دبي
يعالج كتاب المسبار «العبودية المعاصرة لدى التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا» قضية هامة، قلّما يتم التطرّق إليها من الباحثين أو الإعلاميين في العالم العربي، ألا وهي قضيّة العبودية المعاصرة. الملاحظ أنَّ أغلب ما كُتب فيها بالعربية كان لتبرير موقف الإسلام من العبودية قبل أربعة عشر قرناً، ولا نجد ما يكفي من الكتابات التي تسلّط الضوء على العبودية، التي تنتشر في عالمنا اليوم ويعاني منها الملايين من البشر.
يدرس الكتاب من خلال فصوله المتنوّعة الأصول التاريخية للعبودية، وانتشارها في الحضارات كافة. وبقدر ما تشير الأبحاث –هنا- إلى الأبعاد الاقتصادية التي تديم العبودية، فإنَّها تتناول أيضاً الأبعاد الاجتماعية والتبريرات الدينية التي تدفع البعض لاستعباد الآخرين.
تنشط العبودية بشكل ملحوظ في مناطق النزاعات المسلّحة، لذلك كان لا بد للكتاب من رصد العلاقة بين الحرب والعبودية، وهي علاقة قديمة قدم التاريخ؛ إذ كانت الحروب المصدر الأساسي للحصول على عبيد منذ القِدم، وعندما أراد الإسلام إلغاء العبوديّة، وجد أنَّ رسوخ العادة عميق بحيث لم يُقفل باب الاسترقاق في الحروب.
إلغاء العبودية والمجتمع المدني: الغرب والشرق
يدرس المؤرخ الأمريكي والأستاذ في جامعة بيتسبرغ الأمريكية (University of Pittsburgh): سيمور دريشر (Seymour Drescher) المسار التاريخي الذي سلكته الدول لإلغاء العبودية، ملاحظاً أنه: “لأكثر من ألف سنة، كانت العبودية مؤسسةً منتشرة وراسخة. لقد كانت مقبولة كجزء من نظام طبيعي وإلهي لوضع هرمية الهيمنة والتبعية”.
يلفت الكاتب إلى أن فرنسا حررت عبيدها في المستعمرات خلال ثورات عام 1848، ولكن التوترات بين حكومات فرنسا وبريطانيا حول أساليب التطبيق استمرت حتى أواخر القرن التاسع عشر. وكان لبريطانيا نظير واحد لمجتمعها المدني الذي حشد لمشروع الإبطال في الغرب، فقد أثّر نجاح الحملات البريطانية في العقد الثالث من القرن التاسع عشر في نشطاء إبطال العبودية في أمريكا، فقاموا بتبني أساليب الحركة الاجتماعية البريطانية للضغط على الحكومة الفيدرالية الأمريكية، لتبدأ بتفكيك العبودية في أمريكا. ولكن حتى في الولايات الشمالية، شهدت الحملة العامة موجات اضطراب من جماهير متمردة، كانت متخوفة من تعطيل الاتحاد، ومعادية جداً لفكرة السماح للأفارقة الأمريكيين بأنْ يكونوا مواطنين مساوين لهم.
تشكّلت المواقف الغربية تجاه العبودية في الشرق الأوسط خلال مرحلة التوسّع الإمبريالي في الهند. وما بين الانتصارات المبدئية في القضاء على تجارة الرّق عام 1807 والقضاء على العبودية الاستعمارية (Colonial Slavery) عام 1833، لم تقّدم جمعيات إبطال العبودية في بريطانيا أي التماس مباشر لتمديد مشروعهم في المستعمرات البريطانية في الهند.
في أوج الحركة الشعبية في بريطانيا ضد العبودية عام 1840، كرّست اتفاقية عالمية ضد العبودية كل جهودها لجعل تحرير العبيد عالمياً، وتمّ تحديد الهند على أنها الهدف التالي لحركة الإبطال البريطانية. سُميَّت مراحل إبطال العبيد بـ«الموت البطيء للعبودية» وأصبحت أنموذجاً لإنهاء العبودية في النصف الشرقي للكرة الأرضية. جاء النهج التدريجي للتحرير نتيجة لحدث كبير في تاريخ مناهضة العبودية في بريطانيا، حيث فشلت القوة الاستعمارية في الاستجابة لمطالب جمعيات مناهضة العبودية لموجة جديدة من التحشيد الجماهيري.
يلفت دريشر إلى أنه مع نهاية القرن التاسع عشر، ظهرت أصوات إصلاحية في الشرق الأوسط، كانت ترغب في تبني موقف مشابه للغرب فيما يتعلق بإعادة النظر في جميع النصوص الدينية، باعتبارها نتاجات تاريخية خاضعة لإعادة التفسير في ضوء التطورات الاجتماعية. وحتى أواخر القرن العشرين، جاءت جميع الخطوات لإلغاء العبودية نتيجة المفاوضات بين الحكومات العربية والغربية، أو مع المؤسسات الدولية مثل عصبة الأمم والأمم المتحدة. وكان لغياب المجتمع المدني عن حركات مناهضة العبودية في القرنين التاسع عشر والعشرين، دور في صعوبة دمج ثقافة مناهضة العبودية مع الثقافات الوطنية للبلدان التي كانت ترفض الهيمنة الأوروبية.
العبودية في العالم اليوم: تعريف ومفاهيم
يقدّر عدد العبيد في العالم اليوم ما بين عشرين إلى ثلاثين مليون إنسان، وقد يكون العدد أكبر. يصعب التصديق بأنّ العبودية لا تزال قائمة في عصرنا هذا. لمْ ترث جميع الشعوب العبودية، ولكن وجودها يمتد منذ القدم إلى يومنا هذا ويصعب تفسير سبب استمراريتها. إن وجود العبودية كان ولا يزال عاراً على المجتمعات كافة، ويأتي هذا العار من حقيقة كون العبودية تمنع قيام إنسانية مشتركة تجمع جميع البشر.
يرى ريتشارد بيرشيل (Richard Burchill) (مدير البحوث ومشاركة الاتجاهات في قسم الصحافة والإعلام بالجامعة الأمريكية في دبي) أنه من أجل القضاء على هذه الظاهرة، يتوجب علينا أن نعترف بأن العبودية نكران للإنسانية، وأنها شيء لا يمكن القبول به، إلا أنها في الوقت ذاته نتاج ظروف محلية يتوجب فهمها وتناولها، من أجل توفير الدعم لضحاياها، واستحداث برامج ناجعة لمحاربتها. ويخلص الكاتب إلى أنه لا يوجد حل سهل للقضاء على هذه الظاهرة؛ لأننا في حاجة لتطوير الخبرات الحياتية لشريحة واسعة من الناس حول العالم، للتقليل من فرص وقوعهم ضحية للاستغلال، يضاف إلى ذلك حاجتنا الماسة لأن نكون يقظين تجاه النشاطات غير الشرعية التي تخلق الأرضية الملائمة للعبودية، والعمل على إقرار معايير واقعية وملموسة للعمل وليس على الورق وحسب، ناهيك عن حاجتنا للوقوف ضد أي محاولة لتبرير العبودية كظرف مقبول، وعدم غض الطرف عن وجودها.
المسيحية والعبودية التقليدية
يتناول الأستاذ في كلية اللاهوت (القاهرة) أندريه زكي إسطفانوس موقف المسيحية من قضية العبودية التقليدية. مقدماً خلفية تمهيدية تشمل نظرة سريعة لمصادر العبيد في العالم القديم، ودارساً موقف اليهودية وشرائع موسى، حيث إنهما يمثلان أرضية واضحة لموقف المسيحية في هذه القضية. يعالج الكاتب موقف السيد المسيح وموقف الرسول بولس من العبودية، وذلك من خلال دراسة النصوص التي استخدمها السيد المسيح والرسول بولس حول العبودية، ساعياً إلى استخلاص الموقف المسيحي من هذه النصوص، ومنها انتقال الكاتب إلى الأدوار التي لعبتها المسيحية في مواجهة هذه القضية.
لقد ولدت المسيحية من بيئة يهودية أعطت العبيد العبرانيين امتيازات لم تعطها للعبيد الأجانب، كما أن الكنيسة التي ولدت في وسط العالم الوثني في ذلك الوقت، والذي مثلت فيه العبودية ركنًا أساسيًا من نظامه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وجدت نفسها في مواجهة مع نظام متجذر قد يؤدي في النهاية إلى تدميرها هي، ومن هنا جاء موقف المسيحية موقفًا استراتيجيًّا، ومع أن السيد المسيح -كما أشارت الورقة- لم يواجه هذا النظام مواجهة مباشرة، فإنه وضع أساسيات تديره من الداخل، وهذا يظهر بوضوح في رسالته التي دعا فيها إلى طريق جديد للحرية.
الإشكالات الدلالية للاغتصاب في «حروب المشرق»
ليس من الصحيح أنّ جندياً أو مقاتلاً ما حينما يغتصب امرأةً، يغتصبها إشباعاً لشبقه الذكوري. فطالما أنّ ماهية السلطة تقع قبل الحرب وبعدها في يده، وهو الذي يعرفها وبالتالي يديرها، فإنه يغتصب لكي يثبت للمرأة أنه هو القوة والسلطة عليها؛ إنه يغتصبها لكي يثبت لها أنه المنتصر عليها؛ إنه يغتصبها لأنها تنتمي للآخر مرتين: الآخر عنه هو، كجندر دوني، والآخر الغريب، العدو: من جندر العدو.
يقول الباحث السوري المتخصص في الفكر الإسلامي حمّود حمّود: إن مسار الحروب هو أيضاً مسار التعريف بالهويات الدفينة. فالاغتصاب هو إحدى الوسائل للتعريف بهذه الهويات وبنائها. وإذا كان الأمر كذلك، فربما يُقرأ الاغتصاب، في سياقات محددة، على أنه تدمير للهويات أيضاً، هويات الآخر. هذه الصور والصور المضادة في تصوير الاعتداءات الجنسية هي الشرط الشارط لنشوب الحروب؛ حتى يكون من المبررات التي تستدعيها، ومن ضمنها الحرب المقدسة.
ما يشغل هذا البحث ليس الأرقام ولا التقارير التي تعج بها شبكة الإنترنت، بل أسئلة من قبيل: لماذا يحدث الاعتداء الجنسي في حروبنا المشرقية؟ ما الدلالات الأنثروبولوجية التي تقف وراءه؟ أهي بالفعل، كما سنناقش، «غيْريّة جسد امرأة العدو»؟ لا بل -أيضاً- ما الدلالات الدينية (وفي حالتنا هنا ستكون «الجهادية») التي تُهيّج مجاهدين ما أنْ يغتصبوا؟ ماذا يعنيه الاغتصاب والاغتصاب المضاد؟ من هنا سيكون نقاشنا منصباً أولاً حول ما يحيل إليه تعبير «امرأة العدو» وماذا يعنيه في فضاء «اغتصاب الحريم الغيري والغرائبي» ضمن سياق الحروب الحديثة وتلك المعاصرة.
ينتقل البحث لمحاولة الإجابة عن سؤال: لماذا تصمت ضحية الاغتصاب؟ أما النقطة الأخرى والأخيرة في عنواننا «الاعتداء الجنسي في الجهاد أو اغتصاب امرأة المدنس» فهي الاقتراب بشكل أدق من حالات الاعتداء الجنسي في حروب المشرق، وخصوصاً تلك التي تتعلق بجهاد الكل على الكل.
سبي الأيزيديات: شهادات وفتاوى ورؤى
تسعى ورقة الباحث العراقي خضر كلو علي دوملي إلى تسليط الضوء على الخلفية التاريخية لتعرض الأيزيدية للهجمات وسبي نسائهم في مراحل تاريخية سابقة، وصولاً إلى ما قام به «داعش» في 2014. وتستند الورقة إلى شهادات من ناجيات وبعض التصريحات والفتاوى والتقارير الدولية التي تتناول هذه القضية، التي أصبحت شأناً دولياً، يستمر العمل عليه؛ لأن مأساة الأيزيدية مستمرة باستمرار «داعش» في الاحتفاط بأكثر من ثلاثة آلاف امرأة وطفل وطفلة ورجل، كسبايا وجوارٍ وعبيد.
الواقع الحالي للمنطقة، وتردي العلاقات بين مجتمعاتها، سيستمر إذا لم يتم وضع حد لموضوع حساس ومهم ومؤثر كهذا، وخصوصاً أن هناك فرصة للإصلاح والتخلص من الاستعباد الجنسي الذي يضيف بعداً غير حضاري على المجتمعات، مما يتطلب مواجهته بجرأة للتخلص منه نهائياً.
تحريم وتجريم العبودية في القانون العراقي
هذه الدراسة تبحث موقف القانون العراقي من تحريم وتجريم العبودية والممارسات الشبيهة بالرق والاستعباد الجنسي، ثم تعرض لتكييف جرائم «داعش» المتعلقة بالعبودية، ومدى قدرة القانون العراقي على التعامل معها، ثم تحدد الجهات العراقية المختصة بملاحقة مرتكبيها، وجهود تلك الجهات الرسمية وغير الرسمية في توثيق جرائم «داعش» ومساعدة الضحايا واتخاذ الإجراءات لمعاقبة الجناة.
يرى رئيس هيئة النزاهة العراقية السابق: رحيم حسن العكيلي أن القانون العراقي ما زال خالياً من نص صريح يجرم العبودية والممارسات الشبيهة بالرق، إنما نص قانون العقوبات العراقي النافذ على عد جرائم (الاتجار بالنساء وبالصغار أو بالرقيق) من جرائم الاختصاص الشامل، التي يسري عليها قانون العقوبات العراقي ولو ارتكبت بالخارج، ولم تكن لهذا النص قيمة واقعية إلى أن صدر قانون الاتجار بالبشر عام 2012. ولم يصادق العراق على نظام المحكمة الجنائية الدولية، وهو لا يجرم -حالياً- الجرائم الدولية (الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب) على الرغم من أنه جرمها للفترة بين (1968-2003).
على الرغم من أن ملاحقة تلك الجرائم من اختصاص القضاء العراقي الاتحادي، فإنه لم يتحرك واقعياً لتوثيقها وجمع الأدلة وملاحقة الجناة، واكتفت الحكومة العراقية والجهات الاتحادية المعنية بإصدار البيانات والتقارير وببعض الإجراءات المحدودة.
يشير العكيلي إلى أن المنظمات الحقوقية العراقية لم تهتم بهذا الموضوع، وإنما سعت منظمات مجتمع مدني في إقليم كردستان إلى توثيق تلك الجرائم وتدوين شهادات الضحايا، وجمع الأدلة من وثائق وتسجيلات وفيديوهات وغيرها، وهي تعمل إلى جانب هيئة التحقيق وجمع الأدلة التي يرأسها قاضٍ.
الاتجار بالبشر داخل أماكن النزاع في سوريا والعراق
يلفت الكاتب السوري رضوان زيادة إلى أن الاتجار بالبشر (Human trafficking) ينشط –غالباً- في مناطق النزاعات المسلحة كما هي الحال الآن في كل من سوريا والعراق. ومع ازدياد حضور وسطوة الجماعات المسلحة وخصوصاً تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية أو “داعش” ازدادت التقارير التي تتحدث عن الاتجار بالبشر، أو إجبار النساء على ممارسة الجنس، وخصوصاً تقارير المبعوث الأممي الخاص بمحاربة هذا النوع من التجارة.
ويؤكد زيادة بأن الفقر المدقع والعنف يؤديان في بعض العائلات إلى إجبار النساء والفتيات على ممارسة الدعارة. كما أن النساء والفتيات غالباً ما يصبحن ضحايا الاتجار من خلال الزيجات المدبرة القسرية، أو الموقتة. كما أن العمال الأجانب أصبحوا -على نحو متزايد- عرضة لخطر الاتجار بهم من وإلى العراق، وخصوصاً في إقليم كردستان، حيث أنتج التوسع الاقتصادي سوقاً للعمالة الأجنبية. في الختام يقدم زيادة جملة من التوصيات للتعامل مع القضية في الدول المعنية بالدراسة.
السيد محمد حسن الأمين: السبي والاسترقاق محرمان تحريماً كاملاً
أجرت عضو هيئة التحرير في مركز المسبار للدراسات والبحوث في دبي: ريتا فرج، حواراً مع السيِّد محمد حسن الأمين يعرض فيه لموقف الفقه الإسلامي، ولا سيما الفقه الجعفري، من السبي والرق. جاء اللقاء في إطار أخذ رأيه كمرجع ديني حول ظاهرة «إحياء العبودية التقليدية في مناطق النزاع المسلح في سوريا والعراق».
رأى الأمين أن الرق «ظاهرة تاريخية تشمل المجتمعات الإنسانية كافة، وقد استطاع الإسلام بإمكاناته وآدابه أن يسهم إسهاماً نوعياً في إلغاء هذا النظام الجائر»، معتبراً أن الأمة الإسلامية «أوْلى من أي أمة أخرى بموجب قيمة الكرامة الإنسانية التي شدد عليها القرآن الكريم والسُنة النبوية» ومن الأهمية «أن نكون متمسكين أكثر من سوانا بحق الحرية الكاملة للكائن الإنساني».
وأكد الأمين أن «عمليات السبي والاسترقاق التي تمارسها هذه الحركات أمر بالغ الخطورة، وهو محرم تحريماً كاملاً» مشدداً على «أن الإسلام في عالمنا المعاصر يعتبر القوانين المتفق عليها دولياً، هي قوانين ملزمة للمسلمين، على قاعدة أن المسلمين جزء من نظام عام».
ويخلص الأمين إلى أنه: “يجب علينا أن نقدم الإسلام انطلاقاً من التأويل الديني والاجتهاد، بوصفه خلاصاً روحياً وأخلاقياً للشعوب والأمم، من خلال العمل على نشر الثقافة الأصيلة للإسلام، القائمة على فقه التعايش، مما يمكن أن يؤدي إلى نهضة إسلامية. أما العنف أو القهر المسلح، فإنه يسيء إساءة واضحة للدعوة الإسلامية، سواء كانت وراء هذه الأعمال العنيفة نية خبيثة أو نية طيبة، ولكنها تنطلق من الجهل بحقيقة الإسلام وبموجبات الدعوة لهذا الدين العظيم”.
العلامة الشافعي: لا يجوز سبيُ الناس ولا ضربُ الرِّقِّ عليهم
اعتبر عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، وأستاذ الفلسفة الإسلامية في كلية دار العلوم (جامعة القاهرة): حسن الشافعي أن تنظيم “داعش” كـ«جماعة باغية» ليس على علم بالشريعة الإسلامية، ولا على استعداد لِتطبيقها، وهؤلاء «الداعشيون» بارتكابهم هذه الممارسات والجهالات من «سبي» و«أسر» و«استرقاق» وادعائهم «بوجودِ نصوصٍ شرعيةٍ تُسانِد فتاواهم الضالة وأضاليلهم»، إنما «يُسيئون بها إلى الإسلام والمسلمين». ورأى الشافعي في حوار أجراه معه الصحفي والكاتب المصري: صلاح حسن رشيد أن «الشريعة الإسلامية تتشوَّفُ إلى إشاعة الحرية، والمحافظة عليها، أمّا ضربُ الرِّقِّ على بعض الأسرى؛ فقد كان ذلك؛ لأنَّ الأعداءَ كانوا يُمارسون ذلك؛ فأُبيحَتْ المعاملة بالمِثل».
ودعا الشافعي إلى «إرساء قاعدة الاجتهاد الديني، وذلك بإشاعة العلم الشرعي؛ فالعلم بصحيح الدين هو قاعدة التجديد وأساسه. هذا؛ وقد كثُرَ الخِلافُ بين أنصار التقليد لواحدٍ من المذاهب الفقهية السائدة بين المسلمين». مشدداً على أن “العلماء المُعْتَدِّ بهم (لم يقروا) بممارسة هؤلاء البُغاة؛ الذين أساؤوا إلى الإسلام والمسلمين؛ بما ارتكبوه من حَرْقٍ، وذبحٍ، ونسفٍ؛ للشجر، والحجر، والإنسان؛ باسم الدين؛ لكنْ من الواجب على كلِّ عالِمٍ مُسلِمٍ؛ أنْ يُنْكِرَ هذه الأشياء، كما ذكرنا في إجابة السؤال السابق، وألا يسكت على ممارسة هؤلاء”.
الكتاب: الفتاة الشابة التي هزمت داعش: قصة فريدة
أجرت عضو هيئة التحرير في مركز المسبار ريتا فرج قراءة في كتاب صدر بالفرنسية تحت عنوان (La Jeune Fille qui a Vaincu Daech: L’histoire de Farida) (الفتاة الشابة التي هزمت داعش: قصة فريدة) (Hugo Doc,2016): فريدة خلف (Farida khalaf) وأندريا هوفمان (Andrea Hoffmann).
تروي فريدة خلف (فتاة أيزيدية كانت من بين الفتيات اللاتي اختطفن من قبل داعش إثر الهجوم الذي تعرضت له قريتها) تجربتها المؤلمة بصيغة «الأنا» عبر قلم الصحفية والكاتبة الألمانية أندريا هوفمان، التي اعتمدت أسلوباً جعل من صاحبة الشهادة كأنها هي من دونت قصتها الرهيبة. وضع الكتاب أساساً بالألمانية ونقل إلى (11) لغة من بينها الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، وجاء في تسعة فصول، وزعت على النحو الآتي: «عالمنا كما كان سابقاً»، «آخر صيف جميل»، «الكارثة»، «سوق العبيد في الرقة»، «في الغرفة السوداء»، «قرب الجزار»، «في المخيم العسكري»، «الخروج من الجحيم»، «لا ملجأ لا جهة».
ترى فرج أن استخدام «العنف الجنسي» ضد النساء شكل إحدى الوسائل الأكثر خطورة في تاريخ النزاعات المسلحة والحروب العالمية والأهلية. تتعامل الذاكرة التاريخية الجمعية –غالباً– مع هذه الانتهاكات عبر كبتها، والعمل على وصم الناجيات بالعار وهن الضحايا، لا سيما في المجتمعات البطريركية، حيث تواجه «المرأة الناجية» عقبتين بعد توقف طبول الحرب: الأولى: الإدانة اللاواعية من قبل الجماعة التي تنتمي إليها، فتصبح منبوذة داخل عائلاتها والمجتمع المحلي، والثانية: إهمال الاحتياجات الصحية والنفسية التي تُعد الأسلوب الأنجع للخروج من ترسبات الصدمة، خصوصاً في حالات الاغتصاب المتكرر.
ليس السبي والاستعباد الجنسي الذي مارسه «داعش» في المناطق التي يسيطر عليها حالة استثنائية، فقد عرفت البشرية في تاريخها القريب حالات مماثلة. وتعتبر قضية «نساء المتعة» في الجيش الياباني واحدة من أهم قضايا الاتجار بالبشر [والاستعباد الجنسي] في القرن العشرين، ترجع إلى الحرب العالمية الثانية، عندما قام الجيش الياباني الإمبراطوري بتجنيد نساء من البلدان التي قام باحتلالها، مثل كوريا والصين والفلبين لتقديم خدمات جنسية للجنود خلال المعارك والحروب.
يهدف فعل اغتصاب النساء خلال الحروب إلى إهانة الجماعة التي تنتمي إليها الضحية، فشرف المرأة يرتبط بشرف الجماعة، والسيطرة عليه عبر العنف ترمز إلى السيطرة على الجماعة، كما أنه يتخذ شكل المكافأة للمحارب عبر حصوله على النساء.
إن الممارسات الوحشية التي ارتكبها تنظيم “داعش” ضد الأيزيديات تُدرج في خانة الجرائم ضد الإنسانية، غير أن العنف الجنسي ضد النساء -كما هو معلوم- لا تلجأ إليه جماعات العنف الديني فقط، فهو ظاهرة ووسيلة تستند إليها بعض الأنظمة السياسية خلال مراحل النزاع أو الاحتراب الأهلي، ويمكن ملاحظة ذلك بشكل مباشر وغير مباشر عبر عمليات الإذلال التي تتعرض لها النساء بسبب انخراطهن في النشاطات السياسية والحقوقية، وقد تكون سوريا وإيران من بين أكثر النماذج تدليلاً على ذلك، وصدرت تقارير كثيرة من قبل المنظمات الدولية والأهلية حول هذه الانتهاكات في أمكنة الاعتقال مثل «الاغتصاب الغضبي» و«الاغتصاب بالقوة».
من بين رؤى الكتاب: إن التجارب الصعبة التي تعيشها النساء والفتيات خلال النزاع المسلح، لا سيما اللواتي تعرضن للاغتصاب، لا ترتبط بالعنف الجنسي فحسب، إنما يحدد مركزهن وموقعهن في المجتمع الأهلي تبعاً للثقافة السائدة، فإذا كانت ثقافة العنف والتمييز على أساس الجنس موجودة قبل نشوء النزاع، ستتفاقم حتماً بعد الاستقرار.