دبي
يمكن النظر إلى ظاهرة التشيّع في دول المغرب منزاويتين: ثقافية/ دينية، وسياسية، تدرس الزاوية الأولىالحالة ضمن محاولات فهم أسباب التحولات فيالانتماءات الدينية أو المذهبية، وبذلك تدخل فياختصاص علم الاجتماع الديني. وتعالج الزاوية الثانيةأنماط الاستغلال السياسي للانتماءات الدينية أوالمذهبية، فتكون الدراسة ضمن إطار العلوم السياسية،وتحديداً دراسات تسييس الدين وتأثير الدين فيالسياسة، وقد تصل إلى دهاليز العلاقات الدولية؛ خصوصاً بعد تحوّل الإسلام السياسي الشيعي إلى تنظيمٍعالمي عابر لحدود الدّول.
يسعى الكتاب إلى دراسة ثلاثة محاور: الأول: مقاربة ظاهرة التشيّع في المغرب وتونس والجزائر، لاختبار حالات التوظيف السياسي للديني. والثاني: فحص بعض حالات التشيّع التي تبدو كأنها اتخذته نمطاً دينياً اختيارياً لا ينطوي على أية خلفية سياسية. والثالث تبيان كيفية تأثير ظاهرة التشيّع على العلاقات السياسية بين الدول.
التشيّع في المغرب العربي: تمرد ناعم
يرى الباحث السوداني عضو هيئة التحرير في مركز المسبار: عمر البشير الترابي أن المغرب العربي يمثل أهميّة استراتيجيّة من نواحٍ سياسية وثقافية، علاوةً على أهميّته الجغرافيّة، فقد ظلّ طِوال تاريخه، محطة تأثير وتأثر، سواء بثقافة الشرق الفرعونيّة وتاليًا الإسلاميّة، أم بثقافة أوروبا الإغريقية وتاليًا المسيحية فالإسلامية، وما حملته من تجليّات متنوعة، واستمرّ ذلك وآثاره إلى الآن. كل هذا يجعل ما يدور داخل المغرب مهمًا، بالنسبة للمشرق وبالنسبة لأوروبا، ولغرب ووسط أفريقيا، وتزداد الأهميّة للحالة الدينية لاعتبارات سياسية داخلية، كون الدّين رمزاً من رموز الاستقرار، وفقًا للخبرة المغربية، ولاعتبارات روحيّة خارجيّة، إذ تعتبر دول المغرب العربي، مهمة بالنسبة لكثيرٍ من الأفارقة المسلمين، وينظر إليها بعض المالكيّة على أنّها الدليل لأفضلية مذهبهم، للحديث الذي يرويه مسلم «لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق».
يعتبر الترابي أن النظرة إلى التاريخ الإسلامي كلّه تجعل الفهم الديني للمصطلحات مثل التشيّع والتسنن والتمذهب، ذات أبعاد تفارق الاستخدام المستقر في الأذهان اليوم، ذلك أنّ الزمان يضيف للمصطلحات ويحذف منها حمولة، بحسب الأحداث والأيام، فمن المهم إيجاد الفروق المنجية من الخلط البريء، خصوصاً وأنّ المغرب لم يكن بمنأى عن الصِّراع الأموي الهاشمي، وتمثلاته الدينية في إنتاج دوائر التشيّع والتسنن المختلفة، وما كانت بمنأى عن الصراع الهاشمي الأكثر ضراوةً بين العباسيين والعلويين، وفي المغرب شهد هذا الصراع مسارًا ندر تكراره في المشرق، إذ قد يتعاون الأعداء لدحر عدوٍ آخر، لوجود الأندلس والعباسيين والعلويين في مساحة تنافس سياسي واحدة.
يعالج الباحث كيفية تفاعل المذهب المالكي في المغرب العربي وانتشاره عبر الحق التاريخية المختلفة، راصداً أسباب غلبة هذا المذهب على بقية المذاهب الأخرى،مقتبساً عن ابن خلدون قوله: «أما مالك رحمه الله تعالى فاختص بمذهبه أهل المغرب والأندلس وإن كان يوجد في غيرهم إلا أنهم لم يقلّدوا غيره إلا في القليل، لأن رحلتهم كانت غالبًا إلى الحجاز، وهو منتهى سفرهم، والمدينة يومئذ دار العلم، ومنها خرج إلى العراق، ولم يكن العراق في طريقهم، فاقتصروا على الأخذ من علماء المدينة، وشيخهم يومئذ مالك وشيوخه وقلدوه من دون غيرهم، وأيضًا فالبداوة كانت غالبة على أهل المغرب والأندلس».
في القسم الأخير في الدراسة يتناول الترابي مظاهر التشيّع الراهن في المغرب مذكراً ببعض المظاهر التي تعكس ولاء المغاربة لآل البيت، مثل تسميات فاطمة الزهراء وعلي والحسن والحسين وزينب وإدريس بشكل كبير، إضافة إلى بعض الطقوس الخاصة في عاشوراء، مثل التصدق بالماء في صبيحتها للتذكير بمنع الماء عن الإمام الحسين (رضي الله عنه) بعد محاصرته من طرف جيش الأمويين، وإشعال النيران والقفز عليها كنوع من استدعاء مشهد الحرب التي قُتل فيها الإمام الحسين ومن معه.
تحولات الموقف المغربي الرسمي من التشيّع (1981-2014)
يبرز الباحث والأكاديمي المغربي عبدالحكيم أبو اللوز في هذه الورقة تحولات الموقف المغربي من التشيّع، بداية من سنة 1981 وحتى العام 2014. أثناء البحث في هذه الفترة التاريخية نجد أن موضوع التشيّع حاضر فيها بقوة، في مقابل ندرة الإنتاج الأكاديمي المهتم بالقضية، إلاّ من بعض الكتابات الصحفية والتقارير الدولية. وعليه، تأتي هذه المحاولة للوقوف عند أبرز هذه الأحداث وتناولها بالتحليل؛ قصد استخلاص الكيفية التي تشكل بها الموقف المغربي من التشيّع.
يعتمد البحث على المنهج التاريخي دون ترك أي مجال للأحكام المسبقة للتدخل في الموضوع أثناء استعراض أو تحليل هذه الأحداث، إذ عمل الباحث مند البداية على تبني الحياد القيمي بالمعنى الفيبري (نسبة إلى عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر) M. Weber، كما اتخذ كذلك من النقد المزدوج -كما يسميه المفكر المغربي عبدالكبير الخطيبي- أداة أساسية أثناء تحليله لمضمون النصوص الإعلامية.
يركز البحث بشكل كبير على الأحداث السياسية والدبلوماسية بين المغرب وإيران، وبشكل خاص تلك الأحداث التي جاءت مباشرة بعد الثورة الإيرانية 1979، والمقصود هنا بالضبط هو ما وقع بين الملك الحسن الثاني والخميني سنة 1981، حيث شكلت واقعة إصدار الحسن الثاني فتوى يكفر فيها الخميني المنطلق الأساسي للتوتر الحاصل في العلاقات بين إيران والمغرب، ومصدراً لبلورة المواقف المغربية من التشيّع في فترات لاحقة.
الموقف المغربي من التشيّع يتسم بالانتقالية، وبخضوعه لمجموعة من العوامل وعدد من الأحداث والقضايا، فمنذ أن شهدت فترة الثورة الإيرانية واقعة تكفير الخميني وإعلان العداء ضده، ثم في فترة لاحقة أصبح الموقف خاضعاً لمتغيرات العلاقات الإيرانية- الخليجية. كما أن سلوك الدولة كان خاضعاً لمتغيرات الساحة الداخلية، إذ أسهمت في تشكيل مواقف مختلفة حول الطائفة الشيعية بالمغرب، فبعد حراك (20) فبراير (شباط) عمل المغرب على تدبير القضايا الدينية بشكل حاسم على مستوى السياسات المعلنة، وبطريقة انتقائية في المستوى غير الرسمي، بحيث أوكل إلى قوى الحقل الديني التعبير عن مختلف المواقف الرسمية والشعبية، والتدخل باسم ذلك في الأوقات التي يفتقر فيها الملف الشيعي إلى واجهة محددة.
التشيّع بالمغرب… الجذور والمظاهر
يتناول الباحث عبدالرحمن كامل في هذه الدراسة ثلاثة محاور، الأول: الجذور التاريخية للتشيّع بالمغرب، ويعرض لمرحلتي حكم الدولة الإدريسية والدولة الفاطمية. والمحور الثاني يقف على مختلف المظاهر السوسيوثقافية للتشيّع بالمغرب، بدءاً من التعبيرات الشفهية والاحتفالات والطقوس الدينية، وصولاً إلى الإنتاجات الفكرية التي لامست فكر آل البيت واهتمت به. وفي المحور الثالث دراسة للتمظهرات التنظيمية للتشيّع، تعالج أنموذج “الخط الرسالي” كتيار حصلت مؤسسته الفكرية على ترخيص قانوني للعمل، وتدرس الأنموذج انطلاقاً من هويته المعلنة وأطروحته السياسية والثقافية، وكذلك رؤيته للمسألة المذهبية والحقوقية لشيعة المغرب اليوم.
هكذا ظلت محبة آل بيت النبي محمد راسخة ومستمرة عبر تاريخ المغرب، ومتصلة بحاضره في شكل يحافظ على طقوس وعادات ظلت ثابتة وراسخة في وعي المغاربة، على الرغم من كل التحولات الفقهية التي خضعت لها المنطقة. حبّ آل البيت والتشيّع أمران مختلفان في كلّ منطقة شمال أفريقيا.
التشيّع بالمغرب: الأداء التنظيمي والإعلامي.. دراسة حالة
في الفترة الحالية، يشكل “الخط الرسالي” أبرز الفاعلين في الأداء التنظيمي للشيعة بالمغرب، حيث يعتبر هذا التنظيم امتداداً للخط الرسالي الذي أرسى قواعده المرجع محمد حسين فضل الله، والذي يعتبر مرجعية الشيعة المغاربة “الرساليين” كما يسمون أنفسهم، ويتفرق أتباع هذا الخط في أغلب مدن المغرب وعلى الخصوص بشمال البلاد، وتمكن أتباع هذا التيار الشيعي بعد سنوات من العمل السري من الحصول على ترخيص من المحكمة التجارية بمدينة فاس، لإنشاء مؤسسة اقتصادية خاضعة لقانون الشركات باسم “مؤسسة الخط الرسالي للدراسات والنشر” اعتبروها مؤسسة ثقافية بالدرجة الأولى، ونقلوا مقرها إلى مدينة طنجة.
حول الأداء التنظيمي للشيعة في المغرب، يستنتج الباحث المغربي في علم الاجتماع الديني رشيدالبوشواري والباحث المغربي في علم الاجتماع السياسي حسن أشرواو في بحثهما المشترك أن:
الأداء التنظيمي للشيعة بالمغرب مبني على التعددية في أنماط الظهور، ولا يقتصر على الجانب السياسي والإعلامي بمفرده، بل يمتد إلى الحقل الثقافي والاجتماعي.
الظهور الإعلامي هو أبرز آلية يعتمدها الأداء التنظيمي الشيعي بالمغرب، قصد تسويق مواقفه وتبرير عقائده وطقوسه ومواجهة أعدائه.
يبقى الحقل السياسي أهم المجالات التي يشتغل فيها وبها الأداء التنظيمي الشيعي بالمغرب، حيث يشكل أبرز ورقة يتم المراهنة عليها.
الأداء التنظيمي الشيعي بالمغرب يسير نحو تطوير وتوسيع آلياته وطرق عمله وقنواته.
وانطلاقاً من تحليله لأنماط الظهور الإعلامي والثقافي والسياسي للشيعة في المغرب (الماكرو)، وفي أفق رصد لأداء تلك الحالات التنظيمي، ومن رصده أيضا لأنماط وأشكال ودوافع التشيّع الشعبي (الميكرو) من خلال دراسة الحالة، وجد الباحثان أن:
أسباب تشيع المبحوث ارتبطت ببحثه في قضايا شكلت إشكاليات في التاريخ الإسلامي، خاصة في قضية الولاء وحب أهل البيت، الخلافة لعلي، قضية الخلفاء الاثني عشر، قضية زواج المتعة.
وسائل الاتصال والإعلام خاصة الإلكترونية أسهمت بشكل كبير في تشيع الحالة المدروسة.
المتشيّع المدروس يعيش حالة من الفوبيا الاجتماعية، إذ طالما يحاول إخفاء تشيعه خوفاً من ردود الفعل الصادرة عن المجتمع، وهذا ما يبرز طبيعة التمثلات السائدة لدى العامة حول التشيّع.
المبحوث يميل إلى تكوين شبكة من العلاقات الاجتماعية (واقعية وافتراضية)، قصد تصدير نمطه من التدين ومواجهة الفوبيا الاجتماعية التي يعيشها.
طبيعة التدين الشعبي السائدة في المجال المبحوث (منطقة سوس التي تتميز بانتشار التصوف، والزوايا والمذهب المالكي) لا تمنع ظهور التشيّع، بل شكلت في الحالة المدروسة حافزاً في الانتقال من السنة إلى الشيعة.
الوضع الاجتماعي الهش الذي يعيشه المتدين المبحوث، يشكل تربة خصبة للتحول المذهبي.
للأداء التنظيمي الشيعي بالمغرب دور أساسي في جذب وتوفير الأمن العقائدي والاجتماعي للحالة المبحوثة.
الشيعة في المغرب: وسائل الاستقطاب ومسارات النخب
يدرس الباحث محمد اكضيض (رئيس الجمعية الكغربية للفاعلين في التنمية الاجتماعية) التصور العقائدي الذييتبناه أتباع هذا التيار لحسم الخلاف الإشكالي حول رؤيةالغالبية السنية في المغرب للتشيّع، وذلك مما يترتب عليه منأحكام ومواقف قد تتطرف إلى حد تكفير المخالفين، يليه في ذلكالمصادر التي يعتمدها رموز وأتباع هذا الخط في الاجتهادوالدفاع عن المذهب، وكذا وسائل الاستقطاب التي ينتهجها الدعاةوالأتباع لإقناع المخالفين، خصوصاً من أهل السنة، مع إطلالةعلى أهم المسارات التي عرفتها ظاهرة التشيّع، وأهم الأسماءالتي تبنت هذا الخط بالمغرب، مع الختم بتقديم نموذج من إحياءالطقوس الخاصة بالمذهب، وذلك من خلال تجربة شخصية رفقةبعض الموالين (المتشيعين المغاربة).
تعرض الورقة للمسارات التي قطعتها ظاهرة التشيّع داخل المغرب،ووسائل الاستقطاب التي يستخدمها القيمون على المذهب فيالداخل والخارج، بالإضافة إلى تقديم لمسارات ظاهرة التشيّع،وكذا بعض النخب التي اعتنقت هذا المذهب في المغرب. وتختمالدراسة بلمحة عن تجربة الباحث الخاصة مع عدد من الموالينالمغاربة من خلال إحياء بعض الأوراد والمناسبات التي يحتفظ لهاأتباع هذا الخط بمكانة خاصة.
كانت بداياتي في التعرف على أتباع هذا المذهب في المغرب عنطريق أحد الأساتذة، وقد كان نشيطاً في الدعوة لهذا الخط،وساعدته تجربته في حركة الاختيار الإسلامي على صقل مواهبهفي الإقناع، وزادته أخلاقه ثقة في نفوس كل من يصاحبه. وقدكان أول من عرفني رفقة شخص آخر على مكتبة مدينة العلم التيكان يديرها (الحاج) رفقة أخيه، حيث لم تكن هذه المكتبة مجردفضاء لبيع الكتب الشيعية، بل كانت محطة للقاء بين المتشيعينالمغاربة، وأحياناً تستقبل بعض الضيوف المشارقة من دعاة وفقهاءوناشرين، والذين كانوا يأتون من العراق وإيران ولبنان، ومن بعضدول الخليج أو الدول الأوروبية، خصوصاً من هولندا وبلجيكا.
الوجود الشيعي في تونس.. محاولة لفكّ الغموض
يبحث عبداللطيف الحناشي (أستاذ التاريخ السياسي المعاصر والراهن في جامعة منوبة- تونس) أصول التشيّع “الظاهرة” فيتونس وخصوصيتها وحجم أفرادها وانتشارهم الجغرافي، وأهمنشاطاتهم ومواقفهم ومواقف الآخرين منهم.
تعرض بعض شيعة تونس لتهديدات عديدة من طرف متشدديندينيا متأثرين بفتاوى تكفر الشيعة وتعتبرهم خارجين عن الملة. كماشهدت مدينة قابس اشتباكات عنيفة ودامية بين مجموعة منالمنتمين للمذهب الشيعي، والعشرات من المحسوبين على التيارالسلفي، أسفرت عن سقوط عدد من الجرحى وتضرر سياراتالمواطنين. وكما أسلفت الذكر، فإن الأسباب وراء ذلك سياسيةعقائدية، وما ظهور مثل هذه الجمعيات إلا دليل على ما ذهبت إلىقوله، وهو العداء الذي يكنه الإخوان للمذهب الشيعي، وذلكلأغراض سياسية مدفوعين إليها من قبل بعض القوى الدوليةالمعادية لإيران على وجه الخصوص. وهي سابقة لم تعرفها البلادمن قبل، حتى ضد الطوائف اليهودية التونسية.
بحسب الدراسة، يعتبر بعض شيعة تونس أن حركة النهضة غيرمعنية بتطبيق الشريعة الإسلامية، فظاهرها إسلامي وباطنها غيرذلك. وعلى المستوى السياسي يشير أحد زعماء الشيعة في تونسإلى أنهم منحوا أصواتهم لحركة النهضة في انتخابات المجلسالتأسيسي التي جرت في أكتوبر (تشرين الأول) 2011 “لأنهاأقرب إلى الإسلام. لكن أربابها خالفوا ما كنا منحناهم أصواتنامن أجله، فقد حولوا وجهتهم نحو قطر وتركيا القريبتين من الدولالغربية“. كما يعتبرون أن الحركة قد وقعت في “خطأاستراتيجي“، وكان عليها أن لا تحكم في هذه الفترة الحرجة منالانتقال الديمقراطي، فـ“فساد ستين سنة لا يمكن أن يحلّ فيظرف وجيز، وهو ما كان ينتظره المواطنون، وكان ذلك بالتالي سببافي تقلّص مكانة الحركة“.
من جهته، يقرّ الغنوشي قائد حركة النهضة، بعد الثورة، بالتمددالطائفي الشيعي في تونس وفي شمال أفريقيا، وبالرغم من أنهيعارض ذلك، فإنه في المقابل لا يكفّر الشيعة، كما أنه يعارض«التسنن» داخل الأوساط الشيعية. وخاصة أن “الأمة استقرتعلى تقسيم طائفي محدد لا مصلحة لأحد في تغييره اليوم“ . كمايعتبر أن “الدعوة الطائفية هي نوع من العبث، بل [هي] نوع منشر الفتنة في الحقيقة (…) ونوع من الفتنة التي تؤسس لهدرالدماء في المستقبل“.
تحولات الموقف التونسي من التشيّع (1981 – 2016)
يلخص الباحث المغربي في التواصل السياسي ياسين بوشوار والباحث المغربي في التحولات الاجتماعية جمال الصيفي دوافع هذه الدراسة بمنطلق من التساؤل أولاً، وبشكلعام، حول وضعية الأقليات في سياق الانتقال الديمقراطي بتونس،وثانياً، وبشكل خاص، حول وضعية الشيعة بتونس كأقلية دينية.وهذا السؤال له مبرراته التي تدفع إلى طرحه، كما أن له أهدافهالتي يسعى إلى تحقيقها، ولا يحيل مضمون هذا السؤال فقط إلىالبحث في الوضعية القانونية أو الاجتماعية لهذه الفئة، وإنماكذلك، ومن جانب أعم، الوقوف عند الموقف الرسمي لتونس،كأنموذج متميز في المحيط المغاربي؛ متميز من حيث ما شهدتهتونس أو بالأحرى ما تشهده من انتقال ديمقراطي، والعمل علىتكريس البناء القانوني والديمقراطي للمؤسسات.
إن الموقف التونسي الرسمي بشكل عام من التشيّع، هو موقفطابعه نوع من التحول، فإذا كانت في بداية الثمانينيات تتسمبهيمنة التوتر بين البلدين (تونس وإيران)، فإن هذه العلاقة عادتإلى مجراها الطبيعي مع بداية التسعينيات من القرن الماضي،وذلك على حساب علاقة طهران بالحركة الإسلامية بتونس. إن فهمهذه المواقف السياسية أو الأيديولوجية أو الثقافية رهين -كما رأينافي السابق– بالوقوف عند التحولات الداخلية وبالعلاقات السياسيةداخل البلاد. كما أن هذه المواقف لا تؤثر فقط على طبيعة العلاقةالخارجية بين تونس وإيران، وإنما كذلك على وضعية الأقليةالشيعية داخل البلاد، فتكون لهذه الأقليات –إذاً- استجابةٌ شرطيةللمثيرات الخارجية.
الوضع الاجتماعي في المغرب: مستقبل الشيعة في ظل صعود السلفية
يضع أستاذ اللغة الفارسية في جامعة شعيب الدكالي (المغرب) أحمد موسى “ظاهرة التشيّع” في المغرب داخل إطارها العام الذيتوجد به؛ مركزاً على الجانب الاجتماعي في المغرب طوال سنواتالحراك الشعبي، الذي أتت به عواصف “الربيع العربي“، ووصولاًإلى الفترة الراهنة التي انقشعت فيها سحب تلك الاحتجاجات،ورست سفينة المجتمع المغربي على برِّ الاستقرار والأمان، فاتسعمدى الحريات العامة، مما أسفر عن ظهور نشاطات شيعية، كانتإلى الأمس القريب غير ملحوظة، استغلّت هامش الديمقراطية الذيوفّره دستور المملكة الجديد، لتعلن عن نفسها في صورة جمعياتوكيانات وتؤسس تجمعات، الأمر الذي أشعل مواجهة مفتوحة بينهاوبين الدولة من جهة، وبينها وبين الحركة السلفية، وباقي مكوناتالمجتمع المغربي من جهة ثانية.
تحاول الدراسة الاجابة عن الأسئلة التالية: ما هو الوضعالاجتماعي الذي عرفه ويعرفه المغرب؟ وما هي مكانة الاتجاهالسلفي؟ وما مستقبل الحركة الشيعية في المغرب في ظل شدةالخناق عليها جراء المواجهات الحامية التي تلاقيها من كل جانب،وفي ظل ازدياد قوّة السلفية؟
يخلص موسى إلى أن الحركة الشيعية في المغرب دخلت منعرجاًجديداً في العام الحالي (2016)، وبالتحديد شهر أبريل(نيسان)، حيث تم تأسيس تشكّل جديد تحت اسم “رساليونتقدميون“. وعلى الرغم من أفق انتشار التشيّع في المغرب، فإنّالهجمات التي يواجهها هذا التيار من طرف الحركة السلفيةالنشطة، ووجوهها المعروفة والوازنة في المغرب، والتضييقاتالرسمية التي تشل من حركته، وأيضاً الحرب التي تُعلن عليه فيمواقع التواصل الاجتماعي، أضف إلى ذلك الدور الذي تقوم بهالمؤسسات الدينية كمكمّل لدور المدرسة في تكوين الشخصيةالدينية وبناء العقيدة الصحيحة؛ وتحصين المواطن المغربي من هذاالغزو الفكري الديني، مما يجعلنا نتوقع إنحساراً لهذه الحركة.
التشيّع في الجزائر وجوده وردود الفعل ضده
يرصد الباحث المغربي في العلاقات الدولية محمد بوبوش عواملوأسباب انتشار التشيّع في الجزائر، ويلفت إلى أن ثمة مجلاتوصحف عربية تناولت هذه ظاهرة، وعلى الرغم من ذلك فإن هذه المسألة ما زالت غير مطروحة رسمياً، إذ لم يصدر أي موقف يشير إلى ذلك وينبه إلى هذا الأمر، باستثناء بعض الكتابات المحدودة في وسائل الإعلام (الصحف) إلى جانب تسليط بعض المواقع الإعلامية على شبكة الإنترنت الضوء على هذا الموضوع.. لكن لمحدودية زوارها في الداخل “كون مجال الإنترنت مقتصرا على فئات محدودة في المجتمع الجزائري، الذي لا تتوافر فيه الشبكة إلا لنسبة (2.4%) من السكان، في وقت لا يتجاوز الذين يستعملون هذه التقنية (800) ألف من نسمة، بمعدل (500) ألف مستعمل بصفة منتظمة”، لم يُمكن أغلبية المجتمع من الاطلاع عليها، على عكس الصحف المكتوبة التي تعرف انتشارًا كبيرًا، إلا أنها تتحاشى الخوض في الموضوع.
ويلاحظ الباحث أن الثورة الإسلامية في إيران (1979) أعطتدفعاً لحركة التشيّع التي تطورت في السنوات الأخيرة؛ ولعل ما يدفع إلى طرح المخاوف من انتشار التشيّع في الجزائر، هو النفس البطيء للسياسة الإيرانية في نشر مذهبها، فهي تتحرك وَفْق رؤى وخطط طويلة الأمد تمتد لسنوات طويلة، حتى تبدأ نتائج تحركاتها تطفو على السطح، ففي اليمن –مثلاً- بدأت منذ الثمانينيات في دعم حسين الحوثي مؤسس حركة الحوثي ووالده بدر الدين الحوثي، واستمرت في الدعم والمساندة لهم حتى عام 2014 عندما أسقطوا صنعاء تحت سيطرتهم، وأعلن مسؤول إيراني أن صنعاء هي العاصمة الرابعة التي وقعت تحت سيطرة طهران.
ويشير الباحث إلى أن بعض مساجد العاصمة الجزائر انتشر فيها، كتيبات ومطويات شيعية، تحت عنوان “أدعية طواف وسعي”، تعلم المصلين كيفية الدعاء أثناء تأدية العمرة أو الحج، واللافت أن جزءاً من محتوى هذه المنشورات كتب باللغة الفارسية.
“زرادشتية” إيران بين نظرتين: عربية وغربية
يرى الكاتب والإعلامي الإماراتي محمد الهاشمي أن الصراع بين المذاهب الإسلامية أدى إلى استحضار كل أنماط العداء بين المسلمين خصوصاً في السنوات الأخيرة. وقد تراوح هذا العداء بين الدموية والحروب انتقالاً للسجالات الكلامية والتكفير المتبادل، وانتهاء بالمعاملات بين أتباع المذاهب والطوائف في التجارة والحياة الاجتماعية ومظاهرها كالزواج والجيرة والإقراض المالي. لكن كثيراً ما تأسس العداء على شيء من التمييز العرقي والإثني الشعوبي، عدا عن الخلاف الفقهي والعقدي، وانعكس الأمر على الصراع السني الشيعي، حتى تجاوز التمييز الإثني والعرقي بينهما خطوط واقع أن أتباع المذهبين ينتشرون في بلاد العرب والعجم. ومن بين ألفاظ التنابز التي يخصصها كثير من أتباع السنة للشيعة أنهم “مجوس” عبدة للنار – والمجوس هم أتباع الديانة الزرادشتية القديمة التي ظهرت في فارس. وكان للموروث شيء من التأثير على هذه الفكرة التي تشكلت وتصاعدت وتيرتها حتى عصرنا الحالي بسبب التوتر الجاري بين ضفتي الخليج العربي، حتى صار هناك ربط بين الشيعة وعبادة النار وبين الشيعة والفارسية الزرادشتية، وبين الشيعة والحقد على العرب أو العكس، ومن ذلك أن حديثاً منسوباً للرسول (ص) أشار إلى سلمان الفارسي وقومه بأنهم هم من أشار القرآن إلى استبدال العرب بهم إن تولوا.
ويعتبر الكاتب أن هذا الحديث وأحاديث أخرى، عدا عن مقتل رمز سني كعمر بن الخطاب (ر) على يد أبو لؤلؤة “المجوسي”، كله أذكى فكرة أن الفرس متربصون بالعرب وأن هناك تنافسية بينهماعلى زعامة الإسلام، إلى أن انتقلت تلك المشاعر إلى كتب المستشرقين الغربيين الذين كتبوا ونقلوا عن الإسلام، كما وصلت الفكرة نفسها إلى كثير من الباحثين الغربيين المعاصرين وهم مهتمون بفهم جذور الإرهاب على خلفية أحداث 11 سبتمبر (أيلول) وظهور حركات القاعدة وداعش. وقد حاول هؤلاء فهم مرجعية الفكرة أن الشيعة مجوس –أي أنهم كفرة بطبيعة الحال، بسبر أغوار الفهم السلفي السني الذي قوى بدوره اعتقاد أهل السنة بمجوسية الشيعة، دون أن يغفلوا الأهمية التاريخية للموروث الزرادشتي الفارسي وتأثيره في الأديان السماوية كافة، وهو ما يتضح فيما سيعرض من آراء واستشهادات. من المهم أن نفهم كيف يرى العالم غير المسلم أوجه هذا الصراع السني الشيعي، وبالتحديد كيف يروي فكرة اعتقاد أهل السنة أن الشيعة “مجوس”.