عام 2007، طلب جورج مونبيوت، أحد أبرز محرري صحيفة الغارديان البريطانية، آنذاك، من محرري الصحيفة ألا يقبلوا إعلانات لمنتجات وخدمات من شأنها الإضرار بالمناخ، مثل إعلانات السيارات المستهلكة للبترول، بدافع أن قبول تلك الإعلانات من شأنه الإضرار بالغلاف الجوي، بعدها كتبت الصحيفة مقالًا أو بمعنى أدق بيانًا وضحت فيه أنها ستسعى لتغطية موسعة لموضوعات حول البيئة والتغير المناخي.
ما الإرهاب البيئي؟ وما العلاقة بين تغير المناخ والإرهاب؟ وما أبرز الحركات الفاعلة؟
الإرهاب البيئي ومصادره الرئيسة:
يعرف مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، الإرهاب البيئي على أنه “استخدام أو التهديد باستخدام عنف ذي طبيعة إجرامية ضد الأبرياء أو الممتلكات من قبل مجموعة ذات توجه بيئي لأسباب بيئية وسياسية، تستهدف جمهورًا يتجاوز الهدف، غالبًا ما تكون ذات طبيعة رمزية”[1].
يقسم الإرهاب البيئي وفقًا لـ”Hami Alpas”، إلى مكونين مختلفين، الأول: قيام الأفراد أو الجماعات ممن يطلق عليهم “نشطاء بيئيون” بإجراءات ضد الصناعات أو الشركات أو الحكومات في بعض الأحيان، ممن يعتقدون أنهم يضرون بالبيئة، والثاني هو باستخدام البيئة كسلاح لإلحاق الضرر بأعدائهم[2]. وفقًا لتعريف “Alpas” هناك جانب إيجابي وآخر سلبي للإرهاب البيئي، الأول: حرص البعض على حماية البيئة، والثاني: إلحاق الإضرار بالبيئة واستخدامها كسلاح لتدمير الخصوم.
هذا الجانب الإيجابي ترجم من وقت لآخر ببعض الاعتراضات على إدراج أفراد ومجموعات مناهضة للإضرار بالبيئة إلى قوائم الإرهاب، مثلما حدث في 2011، عندما اتُهم رجل من مونتريال، بموجب قانون مكافحة الإرهاب الكندي، لكتابته رسالة معارضة للتكسير الهيدروليكي، بموجب قانون مكافحة الإرهاب الكندي. حيث كانت الشرطة الملكية الكندية تراقب سكان كيبيك الذين يعارضون التكسير الهيدروليكي[3].
يستخدم الفاعلون في الإرهاب البيئي وسائل وأسلحة عدة في هجماتهم، أبرزها الحرائق وتسميم مصادر الإمداد بالغذاء وتسميم المسطحات المائية وتسميم الخزانات.
العلاقة بين تغير المناخ والإرهاب:
حدد “Thomas RENARD” علاقة سببية بين تغير المناخ والإرهاب والتطرف، في ثلاثة أنواع يرتكز عليها نمو وتطور الإرهاب:
- أسباب تحريضية: وتمثل العوامل الأساسية اللازمة لتطور الإرهاب، ولكنه يجادل بكونها لا تؤدي تلقائيا إلى أعمال عنف، وعلى رأسها الفقر وانخفاض الدخل، وعدم المساواة بين الفئات الاجتماعية، ونوع النظام والاستقرار، بحيث يؤدي الحكم الفاسد والاستبدادي إلى حالة استياء أكثر لدى السكان.
- عوامل تسهيل: جادل “RENARD” بأن هذه العوامل ليست كافية أو ضرورية لبدء العنف، ولكنها تعمل على تطويره، حيث يسهل فساد النظام عملية التعبئة والتجنيد للتنظيمات الإرهابية، كما أنه يسمح بتمرير أكبر للدعايات الإرهابية.
- أحداث مسببة: هنا ننتقل لمرحلة بدء العنف، والتي تنتج جراء عوامل عدة مثل فقدان أحد أفراد الأسرة أو تجربة كارثة.
تغير المناخ يلعب دورًا في كل مرحلة من تلك المراحل، حيث يساهم في زيادة الفقر، وعدم المساواة، مما يوفر البيئة المناسبة للجماعات الإرهابية.
إلا أن بعض الدراسات جادلت بأنه ليس من المحتمل أن يحتل الإرهاب البيئي نطاقاً واسعاً في المستقبل القريب، إلا أنه يتطور من خلال مسارين، الأول: مساعدة الموارد البيئية للإرهابيين في تحقيق أهدافهم، والثاني: ظهور مجموعات ومنظمات ذات أيديولوجيات واستراتيجيات مختلفة، من الممكن أن يتحول بعضها للتطرف.
تجميع الإرهاب المناخي:
حاول البعض الربط بين نظرية التجميع وتغير المناخ، وذلك لكون نظرية التجميع تعطي إطاراً تحليلياً مثمراً للتعامل مع التحديات الجيوسياسية المعقدة[4]، حيث تعرف التجميعات على أنها “كليات تنبثق خصائصها من التفاعلات بين الأجزاء”[5].
وفقًا لـ”DeLanda” فإن كل مجموعة هي فريدة ومميزة جراء عوامل جغرافية وتاريخية متعلقة بكلٍّ منها، وتتميز التجميعات في تلك الحالة بتفاعلات معقدة، بين خصائص الأجزاء وقدراتها، أي التفاعلات بين السمات التي تحدد التجمع، واحتمالات تأثير التجمع على التجمعات الأخرى.
ومن هنا توسع مفهوم التجمعات، وعرف على أنه “خاصية الكل التي لا يتم تقاسمها أو اختزالها في الأجزاء المكونة لها”[6].
وعليه تطرق الباحثون إلى أن هناك ثلاثة محاور يمكن تعيين المجموعات على أساسها، الأول: متعلق بالأدوار التي يمكن أن تلعبها المكونات في هذا التجميع، والثاني: بالمدى الخاص بالتجمع، كونه إقليمياً أو غير إقليمي، مما يؤثر على استقراره وتفكيكه، والثالث: يتعلق بتقنين هوية هذا التجمع.
هنا جادل الباحثون بأنه لا يمكن وضع خصائص للتجمع من خلال الوقوف فقط على خصائص الأجزاء المكونة له، لكون قدرات المكونات أو الأجزاء هي التي تحدد كيفية تغير التجمع ذاته، وعليه طرح سؤال حول مدى جدية استخدام وصف “تجمع الإرهاب المناخي”.
وفقًا لـ”Andrew Telford”[7] يمكن تحليل صلات التغير المناخي والإرهاب والتطرف بشكل مثمر على أنها “تجمع للإرهاب المناخي” في حد ذاتها، كمثال خاص للتجمع الجيوسياسي. حيث إن “تجمع الإرهاب المناخي” يتكون من مكونات غير متجانسة، سواء حقائق مادية مثل: “تغيير أنماط المناخ، وتوافر الغذاء والوصول إليه، والوثائق التي تنتجها مراكز الفكر”، والخطاب المتعلق بمفهوم الأمن المناخي، والتأثير العاطفي، وإضفاء الطابع الإقليمي، ومن الممكن أن تتفاعل وتتبادل هذه العناصر مع المكونات للتجمعات الأخرى.
ومن خلال وقوفه على نماذج خطابية مثال خطاب “باراك أوباما”، وتقارير جيوسياسية، خاصة مجلس الاستخبارات الوطني بالولايات المتحدة، وتحليل بعض نماذج لحالات الغضب والإحباط لدى الذكور الشباب المتأثرين بانعدام الأمن المناخي، والوقوف على نظرية تضخم الشباب. وتحليله لمثالين من سياسات الأمن المناخي: الحرب الأهلية السورية وتطور داعش، ومناقشات حول الذكورة الشابة المتورطة في ظروف انعدام الأمن المناخي. توصل إلى أن “تجمع الإرهاب المناخي” يوفر إطارًا تحليليًا قويًا لفحص السياسات غير المتكافئة للصلات بين تغير المناخ والإرهاب والتطرف.
تغير المناخ حليف للإرهاب:
نتيجة لدرجة تأثير تغير المناخ على الإرهاب، يصف البعض العلاقة فيما بينهما على أنها علاقة تحالف، حيث يخدم تغير المناخ بصورة كبيرة على الإرهاب والتنظيمات الإرهابية.
فإذا ما نظرنا إلى تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” كمثال لاستغلال آثار تغير المناخ في خدمة أهدافها، نجد أن هناك العديد من الأسباب التي ساعدت التنظيم خلال سيطرته على مدينة المكلا، من بينها أسباب ناجمة عن التغير المناخي.
حيث عمل التنظيم على الاستفادة من انعدام الأمن المائي والغذائي في البلاد في تقوية شوكته، حيث لجأ أعضاء التنظيم لتوفير مياه الشرب العذبة للسكان، من خلال حفر الآبار في المكلا، مهددين العاملين بذلك بالقتل حال التأخر أو الفساد، كما عمدت على إظهار تقارير توضح توزيعهم للغذاء على السكان المحليين[8]. كما أفادت بعض التقارير بأنه وقت إعصار تشابالا الذي اجتاح مدينة المكلا، عمل أعضاء تنظيم القاعدة على إجلاء السكان المحليين.
تنظيم داعش أيضا استغل البيئة في تقوية شوكته، أثناء توسيع نفوذه في العراق والشام. حيث إنه بخلاف السيطرة على النفط، وبيعه بصورة غير قانونية في السوق العالمية، اتجه التنظيم إلى السيطرة على إدارة موارد المياه كوسيلة لتوسيع مصادر تمويله، واستمالة السكان المحليين نحوه، بوصف المياه وسيلة كبيرة لتشغيل السدود الكهرومائية في الداخل. فمنذ صعوده نظر التنظيم للسدود على أنها أهم المواقع الاستراتيجية. وعليه اتجه نحو السيطرة على سد “الفرات أو الطبقة” بسوريا عام 2013 كأكبر سد يوفر الطاقة الكهربائية لمناطق نفوذ الحكومة والمعارضة. فضلًا عن تعطيله شبكات التوزيع واستنفاده احتياطات المياه، مما دفع البعض إلى الاعتماد على المياه غير المعالجة مما أسفر عن انتشار أمراض مثل فيروس سي والتيفوئيد.
وفي العراق أيضا عمد التنظيم إلى السيطرة على السدود، فسيطر على سد الموصل، كأكبر مرفق لتوليد الطاقة الكهرومائية في العراق، إلا أنه لم يحافظ على سيطرته عليه، وتمكنت القوات الكردية بمساعدة أمريكية في أغسطس (آب) 2014 من تحريره. كما حاول التنظيم في 2015 السيطرة على سد ناظم الثرثار شمال غرب الفلوجة[9].
بخلاف استغلال تنظيم القاعدة وغيره من المجموعات الإسلاموية للآثار الناتجة عن تغير المناخ، تعد جبهة تحرير الأرض هي الحركة الأبرز فيما يتعلق بالإرهاب البيئي.
يميل البعض لتشبيه “جبهة تحرير الأرض” على أنها بمثابة تنظيم القاعدة للإرهاب البيئي. وهي مجموعة انشقت عن مجموعة “الأرض أولًا” التي تأسست عام 1980 بالولايات المتحدة الأمريكية. كانت بدايتها بالقيام بأعمال مباشرة ضد مشاريع البنية التحتية التي كانت تهدد البيئة، وسرعان ما انتشرت الحركة وانتقلت إلى بريطانيا وأوروبا. هيكليًا افتقدت الحركة للقيادة المركزية، معتمدة على مجموعة من الخلايا المستقلة التي تعتمد على شبكات داخلية خاصة.
وفقًا لـ”وزارة الأمن الداخلي الأمريكية” فإنه بين عامي 1995 و2010، كان هناك (239) حريقًا وتفجيرًا تسبب فيها كل من “جبهة تحرير الأرض، وجبهة تحرير الحيوان” ينسب للأولى (55%) منها و(45%) إلى الثانية.
تنوعت الأهداف التي نفذت ضدها تلك العمليات، على النحو التالي:
عرقيًا انتمى منفذو تلك الحرائق والتفجيرات لـ”البيض” بنسبة (100%)، وكان من بينهم نحو (69%) حاصلون على تعليم جامعي. جند نصهم على الأقل عن طريق أعضاء آخرين.
هل يمثل الإرهابيون البيئيون الموجة التالية من التطرف؟
جادل “جيمي بارتليت” في مقال بـ”فورين بوليسي” عام 2017، بأن الموجة التالية من المتطرفين هي من الإرهابيين البيئيين أو المتطرفين الخضر، مستنداً على عدة مبررات أبرزها: أنه بحلول عام 2050، يمكن أن يكون ما يصل إلى (250) مليون شخص من لاجئي تغير المناخ، وأنه بحلول عام 2040، من المرجح أن تكون كمية الطاقة المطلوبة لتشغيل العالم أعلى بنحو (50%) مما كانت عليه عام 2012. ومن المتوقع أن ينمو الطلب على الفحم بنسبة (0.6%) كل عام من 2017 وحتى ذلك الحين.
إلا أن حجج “بارتليت” اعتمدت بالأساس على إمكانية تحول المدافعين عن البيئة نحو العنف، وإن كان احتمالاً وارداً إلا أنه ضئيل إلى حد كبير، ويقع في سياق التمرد وليس الإرهاب، خاصة وأنه أقر بأنه “كانت هناك مخاوف دورية بشأن موجات جديدة من (الإرهاب البيئي)، والتي لم تتحقق تمامًا”.
هنا لا بد وأن نفرق بين الإرهابيين من مستغلي تغير المناخ وبين نشطاء حماية البيئة، والذين يتجه البعض لتسميتهم بالإرهابيين البيئيين، ممن ينظمون التظاهرات أو الاعتصامات أو يقومون برفع الدعاوى القضائية ضد الحكومات، والتي تضاعفت وفقًا لتقرير أممي في الفترة ما بين عامي 2017-2020.
الحقيقة أن ما يمكن التنبؤ به ليس تحول النشطاء البيئيين إلى إرهابيين، ولكن توسع التنظيمات الإرهابية القائمة بالفعل إلى استغلال تغير المناخ كوسيلة لزيادة نشاطهم ووضع مبررات له، سواء في مناطق النزاعات، أو في الدول الأوروبية التي ربما تزداد فيها حالات استهداف اللاجئين هرباً من آثار تغير المناخ، والذي حذر منه تقرير معهد الاقتصاد والسلام حول التهديد الإيكولوجي ETR[10] في أكتوبر (تشرين الأول) 2021. فضلًا عن ارتفاع تهديد الهجمات الإرهابية في الداخل الأمريكي وأوروبا، مع تباين وجهات نظر اليمين حول تغير المناخ وسياسات مكافحته. وفقًا لبعض الدراسات[11] فإن حزبين فقط من بين أكثر من عشرين حزبًا يمينيًا شعبويًا في أوروبا وهما: “حزب فيدس اليميني المتطرف في المجر، والتحالف الوطني في لاتفيا” يدعمان صراحة الإجماع العلمي بشأن أزمة المناخ. لكن الاختلافات موجودة بين الآخرين، فمثلًا يرفض البديل الألماني والحزب الهولندي من أجل الحرية، فكرة الاحتباس الحراري البشري المنشأ، في حين تبنى بعضهم مثل التجمع الوطني الفرنسي وفوكس الإسباني، الدفاع عن دعم سياسات محلية للتصدي للتغير المناخي مع رفض الاتفاقات الدولية المنوط بها التكاتف.
[1]– James F. Jarboe, Domestic Terrorism Section Chief, Counterterrorism Division Federal Bureau of Investigation, FBI, February 12, 2002:
https://archives.fbi.gov/archives/news/testimony/the-threat-of-eco-terrorism
[2]– Hami AlpasSimon M. BerkowiczIrina Ermakova, Environmental Security and Ecoterrorism, January 2011NATO Science for Peace and Security Series C: Environmental Security 112, p.31.
[4]– J. Dittmer, Geopolitical assemblages and complexity, Progress in Human Geography, 38 (3) (2014), pp. 385-401, URl:
https://journals.sagepub.com/doi/pdf/10.1177/0309132513501405
[5]– M. DeLanda, A new philosophy of society: Assemblage theory and social complexity, Continuum, London, 2006, p 10.
[6]– B. Braun, Environmental issues: Inventive life, Progress in Human Geography, 32 (5) 2008, pp. 667-679, URL:
[7]– Andrew Telford, A climate terrorism assemblage? Exploring the politics of climate change-terrorism-radicalisation relations, Political Geography Volume 79, May 2020:
https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0962629819300095#bib8
[8]– THOMAS JOSCELYN, AQAP provides social services, implements sharia while advancing in southern Yemen, long war journal, February 3, 2016:
[9]– Allyson Beach, The Islamic State’s Most Deadly Weapon of War: Water?, The National Interest , May 6, 2015
https://nationalinterest.org/blog/the-buzz/the-islamic-states-most-deadly-weapon-war-water-12821
[10]– Ecological Threat Report 2021, Understanding Ecological Threats, Resilience and Peace, Institute for Economic and Peace, Oct, 2021:
[11]– Yasmeen Serhan, The Far-Right View on Climate Politics, The Atlantic, AUGUST 10, 2021:
https://www.theatlantic.com/international/archive/2021/08/far-right-view-climate-ipcc/619709/