دبي
أصدر مركز المسبار للدراسات والبحوث كتابه السابع بعد المئة، الذي يتناول مسألة التعددية الدينية والتنوع في المنطقة، متابعاً الدور المؤسسي والقانوني والحكومي، عبر ملفاتٍ وأبحاث تتناول حالات التنوع وصيغ التمييز وأدبيات الحوار، ودور المؤسسات وسبل إدارة التنوّع وطرقها. الكتاب تابع التنوع الاجتماعي والسياسي في العراق، ويطرق باب التدخلات الخارجية ودورها في تقليص وتهديد الدور الحكومي لترسيخ قيم التعددية، كما يحدث في البحرين -على سبيل المثال. هذا، مع رصدٍ لملف التعددية الدينية في السعودية، وتخصيص أبحاثٍ حول التعددية في اليمن والإمارات العربية المتحدة. راهنيّة الموضوع جعلته أساس كتاب المسبار الشهري؛ بغية لمّ الموضوع ودرسه من زواياه المتعددة ومختلف جوانبه قدر الإمكان.
سياسة التمييز الإيجابي والكوتا النيابية: إدارة التنوع الثقافي
يصف الباحث حسام الدين علي مجيد سياسة التمييز الإيجابي بأنَّها: مجموعة الإجراءات الرامية إلى معالجة التفاوتات الاجتماعية الناجمة عن الحرمان المادي في أوساط أعضاء الأقليات المحرومة؛ بمن فيهم النساء، وذلك بأنْ تُتاحَ أمامهنَّ فرص العمل والترقية الوظيفية وفرص التعليم، على قدم المساواة مع أعضاء الأكثرية المهيمنة من الذكور. وقد اسْتُخدِمَ هذا المفهوم لأول مرة في المرسوم التنفيذي رقم (10925) الذي أصدره الرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي عام 1961. إذ دَعَا المرسوم المتعهدين والمقاولين كافّة إلى “العمل بالتمييز الإيجابي الذي يتضمن توظيف المُتقدمين بطلباتِ التعيين، وأنْ يُجرى التعامل مع الموظفين منهم خلال فترة العمل، دون الأخذ بأيِّ اعتبار للعرق والعقيدة واللون والأصل القومي”.
ثم تَبِعَ ذلك المرسوم التنفيذي رقم (11246) في عهد الرئيس الأسبق ليندون جونسون عام 1965، بهدف توسيع نطاق التمييز الإيجابي. حيث أوجبَ قيام الحكومة بتوفير الفرص المتكافئة في التوظيف الفِدرالي لِلأفراد كافة، “وأنْ تحظر التمييز العرقي في التوظيف بدواعي: العرق والدين واللون والجنس والأصل القومي”. كذلك تعزيز تكافؤ الفرص، يُلاحَظ في هذين المرسومَين أنَّهما يُركِّزان الاهتمامَ بالمساواة الشكلية (formal equality) ما بين المواطنين أمام القانون.
تغدو النساء في حاجة إلى حقوق جماعية خاصة لِضمان المساواة مع الرجال في مؤسسات صناعة القرار السياسي. وفي هذا السياق قدَّمت الناشطة النسوية آن فيليبس حجَّتها واسعة الانتشار في نهاية الثمانينيات المنصرمة والقائلة: “يجب أنْ تكون هناك كوتا/ حصص نسبية لِزيادة حضور النساء في العملية السياسية، لِتمكينهنَّ من التأثير في السياسة المؤثِّرة في النساء أنفسهنَّ”. لأنَّ النساء سيُشاركنَ بخبراتٍ مختلفة ووجهات نظرٍ متمايزة، مما يجعلهنَّ مختلفات عن الرجال عموماً. على اعتبار أنَّ العملية السياسية في الديمقراطيات الغربية لا تزال عملية “غير تمثيلية أي غير مُمثِّلة للطابع العام للمجتمع بكل عناصرهِ الفردية والجماعية.
تعني الكوتا النيابية ضمان حصة من مقاعد المجلس النيابي لِبعض الفئات المجتمعية؛ من أجل تعزيز مشاركتها في الحياة السياسية، ولو بطريقةٍ إلزامية في أغلب الحالات، أي بأسلوبٍ غير ديمقراطي ولكنه منظَّم، يَحد من حرية الناخب في اختيار ممثليهِ بمشيئتهِ المطلقة. ولكي لا يكون بمقدور الأكثرية المهيمنة حرمان إحدى الأقليات أو المكوّنات المجتمعية من ممارسة حقّها في التمثيل النيابي. ومن ثمّ، تتخذ الكوتا النيابية عدّة أشكال ومنها: الكوتا الإثنية، والنسوية، وكذلك الطائفية، والكوتا المناطقية وغيرها.
خلص الباحث إلى القول بوجود غائيةٍ بائنة في فلسفة الحقوق الجماعية، وما تشتمل عليه من سياسات. حيث تعمل الدولة على التدخل في إحداث التغيير لصالح المحرومين من الأقليات الثقافية والنساء عبر سياسات التمييز الإيجابي ونظام الكوتا، ومن منظورِ أنَّ العدالة تقتضي التعامل بصورة متفاوتة مع المتباينين ثقافياً واقتصادياً لِصالح المحرومين منهم. من جانبٍ آخر، فإنَّ مجرد حيازة الحقوق السياسية الخاصة، مثل الكوتا النيابية النسائية، لا يعني تحقيق المساواة كاملة، بل هي مجرد خطوة كبيرة نحو تحقيق هذا الهدف، لِكون الأخير -وفقاً لِدُعاة التمييز الإيجابي- يستلزم مجموعةً متكاملة من الآليات السياسية والاقتصادية والثقافية الهادفة إلى تمكين المكوّنات الثقافية، بما فيها المرأة، والتوسيع من قدراتها، مما يُتيح جعل دائرة اختيارها مساوية لدائرة اختيار الأكثرية المهيمنة وقدراتها.
إدارة التنوع الاجتماعي والسياسي في العراق
عبدالجبار عبدالله في هذا البحث يتناول حالة إدارة التعدد الديني في العراق، فمنذ تولية الملك فيصل الأول عرش العراق، تحدث عن ظاهرة عدم التجانس الاجتماعي في العراق قائلاً: “إن البلاد العراقية من جملة البلدان التي ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية، ذلك هو الوحدة الفكرية والملية والدينية. فهي -والحالة هذه- مبعثرة القوى، منقسمة على بعضها، يحتاج ساستها أن يكونوا حكماء مدبرين غير مجلوبين لحساسيات أو أغراض شخصية أو طائفية أو متطرفة”.
وفي حقبة الحكم الجمهوري، كان موضوع عدم التجانس الاجتماعي حاضراً، حيث كشف الانقلاب الذي قام به حزب البعث في الثامن من فبراير (شباط) 1963 بداية لتطور مفزع مجدداً عن جميع التناقضات في المجتمع العراقي، فقد “انقسم العراقيون على طول الحدود العرقية والمذهبية، ولم يتضح الانقسام في أي مدينة كما كان في بغداد. فقد كانت المدينة، بأقليتها السنية وأغلبيتها الشيعية، صورة مصغرة للانقسام المذهبي للمجتمع العراقي”.
وموضوع عدم التجانس المجتمعي في العراق –أيضاً- كان حاضراً عند جميع القوى والأحزاب السياسية العراقية المعاصرة، وبالذات في حقبة ما بعد التغيير السياسي في 9/4/2003، حيث أولت جميع هذه القوى والأحزاب موضوع التنوع المجتمعي للعراق أهمية، حيث أكدت ذلك في جميع خطبها السياسية.
يجزم الباحث بأن الاتجاه القومي الذي كان سائداً في العراق منذ مطلع القرن التاسع عشر، مروراً بالقرن العشرين، ولغاية الآن، لم يرد في كتابات مفكرين، مما يوحي بأن ثمة انشغالاً حقيقياً بمبدأ المواطنة أو الديمقراطية أو كيفية إدارة التنوع الإثني، حيث ركز هذا الفكر على المواجهة مع الخارج، وقلل من أهمية إدارة التنوع الإثني في الداخل، فالفكر القومي العربي لديه مشكلة مع الدولة والديمقراطية قبل مشكلته مع مبدأ المواطنة، مما انعكس سلباً على تعزيز المواطنة عند الحكومات العراقية المتعاقبة، التي كان أغلبها يحمل في أبعاده فكراً قومياً، لا سيما في فترة الحكم الجمهورية.
إن العراق إذا ما أريد تحويله إلى دولة قانون ودولة مؤسسات، فإن ذلك يقتضي إضفاء القيم الحقوقية على كل ما هو سياسي، ومن ثم إحداث سلم قيمي يشمل الأعمال السياسية ويجعل لها حدوداً، ومعالم مؤطرة بالقوانين، ومن ثم تحقيق التوازن بين مقومات الدولة المؤسساتية والبشرية، والعمل على تقنين هذا التوازن وإعطائه نقاط ارتكازه الشرعية، التي تحدد ماهيته، وتحدد مجالات اختصاصات كل سلطة وما يجب أن تقوم به، وعلاقة كل سلطة بالأخرى.
ختم الباحث بحثه بالتذكير بأن مضمون الوحدة الوطنية في العراق لرجال الحركة الوطنية في ثورة 1920، يعني وحدة المسلمين مع غير المسلمين، ووحدة المسلمين أنفسهم، وتفادي النزاع الطائفي وتحقيق التقارب الوطني. وبعد أقل من قرن من الزمان بخمس سنين، ما زال الهاجس الأساسي الذي يشغل البال والاهتمام هو كيفية تجاوز الانقسام والاحتقان، وتحقيق التقارب الوطني والتعايش السياسي والاجتماعي، ولربما سيبقى هذا الانشغال والاهتمام لسنين قادمة، حتى يتم الوصول للسبل الكفيلة بتحقيق الهدف المنشود.
التنوع في مملكة البحرين والتدخلات الإيرانية
الباحثة هدى النعيمي بدأت البحث بتأكيد أن مملكة البحرين هي أكثر دول الخليج العربي تأثراً بموجة الانتفاضات العربية التي اندلعت في ديسمبر (كانون الأول) 2010؛ بالنظر لتاريخ طويل من الشد والجذب بين المعارضة الشيعية والنظام الحاكم، الذي عززته مطالب داخلية وتدخلات خارجية، حيث تقع الجزيرة –اليوم- على خط الانقسام الطائفي بين السنة والشيعة، في بلد متنوع الأديان والطوائف.
وبناء على ذلك، ومن وجهة نظر إيرانية، فإن تداعيات أحداث “الربيع العربي” تشكل مدخلاً لإعادة تشكيل الخارطة السياسية للمنطقة، وصوغ العلاقات بين دولها والولايات المتحدة الأمريكية، لصالح التسيّد الإقليمي الإيراني، إذ تعتبر مملكة البحرين متغيراً رئيساً في سياقات التغيير، وبلداً مفصلياً مهماً على غرار العراق، وإن ما يحدث فيها سيكون له تأثيرات بالغة على مستوى الإقليم والمنطقة العربية.
وتبدو المملكة بتعدديتها الطائفية حيزاً لتدخلات إيرانية، كشف عنها كبار المسؤولين البحرينيين في مقابلات عبر وسائل الإعلام العربية والفارسية؛ إذ تتبع التحركات الإيرانية حيال البحرين، مجموعة من الاستراتيجيات، التي تتراوح بين “تصدير الثورة” بالاعتماد على مجموعة سكانية تنتمي للطائفة الشيعية، في محاولة إقامة نظام حكم موال لإيران، وتمويل حملات إعلامية شرسة ضد المملكة داخلياً وفي الخارج، وبين الانتقال إلى موقع المساند لقواها الحليفة، التي تعمل ضمن هيكليات تنظيمية وتراتبية صارمة لتحقيق اختراقات، في منطقة تعتبر من أهم المناطق الجيوسياسية لوقوعها في قلب الخليج العربي، وفي الوقت ذاته، فإنها من أكثر مناطق العالم من حيث التعدد والانقسام المذهبي، والقبلي، والمناطقي، والإثني، فضلاً عن تعدد جنسيات الوافدين إليها.
ويمكن -بهذا المعنى- النظر إلى البحرين بوصفها منطلقاً يهدد بخلق توترات عابرة للدولة وشديدة الحدة، وتزداد تأثيرات ما تقدم مع أوضاع اجتماعية واقتصادية تمييزية، بما يسمح لإيران بتعزيز مكانتها لدى الشيعة، ومن ثم حملهم على القبول بقيادتها، بقصد إعادة تشكيل علاقات التوازن القائمة، في مقابل قطب إسلامي آخر ممثل بالمملكة العربية السعودية.
وبموازاة ذلك التحدي ضد النسيج التعددي البحريني، فإن الحكومة اعتمدت على تأسيس عدد من مؤسسات المجتمع المدني في مواجهة تحديات الصراع السياسي، ولتكون بديلاً عن نقابات واتحادات قائمة تقدم دعما للمعارضة وتتبنى أطروحاتها، ومن هذه المؤسسات الجديدة؛ الاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين، فضلاً عن دعم الجمعيات الحقوقية الموالية للنظام، مثل جمعية البحرين لمراقبة حقوق الإنسان، وجمعية الحقوقيين البحرينية، بالإضافة إلى حل مجلس إدارة نقابة الأطباء والمعلمين، نتيجة لمواقفهما المعارضة للحكومة، ليصار إلى إيجاد مجالس إدارة جديدة تتوافق مع المسار الحكومي.
التعددية الثقافية والدينية في الإمارات العربية المتحدة
الباحث الإماراتي عمر عبدالرحمن الحمادي يرى أن تحوّلاً إيجابياً حدث في الإمارات، ففي السابق كان بعض الخطباء يشطحون في خطبهم باتجاه نشر الكراهية وعدم التسامح مع أصحاب المعتقدات الأخرى، وكان المصلون في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة، يسمعون بعض الجمل والأدعية التي تنتقص من بعض الأديان السماوية، من مثل الدعاء على اليهود والنصارى بالموت وتجميد الدماء في عروقهم، ونعتهم بأنهم إخوان القردة والخنازير… إلخ، لكن في الآونة الأخيرة وضعت هيئة الأوقاف حداً لتلك الخطب الارتجالية العاطفية.
يبدو أن الموقف الرسمي هو عدم الالتفات إلى أي مظهر من مظاهر التشدد والتعنت المذهبي؛ فمع كون الجميع يمتلكون الحق في التحفظ على موضوع الاحتفال بمثل هذه المناسبات، فإن الدولة لم تتدخل يوما لمنع الاحتفالات، بل إنها جعلت من بعض هذه المناسبات إجازة رسمية؛ اعترافا بأهميتها وقدسيتها عند أتباعها، فالعطل الرسمية في الإمارات تشمل رأسي السنة الميلادية والهجرية والمولد النبوي والإسراء والمعراج.
لا توجد إحصائيات رسمية معلنة عن عدد الشيعة في دولة الإمارات، لكن التقديرات غير الرسمية تتحدث عن نسبة (2.5٪) من المواطنين و(15٪) من عدد السكان الإجمالي، وسنعتمد على مصادر إعلامية خارجية حتى يُعطى الموضوع دفعة أكثر حيادية.
ومع تصاعد الحديث عن قضايا الشيعة وتأثيرها في مستقبل الخليج، صدرت تقارير عدة ترصد أسباب اختلاف أوضاع الشيعة في الإمارات عن باقي دول الخليج، وتوصلت إلى أن أهم ما يميز شيعة الإمارات عن غيرهم هو تغليب مبدأ المواطنة على الطائفة. واللافت للنظر، مع تصاعد “المسألة الشيعية” في عدد من دول الخليج، هو اختلاف موقف شيعة الإمارات، وذلك لإدراكهم أنهم مواطنون أولاً قبل أن يكونوا شيعة، ولم يقفزوا على المواطنة لصالح الطائفة في أي وقت من الأوقات، حتى لو حانت الفرصة، ولم يعرف عنهم الخروج بموقف أو بيان يحسب لطائفتهم.
للوجود الشيعي في دبي جذور عميقة في تاريخ هذه الإمارة الخليجية، ويشير الكاتب والباحث محمد عبدالله الأنصاري -حسب موقع البي بي سي- إلى أن الشيعة في الإمارات يتمركزون في كل من أبوظبي ودبي والشارقة، وهم -شأنهم في ذلك شأن بقية الجماعات الدينية في الإمارات- ينحدرون من أصول عرقية مختلفة، ويقول عباس عبدالله مكي (عضو مجلس إدارة الأوقاف الجعفرية الخيرية في دبي): إن الشيعة في دبي هم من البحارنة الذين يعود وجودهم إلى (200) سنة ماضية، وهم ينحدرون من مناطق عربية كالأحساء والقطيف والبحرين، أما غير العرب فإنهم ينحدرون من أصول هندية وإيرانية، وجميعهم يعتنقون المذهب الإمامي الجعفري.
من أشهر دور العبادة للشيعة، تلك التي توجد في منطقة بر دبي، على مقربة من سوق المدينة القديم، فهناك تعلو مئذنة وقبة مسجد الإمام علي، أقدم مساجد الشيعة في دبي، وبالقرب منه عدد من المآتم.
أما في العاصمة أبوظبي، فلهم مسجد الرسول الأعظم، ومأتم البحارنة الكبير، وفي الشارقة يوجد لهم مسجد كبير اسمه الزهراء، وحسينية الزهراء، التي تعد من أقدم الحسينيات في دولة الإمارات.
ويؤكد عباس مكي أن أجواء الحرية الدينية السائدة في البلاد تبدد أي تساؤلات عن مدى ما يتمتع به أبناء الأقلية الشيعية من حرية في ممارسة شعائرهم الدينية.
إدارة التنوع الديني في دولة الإمارات
رئيس قسم التاريخ في جامعة الإمارات العربية المتحدة فاطمة الصايغ، تؤكد معرفة مجتمع الإمارات فكرة التعايش مع الآخر وتقبله منذ بداية تشكُّله التاريخي. فبين جنباته عاشت جاليات آسيوية وعربية وأفريقية وأوروبية، نزحت إلى منطقة الإمارات منذ القدم. وعلى الرغم من أن الموارد الاقتصادية وسبل العيش كانت محدودة وبسيطة، فإن مواطني هذا المجتمع لم ينفروا من الغريب القادم إليهم، سواء للعيش أو لممارسة المهن الاقتصادية، بل تعاونوا معه في عملية التنمية الاقتصادية، وأسهم الجميع في الارتقاء بأوضاع المجتمع.
عرف مجتمع الإمارات التعددية والتنوع حتى بين سكانه الأصليين. فقد عاشت على أرض الإمارات الطوائف والمذاهب الإسلامية كافة جنباً إلى جنب. فعلى الرغم من أن الغالبية الكبرى من سكان الإمارات ينتمون للمذاهب السنية على اختلاف أطيافها، فإنه وُجِدَت أيضاً، ومنذ القرن الثامن عشر، جالية عربية شيعية مارست شعائرها بكل يسر وسهولة.
لم يقتصر مجتمع الإمارات على وجود الهنود، بل جاءت إلى مجتمع الإمارات جاليات فارسية مسلمة متعددة؛ وفدت إلى الإمارات من الجانب الآخر للخليج. فقد وفدت إلى الإمارات منذ القرن التاسع عشر مجموعات فارسية تنتمي للمذهبين السني والشيعي، والكثير منهم من التجار الذين أقاموا في مدن الإمارات وموانئها.
منذ منتصف القرن العشرين، بدأ مجتمع الإمارات يتطور ويتغير من مجتمع الكفاف القائم على المصادر الاقتصادية المحدودة، إلى مجتمع الطفرة النفطية، هذه الطفرة التي غيرت الكثير من الأنماط الاقتصادية والاجتماعية والسلوكية. ولكن على الرغم من هذا التغير الكبير الذي طرأ على البنية التحتية، فإنه لم يؤثر على التقاليد القديمة الراسخة في المجتمع، ولا على نهج التسامح الديني والتعايش الاجتماعي مع الآخر. هذه السلوكيات والقيم استقاها أفراد المجتمع من الأعراف الاجتماعية المتوارثة، ومن مبادئ الشريعة الإسلامية التي تحث على التسامح وتقبل الآخر.
هذه المبادئ والسياسات أسهمت في التعريف بمجتمع الإمارات على أنه مجتمع منفتح على الآخر. ففي وقتنا الحالي تعيش في مدن الإمارات أكثر من (200) جنسية من مختلف أنحاء العالم.
قانون تجريم الكراهية في دولة الإمارات يعد سبقاً تشريعياً عالمياً ضد كل ما يحيط بالدولة ومنطقة الخليج والوطن العربي، من مخططات وتحديات ومساع لتأجيج أشكال التمييز كافة؛ ونبذ خطاب الكراهية وتحريم التمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين أو العقيدة أو المذهب أو الملة.
السعودية: التعددية التي لا يرادُ لها أن تُرى
الباحث السعودي حسن المصطفى في ملف الرصد لهذا العدد، رأى أن التنوع المذهبي مصدر ثراء، وليس عاملاً سلبياً كما يعتقد البعض؛ حيث إن تعدد الثقافات والطوائف من شأنه أن يمنح المجتمع حيوية ونقاشاً دائمين، ويؤدي إلى تكوين مخرجات تسهم في صناعة الأمن والاستقرار والتسامح والقبول بالآخر، وهي القيم الإنسانية ذاتها التي ترسخها المواثيق الدولية وشرائع حقوق الإنسان المدنية.
في السعودية، وعلى الرغم من بروز “السلفية” كمذهب يشكل ملامح التدين وحتى السياسة في المملكة، فإن هنالك حضوراً للمذاهب السنية بمدارسها الأربع: الحنابلة، الأحناف، المالكية، والشافعية، يضاف إليهم المسلمون الشيعة، بثلاثة مذاهب رئيسة: الاثنا عشرية، الإسماعيلية، والزيدية. أي إن هنالك (7) مذاهب إسلامية يتعبد بها السعوديون، ويتبع سكان المملكة أحكامها الفقهية ورؤيتها العقدية.
المذاهب الإسلامية المتعددة في السعودية، يمكن توزيعها جغرافيا كالتالي:
1- المنطقة الوسطى، حيث العاصمة الرياض، ومدن رئيسة مثل بريدة وعنيزة والقصيم والزلفي… وسواها، حيث يسود المذهب الحنبلي، التابع لمدرسة الإمام أحمد بن حنبل، وتحديدا في نسخته المطورة على يد شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية، وتاليا في صورته “السلفية” التي أصل لها الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
وتضم المنطقة ثقلاً علمائياً حنبلياً، حيث ضمت عديد الشخصيات العلمية المؤثرة، من أشهرها: الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، والشيخ صالح الفوزان.
2- المنطقة الغربية، التي تعرف تاريخياً بـ”الحجاز”، وتضم الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، إضافة إلى جدة وينبع. ويتبع السكان هنالك مذاهب عدة، لكن أبرزها المذهبان المالكي والشافعي، اللذان يشكلان العلامة الرئيسة، إضافة إلى عديد من الفرق والطرق الصوفية، التي كانت لها مواسمها وزواياها التي كانت منتشرة في بدايات القرن الميلادي المنصرم، قبل أن يتم إزالة هذه التكايا وتقتصر على احتفالات وموالد محدودة تقام في بعض المنازل.
المذهب الشيعي الاثنا عشري هو الآخر له حضوره في الحجاز، وتحديدا المدينة المنورة، كما في جدة وينبع، وإن كان بشكل محدود في الأخيرتين.
ومن أبرز علماء المالكية في الحجاز، الشيخان: علوي عباس المالكي، ومحمد علوي المالكي. أما الشافعية فمن أشهر بيوتاتهم: الزواوي، وبابصيل، ويماني، والسادة المراغنة. وبرز منهم الشيخان محمد سعيد يماني، ومحمد حسن يماني، والشيخ ياسين فادن، والأخير اشتهر بكونه محدثا، أكثر منه فقيها. ومن رموز الشافعية المعاصرين: وزير النفط السعودي السابق الشيخ أحمد زكي يماني، ود. عمر كامل، والشيخ عبدالله فراج الشريف.
فيما يعتبر الشيخ محمد علي العمري الاسم الشيعي الأبرز، وهو زعيم شيعة المدينة المنورة، قبل أن توافيه المنية عام 2011.
الأحناف –بدورهم- كان لهم حضور تاريخي في الحجاز، وتحديدا في مكة المكرمة إبان عهد الدولة العثمانية. ويأتي الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن سراج، كواحد من أهم الأسماء العلمية التابعة للمذهب الحنفي، حيث كان مفتي الأحناف وقاضي قضاة مكة، ومرجعا في الأحكام الفقهية، قبل أن يتوفى عام 1848.
3- المنطقة الشرقية، التي تضم الأحساء والقطيف ومدناً حديثة كالدمام والظهران والخبر. ويحضر الشيعة الاثنا عشرية كمذهب سائد في مدن القطيف والعوامية وسيهات وصفوى وباقي قرى محافظة القطيف، إضافة إلى جزء كبير من محافظة الأحساء.
ويمكن اعتبار الأحساء مثالاً على التنوع المذهبي والتعايش السلمي بين المكونات المختلفة، حيث تضم مسلمين شيعة وسنة. وينتمي الشيعة فيها إلى مدارس مختلفة، هي: الشيخية الإخبارية والأصولية. فيما توجد المذاهب السنية الأربعة كافة.
عديد من الأسماء العلمية الشيعية في المنطقة الشرقية كان لها حضورها الفقهي والشعبي المؤثر على الأتباع، مثل: الشيخ الميرزا الفضلي، وابنه الدكتور عبدالهادي الفضلي، والشيخ علي الجشي، والسيد ماجد العوامي، والشيخ محمد الهاجري، والسيد علي السلمان، والشيخ علي أبو الحسن الخنيزي، والشيخ حسن الصفار، والسيد منير الخباز.
من جهتها، ضمت عائلة “آل مبارك” في الأحساء عديداً من رموز علماء المالكية، ومنهم الشيخان: عبدالحميد المبارك، وقيس آل مبارك. والأخير عين في عهد الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عضواً في هيئة كبار العلماء، في خطوة رمزية فهم منها الرغبة في تكريس التعددية والاعتراف بها كجزء من النسيج الوطني العام.
التعددية الدينية في السعودية
الباحث السعودي فهد الشقيران في ملف الرصد لهذا العدد، تتبع المواد المتعلقة بخارطة الجماعات الدينية والمذاهب في السعودية، وبالتعددية المذهبية الفقهية، وبالتعامل الحكومي مع الطوائف، وخصوصاً الشيعة والإسماعيلية والصوفية، هذا مع التعريج على كيفية تعامل الدولة ضمن موضوع الحوار الوطني، مع الإشارة إلى أبرز الأصوات المطالبة بإدارةٍ رشيدة للتعددية الدينية، ومطالبات الحكماء بالحوار الداخلي الوطني.
رأى الباحث من خلال جمع المواد المرصودة أن تجمعين رئيسين للطائفة الشيعية في المملكة، هما: الشيعة الجعفرية في القطيف، والشيعة الإسماعيلية في نجران. وعلى الرغم من أن كلا التجمعين يمثلان في مجموعهما بالمتوسط ما نسبته (10٪) فقط من مجموع سكان المملكة، فإن هذا يجعل من المملكة ثاني أكبر تجمع للشيعة الجعفرية في العالم العربي بعد العراق من حيث العدد، وأكبر تجمع للشيعة الإسماعيلية في العالم العربي. وهي نقطة ذات دلالة مهمة على اعتبار أن احتساب المكون العربي قبل الطائفي أساس في الرؤية.
ظّلت أغلب التحليلات الغربية تنظر إلى مسألة الشيعة في المملكة من زاوية منطقة القطيف على وجه التخصيص؛ نظرا لدور المنطقة الجيو-سياسي ضمن إطار التنافس السعودي– الإيراني وكون أهل القطيف ينتسبون للمذهب الرسمي ذاته في إيران. وعلى هذا الاعتبار وضعت فرضيات عدة، على رأسها أن تشابه المذهب يعني تشابه التوجهات. وتجاوزت التحليلات فكرة أن الاختلاف داخل المذاهب -أيا كان- دائما ما يكون متنوعا، وعلاقات المجتمعات ناتجة عن شبكة معقدة من المصالح لا تقوم على هذه النظرة القاصرة. وأبسط مثال هو الاختلاف داخل التيار الشيعي نفسه حول مفهوم ولاية الفقيه الإيراني، حيث لا تزال غالبية الشيعة العرب تقف موقفا معارضا -على الصعيد الفقهي- من هذا المفهوم.
لكن في المقابل، هل يفسر الوضع الجيو-سياسي للمنطقة تباين الحالة الشيعية بين الجعفرية والإسماعيلية في السعودية؟ وعند مقارنة الحالة الشيعية عموماً بين الجعفرية والإسماعيلية في المملكة، تتبين نقاط عدة جديرة بالملاحظة:
أولاً: إن المرجعية الدينية للإسماعيلية في نجران هي مرجعية داخلية سعودية، وتظل غالبية “الأخماس” معها داخل إطار المجتمع الإسماعيلي في المنطقة. في المقابل، لا تزال مرجعية التقليد الخاصة بالجعفرية في القطيف غير داخلية، فأغلبهم يقلدون آية الله علي السيستاني، أو آية الله محمد تقي المدرسي في العراق، كما ترسل أغلب “الأخماس” خارج الدولة.
ثانياً: إن الإطار القبلي للشيعة الإسماعيلية في نجران لا يزال متفوقاً على الإطار المذهبي، مما يجعل مسألة التمثيل الفئوي غير مرتبطة بالمراجع الدينية، وإنما بهياكل اجتماعية أخرى. في المقابل، فإن التمثيل الفئوي للشيعة الجعفرية في القطيف وثيق الصلة بالمرجعية الدينية، مما يجعل البعد الديني متصدرا على الأبعاد الاجتماعية الأخرى في تمثيلهم كجماعة.
ثالثاً: إن شبكة المصالح التي تربط مجتمع الشيعة الإسماعيلية بغيرهم من التجمعات داخل الوطن متنوعة، وتتخللها المصالح القائمة على العلاقات التجارية -على سبيل المثال- بينما لا تزال شبكة العلاقات التجارية للشيعة في القطيف محصورة -في أغلبها- داخل النطاق الضيق، ولم تتسع لتشمل باقي التجمعات داخل الوطن.
إن هذه النقاط أسهمت بشكل كبير في جعل انصهار الشيعة الإسماعيلية داخل المكون الوطني أسرع وأيسر، سواء على صعيدهم كجماعة وطنية في العلاقة مع الجماعات الوطنية الأخرى، أو حتى على المستوى الفردي لهم داخل المؤسسات
اليمن: الاستقطاب السياسي والإقليمي والثقافي
فرانك ميرميه، الباحث الفرنسي المختص في الشؤون اليمنية، أشار إلى الإسهام الكبير لأتباع المذهب الشافعي من الشمال والجنوب في الحرب الجمهورية، بالحفاظ على هذه الجمهورية الفتية؛ فضلاً عن مساعدة القوات المصرية خلال الفترة (1962-1967). في سبعينيات القرن العشرين شكلت الجبهة الديمقراطية الوطنية (FND) معارضة مسلحة لنظام صنعاء. حشدت بشكل رئيس في المناطق الشافعية “أي في الأماكن التي يتمركز فيها أتباع المذهب الشافعي”، وكانت –أيضاً- مدعومة من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. مع ذلك، سيكون من الصعب، من الناحية السياسية، معارضة الشافعيين للجماعة الزيدية. كان عديد من قادة جبهة (FND) ينتسب إلى المرتفعات العليا الزيدية وبعض العشائر القبلية، لا سيما قبيلة بكيل التي تضم القليل من مقاتلي جبهة (FND) من خلال التعاطف الأيديولوجي لمعارضة النظام، الذي أغدق عليها العطايا والهبات لتستمتع بسخاء الحكومة أكثر من القبائل الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، استقبل نظام صنعاء على أراضيه لاجئي اليمن الجنوبي من (FLOSY) وهو اختصار لـ”جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل” عام 1967، وكلفت بعض قادتها بمناصب وزارية.
وأضاف: إن أهمية الحصول على الولاءات القبلية للقتال ضد القوات الملكية أسفرت عن وضعها، داخل الدولة الجديدة، ضمن إدارة الشؤون القبلية التي كانت مهمتها الأساسية هي تقديم إعانات مالية لشيوخ القبائل مقابل ولائهم. أنشئت وزارة وقف ميزانية المشائخ وشؤون القبائل عام 1962، قبل تشكيل لجنة الشؤون القبلية المكونة من ستة أعضاء، والمرتبطة بمجلس الرئاسة، في شهر أبريل (نيسان) 1963. حولت هذه الإدارة التي لا تزال في مكانها، شيوخ القبائل إلى وكلاء للحكومة بتعزيز موقفها داخل قبائلهم. وهكذا ازداد دورها التقليدي في الحكم، المتمثل في العمل كوسيط وشفيع؛ لكي يستطيع الآخرون الحصول على الخدمات وفرص العمل، ونشر الرسائل الحكومية، من جهة، واكتساب السلطة السياسية على المستوى الوطني، من جهة أخرى. لم يتوازن بناء جيش وطني في الشمال بالكامل مع قوة المؤسسة القبلية؛ لأنه تم استثمارها بسرعة من قبل رجال وشيوخ القبائل، الذين احتل الكثير منهم وظائف حكومية. لا تنبثق المؤسسة العسكرية، التي تشكلت مع تقلبات الأنظمة المتعاقبة، من السلطة القبلية، لكنها تعكس هيمنة التحالفات المختلفة التي تمكنت من فرض نفسها على الهضاب العليا الزيدية. كان جميع رؤساء الجمهورية العربية اليمنية من كبار الزيدية، حتى انتخاب عبد ربه منصور هادي في فبراير (شباط) 2012، وكان أربعةُ من أصل خمسةٍ ضباطاً. من بين هؤلاء، قتل اثنان وأجبر اثنان آخران على العيش في المنفى بعد انقلاب فجائي في الدولة. آخر هؤلاء الرؤساء العقيد علي عبدالله صالح الذي انتخبه مجلس الرئاسة بالإجماع، ليكون الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية في 17 يوليو (تموز) 1978.
وأكد أنه إذا كانت القبلية تظهر في اليمن كتعبير عن الهويات المحلية، أو كإطار ثقافي للانتماء الاجتماعي، كما أن الانتماء القبلي يضمن الحصول على الموارد والحفاظ على الوضع الاجتماعي، تستطيع الدولة –أيضا- تغذيتها والتلاعب بها كأداة. بالإضافة إلى أنها قد تظهر كآلية ظرفية تسمح بالوصول إلى فوائد وأرباح تبعية الدولة، عبر وساطة بعض المشائخ.
التعددية في الخليج العربي بين التوظيف وإدارة التنوع
أجرى الباحث الفلسطيني محمد أبو الرب قراءة في كتاب المسبار “التنوع العرقي والمذهبي في الخليج: بين الواقع والتوظيف” (الكتاب الثالث والتسعون، سبتمبر/ أيلول2014) وقد ترافقت القراءة مع تعقيب على الدراسات المدرجة فيه.
يقول الباحث: إن بعض دول الخليج لم تنتبه لمسألة تحصين مجتمعاتها من الأفكار المتطرفة والأصولية، كما تنبهت لذلك –مبكراً- سلطنة عمان؛ حيث تقاطع التشريع القانوني وتجريم ومحاسبة من يقلل من شأن أي جماعة أو أقلية مع أفكار التيار الإباضي -الممثل للأغلبية- القائمة على تقبل الآخر المختلف، والابتعاد عن الإقصاء أو التمييز.
تعني إدارة التنوع تعني -في حدها الأدنى- تحديد معالم واضحة، وقواعد محاصصة تراعي مطالب وتمثيل الجماعات التي تعيش تحت رايتها. أما مسألة الاندماج وخلق المواطنة، فهي في حاجة لجهد أكبر على صعيد تخفيف الاحتقان الطائفي والمذهبي، وصولاً إلى إزالة كل رواسب التحريض والاحتقان، والتعاطي مع المواطنين على قاعدة المواطنة، لا على قاعدة التمثيل المذهبي أو الطائفي. بعبارة أخرى، فإن الحديث عن المواطنة والاندماج ينهض على ثلاثة أسس: أولها: المساواة بين جميع المواطنين، وهو الأساس الحقوقي، وثانيها: الأساس السياسي الاجتماعي المتعلق بالمشاركة السياسية، وكذلك المشاركة في عائد التنمية. وثالثها: أساس رمزي معنوي يرتبط بمعاني الانتماء والارتباط بالوطن.
قد يكون الوقت متأخراً للقول بأن أقصر الطرق لتجنب المزيد من الاحتقان المذهبي والطائفي المتصاعد في المنطقة، يكمن –أولاً- في تصويب التشريعات القانونية الغامضة، وغير الجريئة في التعامل مع التمييز بحق الأقليات، في الوقت الذي يتعمق فيه الاحتقان الطائفي في مختلف مناحي الحياة. وإلى حين الإقرار بطبيعة التشريعات الواجب تصويبها وفي أي اتجاه، فإن تخفيف هذا الاحتقان يستوجب الالتفات إلى وسائل الإعلام، باعتبارها المحرك الأقوى للتعبئة الطائفية؛ فمن خلالها تنشر وتعمم المضامين الطائفية جنباً إلى جنب، مع توجيه وضبط منابر المساجد وحلقات العلم والدعاة، كمدخل أولي لتهدئة الحالة الطائفية، تمهيداً لمراجعة المناهج الدراسية، وإعادة النظر في بعض المؤلفات والكتيبات التي تزيد من حالة الاحتقان المذهبي والطائفي.
التعددية الدينية في السعودية: عيون الغرب
تقدم هذه المادة، تقريرًا موجزًا لمقالات إنجليزية، تناول كتابها التعددية الدينية في السعودية فحاولوا توظيفها في سياق الدوافع السياسية، وقد تضمنت مواقف سلبية من التصورات الدينية السعودية ودمجتها في إطار واحد، وجعلت له مركزية أساسية مفادها أن المملكة تقود التطرف العالمي! أشار التقرير في أكثر من موضع إلى غلبة الغرض السياسي على الهدف العلمي الأكاديمي، وخلص إلى أن بعض الأقلام الغربية تسعى إلى قراءة تعامل السعودية مع الخريطة الدينية بشكل طائفي، انطلاقاً من عوامل إقليمية ومن بينها التنافس مع إيران.