اتسمت التغطية الإعلامية الروسية لوباء (كوفيد– 19) بالهدوء في التعاطي مع الأزمة، وعدم التهويل منها، والتركيز على الآثار السياسية والاقتصادية التي ستنعكس على العالم جراء هذه الجائحة، بجانب النصائح الطبية التقليدية المعتادة. جزم البعض بأن ثمة هدفاً سياسياً؛ لهذا الهدوء، قرنه بالرغبة المزعومة للكرملين بمشاركة أكبر عدد ممكن من المواطنين، في الاستفتاء الشعبي العام على تعديلات الدستور الروسي التي كان من المقرر أن تُجرى في 22 أبريل (نيسان)، إلا أن تفشي الوباء حول العالم دفع الكرملين لتأجيله لأجل غير مسمى، والبدء باتخاذ إجراءات استثنائية جادة منها: إيقاف الدراسة، ومنع التجمعات، وتعويض المتضررين بمنح مالية، وغيرها من الخطوات الاحترازية.
يسعى هذا التقرير إلى رصد أهم آراء ووجهات نظر عدد من الكتّاب والعلماء الروس، حول التداعيات السياسية والاقتصادية المحتملة التي سوف يسببها فيروس كورونا، وسنتبعه بجزء ثانٍ وفقاً لتطور الأوضاع.
“عولمة جديدة أكثر شراسة وقوة تنتظر العالم بعد كورونا!”[1]
بهذه العبارة التي تبدو مغايرة تماماً لكل التوقعات والآراء التي انطلقت منذ تفشي وباء كورونا، رأى البروفيسور الروسي فالنتين كاتاسونوف (رئيس الجمعية الاقتصادية الروسية) في مقال له على موقع صحيفة “بينزنس أون لاين” (Бизнес Online) الروسية بتاريخ 19 مارس (آذار) 2020، “أن العالم مقبل على دورة جديدة من العولمة، تؤسس لما يمكن تسميته بحكومة عالمية واحدة، كما تنبأ بذلك الكاتب البريطاني جورج أورويل، في روايته الشهيرة (1984). إلا أنها أكثر كمالاً وصرامة مما تخيله. كذلك توقع زوال الليبرالية، واتجاه الحكومات الغربية لمزيد من المركزية، والتحكم في حياة الشعوب بحجة حماية حياتهم، وهو ما سيمكنها من وضع آليات تتعرف عبرها على تفاصيل الحياة كافة، وعادات، وتحركات الأفراد بالمجتمع، وعلى الرغم من أن هذا التصور يبدو أنه ينتمي لما يسمى “نظرية المؤامرة”، فإنه ينفي ذلك، مؤكداً أنه شخصياً لا يؤمن بأن الفيروس خلفه مؤامرة، أو يد بشرية تدخلت في صناعته، ولكن في الوقت نفسه يؤمن بوجود نخبة عالمية لديها سيناريوهات معدة سلفاً لكيفية استغلال أي حدث يطرأ على العالم، لكي يخدم مصالحها، وعبر هذا الفيروس وحالة الهلع منه ستتمكن من تحقيق هذه الأهداف المذكورة.
“أخلاقيات فيروس كورونا!”[2]
أشار المؤرخ الروسي البروفيسور أوليغ بارابانوف (مدير برنامج المناقشات بنادي فالداي الدولي) في مقال له تحت عنوان “أخلاقيات فيروس كورونا” نُشر في 28 فبراير (شباط) 2020، على موقع “نادي فالداي” ( Валдай клуб) إلى أنه:
“لم يكن المشهد الأوروبي ومراقبة تداعياته الطبية والاقتصادية هو اللافت، بل التعامل غير الكفؤ مع المرض، وهو أمر لم يكن متوقعاً من بلدان أوروبية متقدمة، ويبدو أن فكرة الأوبئة الجماعية التي تؤدي لنكبة مدن، وتفريغها بأكملها من سكانها قد تصور الأوروبيين أنه أمر قد انتهى من حياتهم منذ بداية القرن الماضي بعد الإنفلونزا الإسبانية. حتى فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) لم يتم التعامل معه على أنه وباء خطير مهدد للوجود البشري، بل تم النظر إليه على أنه مرض يصيب الفقراء، والمهمشين، وغير المبالين بقواعد الوقاية الصحية الأساسية. لذلك أصبحت كافة الأبحاث والدراسات بالعالم المتقدم تولي اهتمامها بأمراض القلب، والأوعية الدموية، والسرطان، ولا تلقي بالاً للدراسات وأبحاث الأوبئة”.
وأوضح بارابانوف أن “الغرب تعامل لعقود مع خطر الأوبئة، والأمراض المعدية على أنها محصورة في بلدان (العالم الثالث) ولا علاقة له بها، ولا يسمع عنها إلا من خلال الأخبار الهامشية في نشرات الأنباء، ويراها أمراً طبيعياً شأنها شأن الحروب، والصراعات المسلحة، ولسان حاله يقول: ماذا نتوقع من بلدان أفريقيا والعالم الثالث سوى القتل، والدمار، والصراعات، والأمراض، والأوبئة، والإيبولا وحمى الضنك، وغيرها من الأسماء الغريبة لفيروسات تثير سخرية بعضهم، ولأن الصين يصعب اعتبارها بلدا ينتمي لبلدان (العالم الثالث) الفقيرة، فقد جرى التركيز عليها بأنها البلد الذي يمثل المصدر الرئيس للأوبئة بالقرن الحادي والعشرين. (سارس– أنفلونزا الخنازير). إنها صورة مناسبة للمزاج الغربي، ومريحة في تصوراته عن العالم النامي. إنه مكان فظيع، وسيئ، وقاتل، والأهم من ذلك أنه بعيد عنا، وقد تعززت هذه الدعاية بعد تفشي فيروس (كوفيد– 19). وأصبح لدى الرأي العام ليس الغربي فحسب بل والعالمي، نتيجة تأثره بهذه الدعاية، رهاب تجاه الصينيين، والنظر إليهم جميعا على أنهم مصابون بالعدوى، واكتسبت دعوات عزلهم عن المجتمع شعبية كبرى، ووصل الأمر لقيام بعض الوفود السياحية التايوانية بارتداء شارات مكتوب عليها (نحن لسنا من جمهورية الصين الشعبية، نحن من تايوان) ليحموا بذلك أنفسهم من الوقوع ضحية للتمييز. من المفهوم وجود رغبة لدى تايوان بالانفصال عن الصين. إلا أن هذا موضوع آخر”!
ورأى أنه “حتى تلك اللحظة لم يكن هناك شيء جديد، وكان كل شيء يبدو أنه يمضي كالمعتاد. وباء جديد يصيب بعض البشر بالعالم النامي. المصدر الطبيعي للأوبئة والأمراض، لكن الأسبوعين الأخيرين من شهر فبراير (شباط) 2020 غيرا الصورة تماماً لدى المواطن الغربي، وذلك بعدما تفشى الفيروس في شمال إيطاليا بإقليم لومبارديا. وشيوع الفوضى والهلع، والتوجه نحو المحال التجارية لشراء كل شيء وتفريغ أرفف المحلات من المنتجات الغذائية، ومواد التنظيف، وهرب الناس من المدن للريف، والتكالب على محطات القطار، والمترو، والمواصلات العامة، وبدلا من التكاتف في الأزمة اشتدت حدة الصراع بين الائتلاف الحاكم، وحزب المعارضة في الشمال، وأصبح كل طرف يحمل الآخر مسؤولية تفشي الوباء، وسادت اللاعقلانية كافة التصرفات على المستويين الشعبي والسياسي من الحكومة والمعارضة، ولم تعد هذه التصرفات مرتبطة ببلدان العالم الثالث البعيد. بل في قلب أوروبا المتقدمة والمزدهرة، وظهر بوضوح الفارق الكبير بين تعامل الصين (البلد النامي “المتخلف”) وفق النظرة الغربية مقابل أوروبا المتقدمة، ونحن هنا لسنا بحاجة للدخول في نقاش حول مقارنة الديمقراطية بالاستبداد، أو التسويق له على أنه الأفضل. فمن المعروف أن النظم الاستبدادية المركزية قادرة على مواجهة الأمور الطارئة أسرع من الديمقراطية، ولكن الانطباع الخارجي هنا هام للغاية”.
ولفت إلى أنه “في صباح يوم 24 فبراير (شباط) 2020 انطلقت من روما رحلة سياحية إلى موريشيوس، إنها جزيرة جميلة، وخلابة، وذات رمال وشواطئ ساحرة. إلا أنها قررت اتخاذ إجراءات احترازية تجاه جميع القادمين من مناطق بؤر تفشي الفيروس، وذلك أمر مفهوم كونها جزيرة صغيرة. إلا أن الإيطاليين الأنيقين كعادتهم رفضوا جميعا الخضوع لإجراءات الحجر الصحي، وهو ما تسبب في عودتهم إلى إيطاليا من جديد. المثير للاهتمام رد فعل أحد السائحين الذين تأكدت إصابتهم بالفيروس في حوار له مع جريدة كوريري ديلا سيرا حيث قال: “نحن الإيطاليين تعاملوا معنا كأننا لاجئين. يا له من شيء غبي، كأنه مشهد في فيلم ساخر”. في اليوم التالي لهذه الحادثة بدأت دول عدة تتخذ الإجراءات تجاه الإيطاليين. النمسا أوقفت حركة القطارات معها، وكرواتيا والكويت أوصتا بعدم السفر إليها. لقد بدأ ينهار جبل الجليد أمام الإيطاليين في وسائل الإعلام، وأنهم قد ابتلوا مثل الصينيين، وهو ما أدى لسؤال استفزازي للغاية: هل يمكن مساواة الإيطاليين بشعوب العالم النامي؟! وكانت الإجابة بالتأكيد: لا، هذا أمر مستحيل.
إن مثل هذه التصورات لا تعبر فقط -كما أسلفنا- عن اختلاف مستويات الوضع الاقتصادي لبلدان العالم، ولكن عن تصورات لبشر درجة أولى وبشر من الدرجة الثانية، أو ما يوصف بالمليار الذهبية. الذين يروج البعض لهم بأنهم أولئك المبدعون، والمنتجون، والمفيدون الحقيقيون للعالم. بينما البقية مجرد عبء عليه”.
“فيروس كورونا بدلاً من الحرب: هل سيؤدي لنظام عالمي جديد؟”
تحت هذا العنوان كتب البروفيسور أندريه بيستريتسكي (عميد كلية الاتصالات والإعلام بجامعة الأبحاث الوطنية للتكنولوجيا الإلكترونية، ورئيس نادي فالداي الدولي) قائلاً: “إن النظام الدولي الحالي قد أصبح غير قادر على البقاء، وغير مرضٍ لجميع القوى الكبرى، إلا أن عملية التحول من نظام إلى آخر تاريخياً كانت تحدث بعد حروب طاحنة تؤدي لتوافق على شكل النظام الجديد، وهو ما يمكن ألا تحتاج البشرية له ولو موقتا، في ظل الآثار التي سيخلفها فيروس كورونا”. وأشار بيستريتسكي الذي نشر مقاله على موقع “نادي فالداي” (Валдай клуб) في 16 مارس (آذار) 2020 إلى أنه:
“على مدار السنوات القليلة الماضية. نشط الحديث حول ضرورة قيام نظام عالمي جديد بدلاً من القديم الذي لم يعد صالحاً، ولكن لم يكن أي طرف من سويسرا إلى الصين يملك تصوراً عن شكل هذا النظام الجديد المراد قيامه، سوى بعض النقاشات الكوميدية حول المستقبل، وإمكان نقل الطعام للمنازل عبر طائرات المراوح الأربع (كوادكوبتر). مع ذلك عبر التاريخ لم ينشأ نظام عالمي مستقر. إلا نتيجة لحروب كبرى، ودمار وضحايا ومحاكمات، وبعد ذلك يتمكن هذا العالم المُعذب الذي يقاتل بشدة من أجل بقائه على الاستمرار، ويتغلب على أنانية النخب العالمية، وتعطشهم غير المحدود لامتلاك القوة، ويصنع اتفاقاً للسلام محدوداً، والأمثلة على ذلك عديدة. حرب الثلاثين عاماً، وصلح وستفاليا، واتفاقية يالطا عام 1945”[3].
وأضاف بيستريتسكي: “بعد تدمير الاتحاد السوفيتي ظهرت نظريات عدة مستندة إلى أوهام تتحدث عن نظام عالمي سعيد، وبعد فترة وجيزة تبددت كل هذه الأوهام، وثبت أن العالم أكثر تعقيداً من أن يُدار من خلال نخب فردية، وأرهقت الصراعات الجميع، وأصبح الحديث يدور حول ضرورة قيام نظام عالمي جديد. مع الأسف قيامه يحتاج لحروب، ونتيجة لذلك دار النقاش طوال الوقت حول الصراعات الأقل والأكثر خطورة القادرة على تقويض النظام العالمي. البعض كان يرى الشرق الأوسط بملفاته وصراعاته المعقدة، أو أزمة الأسلحة النووية الكورية الشمالية، وربما الحرب التجارية الأمريكية– الصينية. حتى “التدخل” المزعوم من روسيا والصين بالانتخابات بعدة دول. بجانب حالة الذعر ببداية عام 2020. بعد اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني، ومهاجمة قاعدة عين الأسد بالعراق، التي توجد بها قوات أمريكية، توقع الجميع اندلاع حرب كبرى، إلا أنها لم تقع لقدرة جميع الأطراف على ضبط نفسها. لكن الشعور بهشاشة النظام الدولي أدى للتوتر، والشك في قدرة النخب العالمية على تحقيق السلام والاستقرار الضروري لتنمية العالم”.
“فجأة وبدون سابق إنذار جاء تهديد فيروس كورونا. وتغير كل شيء دفعة واحدة. يمكن القول: إنه تم استدعاء هذا الفيروس “مجازا” لأنه قبل ظهوره كان الجمهور، والسياسيون، ووسائل الإعلام والجميع مستمتعين بشدة بالحديث عن التهديدات والصراعات المحتملة”.
وأوضح بيستريتسكي أنه “صحيح أن أفلام الخيال العلمي فقط هي من تحدثت عن خطر الأوبئة على البشرية. بينما كان الحديث يدور دوما عن الخطر المحدق عليها نتيجة حرب عالمية ثالثة، أو موجات هجرة عاتية، أو أزمة مالية تدمر اقتصاديات العالم، وكنت شخصيًا أكرر أن هذه المخاوف مبالغ فيها. إلا أن هذا الفيروس يمكن أن ينتج عنه كل هذه المخاوف وتصبح حقيقة دفعة واحدة. الانطباع العام أن هذا الفيروس عبر الخداع وكأنه كان ينتظر الفرصة، أو يرغب في أن يحدث كل هذا الرعب بالعالم. أو لسان حاله يقول: لقد حان وقت الرعب، والحجر الصحي، وتحكم الحكومات بالعالم، وعدم الخروج من المنازل، وتخزين المواطنين لأطنان من أوراق التواليت والمكرونة”.
وقال بيستريتسكي في تحليله بوجود شكين عنده: “الأول: أن فيروس كورونا لعب دور المحفز فقط، وشكل مناسبة جيدة فرضت نفسها، واستغلها الجميع لنزع فتيل التوتر العالمي. أما الشك الثاني: فمرتبط بالعولمة، حيث سيكون هذا الفيروس إما مفككاً أو معززاً لها، ليعيدها بشكل أكثر انضباطا. ما أعنيه بكل بساطة أن هناك إدراكاً من الجميع بضرورة قيام نظام عالمي جديد، وهذا النظام بحاجة لتفاهم وهو ما لم يحدث، وربما حرب ودمار كبير، فبدون الدمار لا يمكن خلق ما هو جديد، وتطهير المؤسسات من النخب غير الضرورية، ووضع قواعد جديدة، هنا يأتي حدث هذا الفيروس الذي يمكن أن يحقق هذه الغاية بعدد ضحايا قليل للغاية، كما هو معلن حتى الآن”.
وأكد بيستريتسكي أنه “حتى الآن تبدو المبالغة في الهلع من فيروس كورونا، كبيرة للغاية، ولذلك أسباب منطقية عديدة، فالناس يموتون حول العالم لأسباب مختلفة، كل يوم يموت أكثر من 200 ألف، منهم ما بين (6) آلاف إلى (8) آلاف بسبب التهابات الجهاز التنفسي الحادة. بالمقابل وحتى كتابة هذا المقال يبدو عدد ضحايا فيروس كورونا ضئيلاً للغاية، وأنا هنا لا أتحدث عن نظرية المؤامرة، ولا أؤمن بها فيما يخص هذا الفيروس، ولكن عن الحالة النفسية نتيجة الرهاب الاجتماعي الذي وضع البشر جميعا تحت ضغط نفسي غير مسبوق، فكل الضغوط والمخاوف المتفرقة من حروب عالمية، ومستقبل التكنولوجيا وإلى أين تقودنا، والتناقضات البشرية بين التقدم المذهل والهمجية المذهلة، تم تركيزها في خطر واحد وهو فيروس كورونا. لعل هذه الحالة التي فرضت نفسها ولم يخلقها أحد، ستشكل فرصة مناسبة للنخب للتنفيس عن هذا العالم، وبناء نظام عالمي جديد بتفاهمات موقتة، ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها: ما شكل هذا النظام المفترض؟ وما الخطاب الجديد الذي سيهيمن عليه بعد نهاية هذا الوباء؟”.
لا يجيب الكاتب بحسم عن هذين السؤالين: “لا توجد لدي إجابة واضحة حتى الآن، ولكنْ هناك شيء مثير للقلق، خصوصاً لو كنت تفكر في حل عالمي. اليوم على مستوى الجهود المبذولة لمواجهة هذا الفيروس، نرى أن التنسيق العالمي محدود للغاية، وأكثر محدودية لدى الدول الكبرى الرائدة التي اتجهت لاستراتيجية انعزالية، ونحن نرى الآن الاتحاد الأوروبي وتصرف بلدانه، ومركز إدارته في بروكسل وتخبطه، وغلق جمهورية التشيك حدودها، وكذلك النمسا، وإجبار إسبانيا الطائرات التي تقل ركابها على الدوران في الهواء، وعدم السماح لها بالهبوط. يعمل الجميع على مستوى (إنقاذ نفسه) لكن هل يمكن أن تكون هذه التدابير بمعزل عن الآخرين ناجحة؟!”.
وتوقع بيستريتسكي “أن الفيروس يعمل على تشكيل مستقبل غير سار للغاية؛ مستقبل تسود فيه الانعزالية، والأنانية، وازدياد التفاوتات والصراعات العالمية، وكل هذا يتم -في رأيي- بواسطة فيروس تاجي ضعيف -نوعاً ما- على مستوى التهديدات المحدودة (حتى في النسخة الأكثر تشاؤما)، هل سيكون -على سبيل المثال- مثل الطاعون بشكل حقيقي؟ إنه أمر مخيف بكل تأكيد أن تفكر فيما سيصبح عليه العالم بهذا الشكل. في النهاية أكرر مرة أخرى، ربما كشف فيروس كورونا عن ضعف أنظمة الرعاية الصحية، ولكن ما هو أكثر من ذلك كشفه عن مدى الضعف المذهل للتعاون الدولي، والافتقار التام للتنظيم العالمي، وضعف النخب العالمية الحالية، وبينما نرى انهيار العلاقات الدولية، وعدم القدرة على تنسيق أبسط الإجراءات، التي سيكون من عواقبها جعل الناس تفكر في كيفية تنظيم هذا العالم المترابط بشكل أكثر قدرة على خدمة البشر الذين يعيشون فيه.”
“فيروس كورونا: النفور من المخاطر أو العودة إلى الأزمة العالمية؟”[4]
في مقال مطول نشر في 26 فبراير (شباط) 2010 تحدث الخبير الاقتصادي أليكساندر لوسيف (المدير العام لشركة سبوتنيك كابيتال المساهمة، وعضو مجلس السياسة الخارجية والدفاع الروسي) عن أزمة الاقتصاد العالمي، ليس فقط بسبب كورونا، ولكن بما هو أكثر خطورة قائلاً:
“كان يوم الرابع والعشرين من فبراير (شباط) “اثنين أسود” جديداً على أسواق الأسهم. انخفضت فيه مؤشرات الأسهم الأمريكية الثلاثة الرئيسة (3.5%) من قيمتها، وفقد مؤشر داو جونز الصناعي (Dow Jones Industrial Average) ، وإس أند بي 500 (S&P 500 Index) كل ما حققاه من نمو منذ بداية العام. الدراما التي حدثت في نهاية فبراير (شباط) 2020 ليست أقل من صدمة ديسمبر (كانون الأول) 2018. عندما أصبحت (93%) من جميع الأصول العالمية الكبرى بالنطاق السلبي، وكان العالم على وشك ركود اقتصادي كبير، بعد ذلك وقبل أكثر من عام. أدى التخفيض الحاد والمتزامن لأسعار الفائدة بنظام الاحتياطي الفيدرالي، وبنك الشعب الصيني، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك اليابان، وعدد من البنوك المركزية بالدول الكبرى، إلى إنقاذ الوضع، وتراجع المخاوف بشأن حدوث ركود اقتصادي. إلا أن هذه العملية لم تحل أزمات الاقتصاد العالمي. حيث إن قيمة الدين العام قد حطمت كل الأرقام القياسية، ووصلت إلى (325%) من قيمة الناتج المحلي الإجمالي العالمي. فقد أدى التوسع في الإقراض، وتدني سعر الفائدة لدعم عملية الاستهلاك حول العالم، مع تراجع الاستثمار في القطاعات الحقيقية، والانخفاض المستمر في النمو، وانخفاض معدلات النمو الصناعي في اليابان وألمانيا نهاية عام 2019. والآن الصين”.
ولفت لوسيف إلى أنه “في وقت مبكر من بداية يناير (كانون الثاني) أي قبل شيوع حالة الذعر العالمي من تفشي وباء كورونا ذروتها، أشار البنك الدولي في تقريره إلى توقع (ركود في اقتصادات الدول الكبرى، واضطرابات مالية في الأسواق الناشئة). وقام صندوق النقد الدولي بمراجعة توقعاته لمعدلات النمو العالمي نحو الهبوط بسبب الاتجاهات السلبية في العديد من البلدان النامية، ومخاطر زيادة التوتر الدولي والاضطرابات الاجتماعية. كان التوقع مع بداية العام أن توقيع الاتفاقية التجارية الأمريكية– الصينية، قد أزال بعض المخاطر، وتحول نقاش النخب العالمية في منتدى دافوس من الاقتصاد إلى الحديث عن البيئة. إلا أن فيروس كورونا قد أعاد الجميع إلى واقع كئيب وضّح مأزق الاقتصاد العالمي، والاعتماد غير المسبوق للدول المتقدمة على سلاسل القيمة من الصين، والترابط الكلي للأسواق المالية. يمكن مقارنة الخسائر الاقتصادية العالمية، من جراء فيروس كورونا. بالحروب التجارية، وتقدر بحوالي (250) مليار دولار في الربع الأول من العام، أما حال توسع الوباء، ولم يتم السيطرة سريعا عليه، فعلى الأرجح ستبلغ خسائر الاقتصاد العالمي ترليون دولار في نهاية 2020”.
وتساءل لوسيف: “بناءً على ما سبق، هل سوف يسبب فيروس كورونا أزمة اقتصادية جديدة؟! الإجابة عن هذا السؤال وبكل وضوح: لا. الركود في الاقتصاد العالمي بالربعين الأولين للعام الجاري أمر واقع بشكل شبه مؤكد. لكن العولمة لن تسقط لأن الأسس التي أرستها قادرة على الصمود، بينما سقوطها يحتاج لأزمة اقتصادية عالمية طاحنة، وإغلاق طويل للإنتاج نتيجة الحجر الصحي، ونشوء صراعات جيوسياسية خطيرة، ونمو الحمائية، وإعادة هيكلة العلاقات الاقتصادية الإقليمية”.
ورأى لوسيف أنه “لا يزال هناك أمل في قدرة العالم على تطويق خطر وباء فيروس (كوفيد– 19) وسيتم تفعيل الحوافز المالية من جديد عبر البنوك المركزية، وهو ما بدأ به بالفعل بنك الشعب الصيني، وأطلق برنامج مساعدات بقيمة (1.2) ترليون يوان، أي ما يعادل (171) مليار دولار أمريكي، وقريبًا سيفعل الأمر نفسه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك اليابان، وآخرين، وعليه يتوقع أن يعوض الاقتصاد العالمي خسائره الاقتصادية.
“ثمثل هذه الأزمة -على الأرجح- الخطوة الأخيرة ما قبل الانهيار العالمي، وعلى الرغم من قدرة البنوك المركزية على تخطيها عبر ضخ الأموال، وتخفيض أسعار الفائدة، فإنها حلول تكتيكية لا تنهي أزمات الاقتصاد العالمي من ديون هائلة، وعدم مساواة، ومشكلات اجتماعية، وفي حال ظهور أي أزمة غير متوقعة بفعل تأثير “نظرية البجعة السوداء” (Black swan theory) مثل الاضطرابات الاجتماعية أو أي خلل بسبب الانتخابات الأمريكية، فسيكون الانهيار حتمياً ما لم يكن هناك مناقشة جادة لإصلاح الخلل، وهو ما حذر منه صندوق النقد الدولي في تقريره لشهر يناير (كانون الثاني) 2020″.
[1]– Коронавирус – последний акт «мировой закулисы» Бизнес Online, Профессор Катасонов. 19 Марта, https://www.business-gazeta.ru/article/461831
[2]– Этика коронавируса: человечество делится на людей «первого» и «второго» сорта? Валдай клуб, Олег Барабанов, 28.02.2020, https://ru.valdaiclub.com/a/highlights/etika-koronavirusa/
[3]– Коронавирус вместо войны: произойдёт ли становление нового мирового порядка? Валдай клуб, Андрей Быстрицкий, 16.03.2020. https://ru.valdaiclub.com/a/chairman-speech/koronavirus-vmesto-voyny/
[4]– Коронавирус vs экономика: бегство от риска или разворот к мировому кризису, Валдай клуб. Александр Лосев, 26.02.2020. https://ru.valdaiclub.com/a/highlights/koronavirus-vs-ekonomika-begstvo-ot-riska/