دبي
يتناول كتاب المسبار «السلفية في كردستان العراق: التاريخ – الأعلام – الانتقادات» (الكتاب السادس والعشرون بعد المئة، يونيو/ حزيران 2017) ملف السلفية الكردية في كردستان العراق، مسلطاً الضوء على جذورها التاريخية وتياراتها المختلفة ومرجعياتها وعلاقتها مع السلطة الحاكمة، ومواقفها السياسية من القضايا الشائكة وحجم حضورها في المجتمع الكردستاني، ووسائل الإعلام التي تملكها ورؤيتها للمرأة.
اختار مركز المسبار أن يكون هذا الكتاب، بأقلام كردية، بعضها يمثل شهادات داخلية، من مختلف مناطق كردستان العراق. فكيف يرى المثقفون الكرد السلفية التي تعيش بينهم؟ فتناولت الدراسات: الشخصية السلفية في كردستان: الانتماء الإثني والسلوك الديني، السلفية في إقليم كردستان العراق: تيارات وشخصيات، علاقة التيارات السلفية بالسلطة الكردية، السلفية الكردية في الأحزاب الإسلامية، إيران تحتضن السلفية الكردية الجهادية، سجناء سلفيون جهاديون في إقليم كردستان- السليمانية، المرأة الكردية في الخطاب السلفي الكردي، الإعلام السلفي في كردستان: المرئي والمسموع والمقروء، الإسلام السياسي في كردستان العراق: الأصولية السلفية.
الشخصية السلفية في كردستان: الانتماء الإثني والسلوك الديني
تناول إبراهیم ملا زاده -أستاذ علم الاجتماع في جامعة سوران (أربیل)- البنیة الفكریة للسلفية الكردية، وحصرها ضمن المركزیة الإثنية، وقدم تحلیلا في إطار أساسین: الأول: فكرة الفرقة الناجیة، والثاني: الغربة في مجتمع الأم.
تتلخص المنهجیة المعتمدة في هذا البحث في نظریة التشكیل (Figuration)، حیث یتم دراسة أسباب تشكیل المركزیة الإثنية والتقرب من تطور العلاقة بین السلفیة والعنف عن طریق إیجاد مدی ومستوی تأثیر النصوص والواقع الذي یعیش فیه وتزدهر فیه السلفیة.
تحدث الباحث عن الطبيعة السلفية، مشيرا إلى أن جمیع أبعادها، تقتبس وجودها من الماضي بأوجهه الدینیة المختلفة، بتفصیل أدق: إنها تعمل علی استرجاع الماضي ثقافیاً ودینیاً علی المستویین العملي والنظري. ويرى أن مشروع هؤلاء قد يشكل إشكالیة حقیقیة موجودة في المجتمع الكُردي، المتسم بالتنوع الدیني، من نواحٍ عدة: أولاً: إحیاء بعض المحطات من التراث الدیني، التي لم یعتد علیها الإنسان الكُردي، قد تشكل حالة غیر صحیة، وخطراً علی الثقافة الكُردیة والتراث الكُردي. ثانیاً: بمجرد أن تكون سلفیاً، یعني أن تحمل أسماء عربیة إسلامیة. من المعلوم أن معظم أسماء الصحابة في صدر الإسلام كانوا قد سمّو بها قبل مجيء الإسلام. فأسماء بارزة مثل: أبي بكر بن قحافة، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، علي بن أبی طالب، ضرار بن الأسود، عبدالله بن عبدالمطلب، حمزة بن عبدالمطلب، بلال الحبشي، وهلم جراً، كلها أسماء عربیة، كانت موجودة قبل الإسلام. لذلك لا علاقة للدین بالأسماء التي تعتبر جزءاً من ثقافة القوم، باستثناء بعض الأسماء التي تحمل معاني غیر حمیدة. الآن في كُردستان العراق، هناك أسماء كُردیة للآباء، وأسماء الأبناء أصبحت عربیة. علاوة علی ذلك، لا توجد الكنیة بالمعنی المتداول بین الشعب العربي وخاصة الخلیجي، عند الشعب الكردي، مثل (أبو فلان الفلاني أو ابن فلان الفلاني)، وانتقال هذا النوع من الكنیة، والدشداشة أیضا ظاهرة أخری، دخلت إلی المجتمع الكردي مع ظهور السلفیة والإسلامیین بشكل عام. ثالثاً: الكُرد المسلمون بشكل عام ینتمون إلی المذهب الشافعي، مع تشدد هذا المذهب بشكل عام في الكثیر من المسائل الحیاتیة، منها العبادات، وطبيعة العلاقة مع بعض الحیوانات من فرض النجاسة، إلا أن أئمة المساجد التقلیدیین كانوا بعیدین عن التطرف والصیاح في خطبهم، ومنسجمین تماماً مع الثقافة الكُردیة الغالبة.
وصل الباحث -من خلال مقابلات أجراها مع شخصيات سلفية، ومن خلال مراقبة بعض خُطب السلفیین- إلی أن المركزیة الإثنية هي الإطار النظري الأنسب لمعرفة بنیة الجماعات السلفیة في كُردستان، والتي تلجأ عادة، إما إلی العنف الخشن، أو إلی العنف المرن بشكل دائم. يرى الباحث أن هذا الفكر الذي يتقوقع في إطار الإثنية السلفية، یمكن أن يشكل تهدیداً للمجتمع الكُردي من ناحیة إمكان اللجوء إلی صنفین من العنف، وهما: العنف الخشن والعنف المرن. وكذلك بموجب إشارات كثیرة للحیاة الیومیة للسلفیین والذين تمت مراقبتهم، بأنهم أصبحوا جسراً لتعریب الثقافة والفكر بجلب الثقافة الخلیجیة للمجتمع الكُردي، وتهمیش الأسماء الكُردیة، وبروز الكنیة العربیة مثل: (أبو فلان أو ابن فلان)، والتي هي غریبة عن المجتمع الكُردي.
السلفية في إقليم كردستان العراق: تيارات وشخصيات
يقول إدريس سيويلي -مدير قسم الدراسات الإسلامية في مركز كردستان لدراسة الصراع والأزمات- في دراسته: إن حضور السلفیة في كردستان كجزء من التیار الإسلامي، أصبح أكثر قوة من أي وقت آخر. واستعرض الباحث تاریخ ظهور السلفیة بأنواعها وتياراتها، وما نتج عنها من الاتجاهات والشخصیات في كردستان العراق.
أشار الباحث إلى أن أول ظهور للسلفیة في كردستان كان السلفیة المدخلیة. حيث ظهر هذا التیار علی یدي الملا حمدي عبدالمجید إسماعیل السلفي (١٩٣١-٢٠١٢). ثم السلفية السياسية، وتم تبني هذا الطرح من قبل (حركة النهضة الإسلامیة) عند إعلانها في ٢٢/١١/١٩٩٢ بقیادة صدیق عبدالعزیز محمد (١٩٣٩- ). ثم تناول جذور السلفیة الجهادية في كردستان التي تعود إلى نهایة السبعینيات وبدایات الثمانینيات من القرن الماضي. مشيرا إلى أن أدبیات جماعة الجهاد المصریة ومجموعات أخرى وخطب عبدالحمید كشك وعبدالله عزام كانت تصل بكمیات قلیلة وبسریة إلى أربيل، وكانت تنتشر بین شباب هذه المدینة، واعتبرها الباحث من أسباب تشكل نخبة من حاملي الأفكار المتطرفة.
علاقة التيارات السلفية بالسلطة الكردية
يرى محمد حریري -باحث كردي عراقي متخصص في شؤون الحركات الإسلامية- أنه لا یمكن أن نتحدث عن السلطة الكردیة كوحدة عضویة واحدة، لذا یجب أن نعرف أن إقليم كردستان العراق، على الرغم من الادعاءات المتكررة عن توحید الإدارتین، فإنه لا یزال منقسماً إلى إدارتین أو منطقتین كما یسمیه الناس: بـ«المنطقة الصفراء»، التابعة للحزب الدیمقراطي الكردستاني (مسعود البرزاني)، و«المنطقة الخضراء»، التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني (جلال الطالباني). لذا فإن معالجات وعلاقات السلطة مع القوی السلفیة قد تختلف من هنا وهناك، مشيراً إلى أن العلاقة بین الإسلامیین السلفیین والسلطة الكردیة اتسمت بقدر كبیر من البراغماتیة النفعیة والمصلحیة، حسب ما تملیها المصلحة والمنفعة.
اتسمت مواقف السلطة أو أحزاب السلطة من السلفية والإسلامیین عموماً، بموقفین متضادین، فإما علاقة حمیمیة كاملة مع من یقف بجانبها، ویتغاضی عن مفاسدها، ویؤكد إخلاصه لها وعدم شرعیة الخروج علیها، بل یقوم بترهیب معارضیها بنصوص دینیة تساند الاستبداد، وتشجیعها علی التخلي عن التوجه الدیمقراطي الضعیف أصلاً. هذه السلفیة تفتح السلطة لها كل الأبواب، على الرغم من معاداتها لقیم الحریات وحقوق الإنسان والدیمقراطیة، وخطورتها المستقبلیة. وینطبق ذلك علی السلفیة الدعویة أو السلفیة المدخلیة، وإلی حد ما سلفیة الأحزاب الإسلامیة وبعض الدعاة والخطباء من السلفیین. أو تتخذ السلطة موقف العداء المستحكم ضد من یتحدث عن فسادها المالي والقیمي والدیني، ویكفرها ولا یهمها وراء ذلك أن یعادي أي شيء آخر أو أي قیم، ویشمل ذلك التیار السلفي الجهادي المكفر للسلطة الكردیة والخارج عليها، والداعم لتنظیم الدولة الإسلامیة (داعش) في حربها علی تخوم كردستان، وبعض السلفیین المستقلین والحزبیین من الدعاة والخطباء، الذین تتطابق مواقفهم مع السلفیة الجهادیة.
يخلص الباحث إلى أن السلطة الكردیة لیس لدیها استراتیجیة واضحة في التعامل مع الملف السلفي في كردستان، لأن تعاملاتها إما أمنیة قصیرة المدی والنظر، أو مصلحیة سیاسیة لا تتسم ببعد النظر. فهي علی حدود الوطن تحارب «داعش» كأشرس جماعة سلفیة جهادیة، وفي الداخل تترك كل الأبواب مفتوحة علی مصراعيها، أمام جماعات سلفیة تدعي أنها سلمیة ودعویة، لكنها تبث مفاهیم مشتركة مع أیة جماعة سلفیة جهادیة، بوعي أو بدونه. فخطر الجماعات الجهادیة بادٍ لكل من یعقل.
هناك خطر آخر -يشير له الباحث- لم تنتبه إلیه السلطة السیاسیة، التي تعتقد أن السلفیة الدعویة سوف تلتزم بالسلم وبالابتعاد عن السیاسة والتصادم من أجل السلطة، مثل الجناح السلفي الدعوي. في حین تعتبر الأحزاب الكردیة نفسها، أحزاباً علمانیة دیمقراطیة قومیة، لا تدعو إلى تطبیق الشریعة.
السلفية الكردية في الأحزاب الإسلامية
يقول الباحث والمترجم العراقي زیرك أحمد عبدالرحمن: إن السلفيين علی اختلاف اتجاهاتهم هم في الجوهر شيء واحد. فما یجمعهم أكثر مما يفرقهم. ويستعرض تصنيف أحد أقطاب السلفية الجهادية بين الكرد وهو ملا كريكار الذي يصنف السلفية عموماً إلى أربعة أصناف:
السلفية النصية (سە لە فی دە ق): وهم تلامذة ومشائخ تراثيون بعيدون عن السياسة لا مع ولا ضد. وهم مثل أتباع محمد ناصر الدين الألباني ومن على شاكلتهم.
السلفية الحقية (سەلە فی هە ق): وهم الجهاديون أمثال جماعة الجهاد وتنظيم القاعدة، والیوم تنظيم الدولة.
السلفية المزيلة (سە لە فی لە ق): وهم السلفيون المطيعون لولي الأمر مهما حكم، ففيهم حتی من یتجسس لصالح السلطات السیاسية.
السلفية التظاهرية (سە لە فی زە ق): وهي تحركات سیاسیة وحزبية لدى بعض السلفيين. أمثال جماعة إحسان إلهي ظهير، وحزب الأمة في الكويت، وحزب النور في مصر.
درس الباحث مضمون الخطاب السلفي الحركي في كردستان عن طریق الملاحظة بالمشاهدة، ملقيا الضوء على الجانب الميداني لتحليل خطابهم وسلوكهم العملي في القضايا التالية: العقيدة، وتسمية أهل البدع، وأشراط الساعة والماسونية، وقضية ولي الأمر، وصورة المرأة في الإعلام السلفي.
يختتم الباحث دراسته بأن السلفية الحركية في كردستان متأثرة بالجهاديين أكثر من غيرهم كما أنهم أكثر حضوراً من غيرهم. لكن حزبهم أقل حجماً، ولا يتمتع بشعبية واسعة. أما السلفية الحركية في الجماعة الإسلامية مع كبر حجم حزبهم، فهم ليسوا أصحاب القرار، لأنهم ليسوا بأكثرية ساحقة في الحزب.
إيران تحتضن السلفية الكردية الجهادية
يتناول أومید فاضل علي -كاتب وناشط كردي عراقي- في دراسته: إيران وعقدة التسنن الكردي، وعلاقات إيران مع الجماعات الجهادیة السلفیة، وتاریخ ظهور السلفیة الجهادیة الكردیة في إيران، ويبحث في أسباب نشوء السلفیة في كردستان إيران، ويبين مظاهر نشوء السلفیة الكردیة في كردستان إيران، وما أسباب دعم وتشجیع السلفیة الكردیة الجهادیة كما یراها الكتاب الكرد.
كتب الباحث في مقدمة دراسته أن الاحتكاك الإيراني العنیف مع المذهب السني والكرد، باعتبارهم من السنة في غالبیتهم، يعود إلى أيام التحویل القسري لعموم إيران إلى التشیع بشكل دموي وعنیف علی أیدي الحكام الصفویین في 1502م، وقد أریقت دماء عدد كبیر من الكرد وغیرهم من الفرس والترك والعرب من أهل السنة، عند هذا الانقلاب المذهبي، وهاجر بسببه مئات الآلاف من الكرد إلى خراسان ورشت وشمال إيران وغیرها من المناطق.
ويرى أن ظهور السلفیة في كردستان إيران حدیث نسبیاً، لا يتجاوز عقداً ونصف العقد من الزمن، وكان لظهور تنظیم القاعدة وتحولها إلى السلفیة الجهادیة في ١٩٩٥ وتأسیس إمارة طالبان الإسلامیة الأفغانیة، أثر واضح علی ظهور السلفیة في كردستان إيران. كذلك عندما تم تأسیس (أنصار الإسلام) في ٢٠٠١ في كردستان العراق، وتأسیس إمارة بیارة الإسلامیة (منطقة تابعة إلى السليمانية)، وقع السلفیون من أكراد إيران تحت تأثیر هذه الإمارة، التي لم تكن تبعد عنهم إلا كیلومترات عدة علی الحدود الإيرانیة- العراقیة المشتركة. وبإعلانه الجهاد ضد حكومة إقليم كردستان، استطاعت هذه الجماعة جذب عدد لا بأس به من شباب الكرد الإيرانیین من السلفیة.
ويرى أن من أسباب نشوء السلفية في كردستان إيران: التغابن المذهبي؛ ودعم الدولة للسلفیة، فحسب الباحث فإن الدولة المذهبیة كانت لها الید الطولی في انتشار السلفیة الجهادیة المتطرفة ضمن حسابات سیاسیة قصیرة الأمد؛ وضعف الشعور القومي فكان خمول وغیاب الأحزاب الكردیة كالحزب الدیمقراطي لكردستان إيران وغیره من ساحة النضال، وبقاؤهم في مقراتهم ومكاتبهم في كردستان العراق.
يستعرض الكاتب أسباب دعم وتشجیع السلفیة الكردیة الجهادیة كما یراها كُتّاب الكرد بحسب تصورهم: أولاً: تحاول إيران استغلال هذه القوة السلفیة المتعصبة في خدمة مصالحها، ثانیاً: إيران كقوة طائفیة مذهبیة تتمنی تأسیس قوة مذهبیة سنیة متطرفة في كردستان إيران.
ويختتم الباحث دراسته بأن إيران تحاول دفع الكرد نحو التطرف السلفي، وعلى الرغم من عدم تمتع السلفیة بشعبیة كافیة بین الناس، فإن إعدام مجموعة كبیرة حوالي (٣٠) شخصاً دفعة واحدة في أغسطس (آب) ٢٠١٦، أثر في إیقاظ الشعور المذهبي.
سجناء سلفيون جهاديون في إقليم كردستان- السليمانية
أجرى الصحفي والكاتب الكردي العراقي بهمن طاهر نريمان، لقاءات داخل أحد سجون كردستان العراق (لم يذكر اسمه لدواع أمنية كما يقول) مع (57) شخصا من “جهاديي كردستان” ممن تم إدانتهم بالإرهاب وحكم عليهم لمدة تتراوح بين سنتين إلى المؤبد. واستغرقت مدة اللقاءات (40) ساعة وجهاً لوجه. بحث فيها تكوين تلك الشخصيات في المراحل الأولى من حياتهم، والعلاقة بينهم وبين أسرهم وأقاربهم، باعتبارها العناصر الأولية التي أسهمت في بناء الأسس الاجتماعية لنشأة تلك الشخصية. ووجد الباحث تعرض (83%) من الذین عملوا خارج بيوتهم للعنف وما زال باقياً في ذاكرتهم، ذلك في مرحلة سن الخامسة إلى سن الثانية عشرة.
قسم الباحث الوضع المالي إلى ثلاثة مستويات: (الجيدة، المعتدلة، الفقيرة). كانت نسبة تصنيفهم إلى الفترة التي اعتقلوا فیها، بالنسبة لهذه المستويات الثلاثة كما يلي: الوضع المالي الجيد: (2. 4%). الوضع المالي المعتدل: (82. 28%). الوضع المالي السيئ [الفقير]: (6. 66%). كما صنّف الباحث أسر “الجهاديين” حسب حجمها، وميّز أنواع العوائل إلى ثلاثة، بناءً على عدد أفرادها: أولاً: العائلة الصغيرة، التي قمنا بتحديدها من وجود الأبوين أو أحدهما، مع طفل أو اثنين. ثانياً: العائلة المتوسطة المتكونة من الأبوين أو أحدهما، إلی أربعة أطفال. ثالثاً: العائلة الكبيرة التي تتكون من أبوين أو أحدهما وما فوق أربعة أطفال. فتبيّن أن نسب السبعة والخمسين من السجناء بتهم الإرهاب موزّعة كالتالي: ثلاثة منهم منتمون إلى العوائل الصغيرة، وأحد عشر منهم منتمون إلى العوائل المتوسطة، وثلاثة وأربعون منهم منتمون إلى العوائل الكبيرة. فكانت نسبتهم المئوية كالتالي: العائلة الصغيرة: (26. 5%). العائلة المتوسطة: (29. 19%). العائلة الكبيرة: (43. 75%). تبيّن للباحث أن العوائل الكبيرة، كانت بیئة مناسبة لتورّط أطفالهم بعمليات الإرهاب والعنف.
أما من حيث توزيع تلك الشخصيات على الأحزاب السياسية في كردستان، قبل أن تصبح شخصيات جهادية بصورة مباشرة، فتوزعت الانتماءات السياسية على النحو الآتي: الجماعة الإسلامية: (27.3%). السلفية المدخلية: (27.3%). الاتحاد الإسلامي: (5.14%). الحركة الإسلامية: (11.01%). الاتحاد الوطني: (7.5%). الحزب الديمقراطي الكردستاني: (5.6%). المحايد: (4.54%). حركة التغيير: (1.7%). أما بخصوص تصورهم حول مفهومي الديمقراطية والعلمانية، فإن (55%) منهم يعتقدون أن العلمانية لا تتواءم مع الإسلام، وهي كفر عندهم، وأن (49%) منهم لا يعتقدون بالديمقراطية، ويرون الإسلام نظاماً كاملاً لا یحتاج لدیمقراطیة.
المرأة الكردية في الخطاب السلفي الكردي
تهدف دراسة كامران محمد برواري -باحث كردي عراقي ناشط في مجال حقوق الإنسان- إلى التعرف علی مواقف وآراء ورؤیة السلفیین الكرد للمرأة، من خلال كتابات وخطب ودروس وندوات وترجمة الأدبيات السلفیة المتعلقة بها، والتي یمكن تلخیصها في الخطاب السلفي الكردي، والذي یلخص مواقفهم من المرأة، ومدی تأثر المرأة الكردیة بهذه الرؤیة والخطاب في المجتمع الكردي المسلم. ولیس بالضرورة أن یعبر سلفي منتمٍ في المظهر والمخبر عن الخطاب السلفي، بل هناك رجال الدین وكتاب وأحزاب یدّعون الاعتدال، لكن سیكون التركیز علی جماعات وشخصیات سلفیة معروفة.
یُعتبر هذا الخطاب السلفي وافداً جدیداً علی المجتمع الكردي الذي تدیّن بالإسلام علی مذهب الإمام الشافعي في غالبیته فقهاً، وهو أشعري في الاعتقاد.
ينطلق البحث من قناعة أساسية لا تنظر إلى الخطاب السلفي كقراءة وحیدة للإسلام، بل ترى أن الإسلام فيه قراءات ورؤی متعددة من اشتراك كل الرؤی والقراءات في انتمائها للإسلام كدین جامع لكل المذاهب والرؤی والاتجاهات.
يبين الباحث من خلال قراءة ما كتبه الرحالة والمستشرقون والباحثون الأوروبيون والروس، والعلماء الكرد وغیر الكرد من العرب والترك والفرس، على الرغم من انتماء الكرد إلى تراث المنطقة ووجود عادات مشتركة؛ فإن نظرة المجتمع الكردي إلى النساء وتعامل الرجال معها، هي ظاهرة بحد ذاتها، إذ توصف المرأة الكردیة بأنها تتمتع بقدر كبیر من الحریة، وتتمتع بثقة أكبر بنفسها خلال تعاملها مع مجتمع الرجال. ویعتبر الكثیرون أنها تُعامل من قبل الرجال بصورة أفضل بكثیر، من تعامل الرجال مع بنات جنسها في المجتمعات المسلمة الذكورية الأخری. تتمتع المرأة الكردیة بهامش من الحریة والإیجابیة والاعتبار لمكانتها وشخصیتها. يورد الباحث شهادات بهذا الخصوص.
يقول الباحث: إن تحرر المرأة الكردیة كان مبنیاً علی الثقة المتبادلة بین الرجل والمرأة، ولیس بسبب افتقار الرجل الكردي إلى الغیرة علی نسائه أو عدم اكتراثه بالأخلاق.
ويخلص الباحث إلى أن قضية المرأة والنقاب كانت ملازمة لهموم السلفیة: الشرك والتوحید، البدعة والسنة، القبر. معتبرا أن المرأة كانت دائما أحد هموم السلفیة المزمنة في خطاباتها. وتقدم السلفیة التي لا تجید إلا التضيیق علی المرأة والتشدید علیها بمیكانیزمات متعددة لتبریر إجراءاتها، كالأخذ بالأحوط وسد الذریعة، وفساد الزمان وغیرها من التبریرات.
الإعلام السلفي في كردستان: المرئي والمسموع والمقروء
يقسّم كامران طاهر زراري -كاتب ومترجم كردي عراقي متخصص في الشؤون الإسلامیة- السلفية إلی اتجاهين رئيسين: السلفي الجماعي الحركي: فيشمل الحركة الإسلامية خصوصاً جيل التسعينيات وما بعد الألفين، وما انشقت عنها من كتل وأحزاب وتحالفات بين الأجنحة مثل جند الإسلام، التوحيد، أنصار الإسلام، والجماعة الإسلامية التي هي باقية حتى الآن، بعد أن وضعت السلاح مع الاحتلال، وتقريباً الآن لها جناحان: جناح التنويريين وعلی رأسهم أمير الحركة ملا علی باپير، وجناح السلفيين والأصوليين حيث معظم كبار المسؤولين منهم. أما السلفي اللاحزبي: فينقسم هذا التيار إلی أكثر من ثلاث فرق، فرقة (ملا عبداللطيف) ومركزهم في السليمانية، حيث هم من أقوی الفرق وأشهرها، ولهم مؤسساتهم الإعلامية كقناة (ئامۆژگاري –النصيحة) والتلفزيون والراديو، وفرقة (ملا عبدالكريم) في منطقة گرميان، فقط يملكون منابر المساجد وصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك ويوتيوب، والفرقة الثالثة هم فرقة (ملا سيروان) الملقب بالأشقر مركزهم أربيل، لا يملكون القنوات التلفزيونية لكنهم كالفرقة الثانية يعتلون المنابر.
يذكر الباحث أهم مؤسسات الإعلام السلفي من قنوات تلفزيونية وإذاعات الراديو المحلية والمجلات، والأذرع التي تحركها سواء كانت تتبع التيار السلفي اللاحزبي/ جناح ملا عبداللطيف، أو الجماعة الإسلامية، أو غيرها من جمعيات ومجموعات. ويحدد السمات البارزة لمؤسسات إعلام الإسلاميين ويقدم قراءة سريعة لتلك الوسائل، على النحو الآتي:
بدل أن تركز علی الجانب العقائدي، تركز علی الجانب التربوي والدعوي والعمل الإسلامي علی نهج متقدمي ومؤسسي الإخوان المسلمين، بحيث يهيئ الفرد كي يدخل في دوامة العمل الإسلامي، بغية إحياء الخلافة وتأسيس الدولة الدينية وتحكيم الكتاب والسنة أو تطبيق الشريعة.
إنها لا تحرم المشاركة في المناسبات القومية مثل نوروز، لكنها تحذر أن تسميها عيداً، بل تركز علی تحشيد الجماهير وركوب الأمواج واقتناص الفرص في المناسبات الدينية، كالمولد النبوي والأحداث والمستجدات اليومية ضد السلطة، أو الفنانين خصوصاً الإناث منهم أو الكتّاب والليبراليين والمفكرين العلمانيين بشكل عام، أو أي حركة في اتجاه التجديد والتنوير ولو كانت في دائرة الإيمان والإسلام، كما فعلتها هذه الأيام من حملة ضد قرار من قبل وزارة الأوقاف حول توحيد الأذان في كل مدن البلاد حسب توقيتها وجعلها إلكترونيا! حيث يرون أن أي محاولة من هذا القبيل هي محاربة لشعائر الإسلام.
لا تركز علی حفظ أمن البلاد كإعلام المدخليين، بل كانت تحرض علی العنف والتطرف أيام الحروب الداخلية، وفي الحقيقة لم تكن هي الوحيدة التي تنفث في النيران، بل مؤسسات إعلام الحزبين الحاكمين فعل كل منهما بالآخر أكثرمن ذلك، إلا أن الإعلام الإسلامي لا يهمه ذلك كما يهم السلفيين.
هذه المؤسسات تركز علی الجانب الفقهي، لكن ليس بهذه الكثافة التي تعمل عليها مؤسسات الإعلام السلفي، ولا بهذه الشدة والتطرف الذي يلاحظ من السلفيين، هم منفتحون أكثر مقارنة بهم.
مثل مؤسسات إعلام السلفيين تؤكد أن سوء المعيشة وتفشي الفقر والفساد سببها ذنوب العباد وتقصيرهم في الطاعات وامتثال الأوامر الشرعية. إلا أنهم يختلفون عن السلفيين في أنهم يرون الحل في التحزب والعمل الجماعي، بل حتی العراك العسكري إن تطلب الأمر ذلك وأمكن كما في السابق، لا النصح بالقول اللين والوعظ بلسان لطيف، كما تری السلفية في ذلك حلاً!
إعلام الإسلاميين ليس خالياً من البرامج العلمية والتثقيفية والترفيهية، على عكس السلفيين يعملون في هذا المجال بجد، لكن فقط حول دائرة المشروع الإسلامي وما يعود بالنفع لصالحه، فبخصوص البرامج العلمية فإنها تراقب البرامج والأفلام الوثائقية حيث تبقي فقط علی التي تنفعها في مجال الإعجاز العلمي، وفي الحقيقة الإعجاز القسري، أو التي -علی الأقل- لا تضرها، أما البرامج التي تناقض بديهيات الإسلاميين، سواء في الفكر أو في الاعتقاد، فلا تراها في إعلامهم بتاتاً وإن كانت حقائق علمية، وعلى العكس، تحاول نقض ما توصلت إليه نتائج آخر البحوث والاكتشافات ببحوث نشرت قبل أكثر من عشرين سنة! مثل مناهضتهم لنظرية التطور حسب بحوث نشرت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وبخصوص البرامج التثقيفية والترفيهية أو برامج الأطفال، فإنها في الغالب تبث الأفلام الكرتونية الإسلامية المدبلجة، والتي قد يحتوي البعض منها علی أحداث القتال في سبيل العقيدة والعنف الديني، لأنها تروي قصص السابقين أو أحداث السيرة، والتي لا تخلو من القتال، أو أنها تعلم الأولاد الصغار أذكار الخلاء والسفر ولبس الثياب.
إنها لا تركز علی نقاط الخلاف، بل تغض عنها البصر قدر الإمكان، لكن فقط في دائرة الإسلام، لذا تراها تغازل الصوفية كسباً للجماهير وإرغاماً للسلفيين، أما بالنسبة للتعامل مع غير المسلمين والتهنئة بأعيادهم، فهذا شيء آخر حيث يصيرون السلفي الأصولي المتطرف تجاههم بامتياز.
إنها لا تخلو من الاهتمام بالمفاهيم الحديثة كتلوث البيئة وحمايتها، أو المشاكل العصرية كالاحتباس الحراري بعكس إعلام السلفيين.
لا تحرم الفنون والموسيقی إطلاقاً كما هي السلفية، لكن تمارسها علی استحياء، على الرغم من أن الموضوع الرئيس للنقاش بين الأطياف الإسلامية بين الإخوان (الاتحاد الإسلامي) والحركة الإسلامية في التسعينيات، وحتی مع الجماعة الإسلامية في بادئ أمرها، كان موضوع حرمة الموسيقی من عدمها.
الإسلام السياسي في كردستان العراق: الأصولية السلفية
يقول يونس سيد رشيد -أكاديمي وباحث كردي عراقي متخصص في قضايا الإسلام السياسي- في دراسته: إنه لا يمكن تناول الأصولية السلفية الكردية بمعزل عن المشهد السياسي العام في كردستان العراق، كما لا يمكن تناول موضوع التجارب السياسية التي مرت بها كردستان العراق، والتجارب السياسية الإسلامية خصوصاً دون الإشارة إلى الأحداث الدراماتيكية التي توالت على الساحة السياسية العراقية عموماً، إبان حرب الخليج الثانية نتيجة لغزو القوات العراقية للكويت عام 1990، باعتبار أن سطوة النظام العراقي على المشهد السياسي، قد تخللتها اضطرابات شديدة، وتلاشى دورها -إلى حد كبير- في كردستان العراق.
ومن نتائج هذا الاضطراب السياسي أن المحافظات الكردية الثلاث في إقليم كردستان العراق، وجدت نفسها واقعة في أتون فراغ سياسي وإداري، بحيث فتحت الباب على مصراعيه أمام القوى الإقليمية الفاعلة لتتدخل في أدق تفاصيل نسيج المجتمع الكردي، تساعدها في هذا التغلغل عوامل عدة: أولاً: غياب سلطة الدولة، ثانياً: استعداد وقابلية المجتمع الكردي لاستيعاب كل الأفكار والتجارب الدخيلة نتيجة لغياب الوعي الثقافي والسياسي، ثالثاً: دور كثير من القيادات الكردية في اللعب على الحبال السياسية الممتدة من هنا وهناك، بما يخدم استراتيجيات الموجة السياسية التي هبت على المنطقة بعد 1991.
ويضيف الباحث أنه من أجل تناول موضوع التجارب السياسية التي شهدتها كردستان العراق، هناك ثلاثة عوامل رئيسة ينبغي تحديدها باعتبارها تمثل الركائز الأساسية للتكوين الفكري والشخصي للفرد، والتي بدورها تحدد إجمالاً طبيعة المجتمع الكردي، والعقل الجمعي المتشكل للمجتمع الكردي، ومن ثم تشكل الفسيفساء السياسية لكردستان العراق. تلك العوامل هي: الهوية الكردية، العامل الديني، والتكوين والتمايز الفئوي والجيوغرافي للمجتمع الكردي.
يتناول الباحث دراسة طبيعة المجتمع الكردي، والإسلام السياسي والحركة الإسلامية في كردستان العراق، ونشأة الأصولية السلفية الموالية، واستراتيجية الاتجاه السلفي الكردي الموالي، والأبعاد المستقبلية لهذا الاتجاه، وتحديات الإسلام السياسي والأصولية السلفية في كردستان العراق.
ويختتم الباحث دراسته بقوله: إن التجارب السياسية التي تشهدها الساحة السياسية في كردستان العراق، ما هي إلا انعكاس لصراع إقليمي ودولي تدور رحاه على أرض كردستان، وتذهب ضحيته أجيال وأجيال من المجتمع الكردي الواقع بين مطرقة القوى الإقليمية المتصارعة وسندان السياسات غير الرشيدة للأحزاب الكردية الحاكمة. وبين هذا وذاك هناك لاعبون سياسيون آخرون كالإسلاميين، يشاركونهم تمزيق أواصر المجتمع الكردي وتشتيت قواه المادية والمعنوية. ولولا فساد العلمانيين لما وجد الإسلاميون، ولولا غياب الوعي السياسي للشعب الكردي لما تسلط الاثنان.
إن الشعب الكردي –إجمالاً- لا يدرك الواقع السياسي جيداً، ولم يعِ تجارب الماضي وواقعه الراهن، ليس بمستوى التحديات التي تواجهه، شعب يعيد التاريخ فيه نفسه كل حين وحين، شعب لا يدرك تماما خطورة المستنقع الذي وقع فيه وما يؤول إليه مصيره. وإذا لم يقم بإعادة حساباته قريباً، فسوف يكون مصيره الهاوية، ونكسة أشد وقعاً من النكسات السابقة التي حلت به وعليه.