.ly/2TSPbQs