ما زال المختصون وحكومات دول العالم في مكافحة التطرف والتطرف العنيف، خصوصا البلدان التي تعاني من الإرهاب، تسعى جاهدة للبحث في سبل معالجة أكثر حواضن التطرف استقطاباً فيها، بالرغم من وجود الحاضنة تحت سيادة تلك الدول ألا وهي “السجون”، تستمر الحكومات والمراكز المختصة في تقديم المبادرات العديدة ونقل التجارب بين الدول؛ إلا أن المعاناة تكمن في إيجاد حل عملياتي لما تظهره النتائج من تفاوت لتلك البرامج -باختلاف مسمياتها ومقترحاتها وشواهدها- من المخرجات الإيجابية والسلبية على حد سواء.
أمريكا
تعتبر السجون في الدول الغربية حاضنة لصناعة التطرف والتحول إلى أيديولوجيات إرهابية وعنيفة، غير أن التطرف في هذه السجون يحدث في ظل ظروف احتجاز محددة. ووفقاً لوزارة العدل الأمريكية فإن عملية تبني السجناء لوجهات النظر المتطرفة، تتضمن الاعتقاد بضرورة اتخاذ إجراءات عنيفة من أجل تحقيق غايات سياسية أو دينية. وبحسب دراسة، قام بها مارك هام، الأستاذ في جامعة إنديانا الحكومية الأمريكية، فإن تطرف النزلاء في السجون يحدث نتيجة التأثير المباشر لنزلاء آخرين ولا يحدث بتأثيرات خارجية… أما أسباب تطرف نزلاء السجون، بصرف النظر عن انتمائهم الديني، فهي الإجراءات الأمنية القصوى، وضعف العملية الإصلاحية، وزيادة العصابات والعنف، وازدحام السجون، وظروف الاحتجاز، إضافة إلى أن ساحات السجون تتحول لأماكن استقطاب سياسي وديني.[1]
يقول محمد بسيوني في مقالة له[2]: إنه بقدر ما كانت تتراجع سيطرة السلطة على السجون وعملية إدارتها، كانت التنظيمات الإرهابية تجد فرصًا مواتية لنشر أفكارها في أروقة السجون بحثًا عن أعضاء جدد يبحثون عن حياة مغايرة. ومن ثم باتت السجون -في أحيان كثيرة- آلية لإنتاج أجيال جديدة من المتطرفين يتولون إعادة تفعيل المنظومة الإرهابية وتجديدها. ولعل هذا ما دفع الخبير في علم الجريمة الأمريكي “هارفي كوشنر” (Harvey Kushner) إلى افتراض تحول السجون الغربية خلال السنوات الماضية إلى إحدى ساحات التجنيد الرئيسة لتنظيم “القاعدة”. ويضيف أن الكثير من عمليات التحول الراديكالي داخل السجون ترتبط بالنموذج الكامن للسجون باعتبارها أماكن للضعف والانكشاف (Place of Vulnerability) تصور بشكل أو بآخر معاناة الأفراد الناجمة عن العزلة المجتمعية والأزمات الشخصية، فالشخص يتم إخراجه من وسطه المجتمعي المعتاد عليه، وسرعان ما يشعر بالخواء، والذي قد ينتقل في مرحلة ما، وفي ظل تجربة السجن الجديدة، إلى قابلية لتبني الأفكار المتطرفة والاستعداد للانخراط في الأنشطة الإرهابية. وتفترض الأدبيات التي تناولت صناعة التطرف والإرهاب أن السجون تشكل -في بعض الأحيان- نقطة تحول مؤلمة (Traumatic Turning Point) تدفع الأفراد إلى الخروج من مسار حياتهم التقليدي، والبحث عن سياق جديد أكثر راديكالية. وفي هذا السياق قد يكون التماهي مع المنظومة الإرهابية المتطرفة ناتجًا عن رغبة في البحث عن المعنى والهوية التي تعطي لحياة الفرد قيمة مختلفة، من وجهة نظره، لا سيما إذا كانت هذه الهوية تنطوي على اعتراض وتحدٍّ للسلطة والمجتمع، ومنح فرصة للتعبير عن المظالم المتصورة في مخيلة الفرد. ثمة جانب آخر متصل بالتحول إلى الإرهاب والتطرف داخل السجون، وهو ذلك المتعلق بالحاجة إلى الحماية المادية، ففي بعض الحالات تتسم السجون بدرجة كبيرة من الفوضوية، وهو ما يؤدي إلى نشوء كيانات موازية لتوفير الأمن، وفي هذه الحالة قد يلجأ الفرد الذي لم يكن له تاريخ متطرف معروف إلى بعض الجماعات المتطرفة كي يحصل منها على خدمة الأمن، وقد كان لهذه الفكرة تجلياتها -على سبيل المثال- في حالة السجون الغربية، وظهور ما يُعرف بعصابات السجون المسلمة (Muslim Prison Gangs) التي تقوم على أساس الانتماء الديني، وأحيانًا على أساس عرقي، وتزود الأعضاء بشعور قوي بالهوية والولاء، فضلًا عن حمايتهم من المجموعات الأخرى في السجن. صحيح أن هذه العصابات نادرًا ما تضم إرهابيين مدانين، ولا يبدو أن أعضاءها يتمتعون بفهم جيد للدين الإسلامي، إلا أنهم قد يشكلون بيئة محتملة لتطوير صيغ فردية أكثر تطرفًا، إذ إن محدودية فهمهم للدين يحتمل أن تعزز من قابلية انكشافهم للأفكار المتطرفة، لا سيما مع الصور البطولية التي تصاغ للكثير من القيادات الإرهابية على الساحة العالمية.
بلجيكا
يشير نور الدين فريضي، مدير مكتب قناة «العربية»، في العاصمة البلجيكية بروكسل، في كتاب سماه: «طريق مولنبيك الرقة: بلجيكا قاعدة داعش الخلفية» إلى أسباب جنوح شبان مسلمين أوروبيين نحو التطرف، و يصل الكاتب إلى نتيجة مهمة تتعلق “بشخصية هؤلاء الذين ذهبوا إلى سوريا لأغراض القتال… فهم يلتقون في: محدودية المستوى التعليمي، دخولهم أوساط الانحراف في عمر المراهقة، ثم السجن حيث يتم التعرف إلى فئة من الدعاة المتشددين، تعاطي نشاطات التهريب، جرائم العنف، العيش في هامش سوق العمل وانعدام الوظيفة المستمرة، عدم الإلمام بأدنى القيم الدينية، سهولة التأثير عليهم من قبل الدعاة. بعضهم كان مجرما صغيرا ووجد في السفر إلى سوريا أو العراق فرصة الانتقال إلى صفة المجرم الكبير”[3].
فعندما ذهب «بنيامين هيرمان»، إلى السجن بتهمة الاعتداء والسرقة في 2003، كان مجرد مراهق كاثوليكي من مدينة روشيفور البلجيكية، وفي مايو (أيار) الماضي وافقت السلطات على منحه خروجًا موقتًا من السجن لزيارة عائلته، كان «هيرمان» إسلاميًّا متشددًا قام خلال غضون ساعات من إطلاق سراحه بقتل اثنين من ضابطات الشرطة في مدينة لييج، واستخدم مسدس إحداهن لقتل سائق سيارة تصادف وجوده بالمكان. التحول الجذري الذي شهدته شخصية «هيرمان»، لم يكن حالة فردية أو استثنائية، فقد أصبحت سجون أوروبا مكاناً يتجمع فيه المتشددون الإسلاميون ويتبادلون فيه خبراتهم، خاصة مع إعلان وكالة الشرطة التابعة للاتحاد الأوروبي (يوروبول) عودة (1500) من مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي من مناطق الصراع في الشرق الأوسط، وملاحقة سلطات بلادهم قضائيًّا.[4]
طالب خبراء السجون بضرورة التغيير في التعامل مع قضايا التطرف في السجون. حيث إنه وعلى مر السنين عملت السجون الأوروبية على عزل مجموعات صغيرة من السجناء المدانين بالإرهاب لتجنب انتشار التفكير المتطرف بين السجناء الآخرين. فقد نوقش خلال مؤتمر عقد في بروكسل يوم الثلاثاء 27 فبراير (شباط) 2018، قضايا التطرف في المؤسسات الخاصة بالسجون في أوروبا حيث أظهرت تحقيقات أن هذا النوع من العزل يعزز الأفكار المتطرفة للأفراد… يقول جيري ماك نالي، رئيس الهيئة الأوروبية للسجون: “لا يمكننا بالضرورة تغيير ما يعتقده الناس ولكن يمكننا التأثير على كيفية محاربة تلك الأفكار وتحديد الأخطار الداهمة التي تهدد حياة الأفراد”. مراد بنشلالي سجين سابق بمعتقل غوانتانامو: أولا وقبل كل شيء، لا يعتبر السجن مكانا محايدا، فكثير ممن يقضون عقوباتهم في السجن يتحولون بين عشية وضحاها إلى متطرفين، داخل السجون، لأن الدين يسهم في دفعهم نحو التطرف، وهم بذلك يصبحون شديدي الاهتمام بمعالم الدين؛ يطرحون أسئلة بشأن ذلك، ثم يجدون أجوبة لأسئلتهم، ولو أنهم وقعوا بين أيادي أشخاص متطرفين فهنا تبدأ المشكلة.[5]
مبادرات أخرى في مكافحة التطرف داخل السجون: تجارب مختلفة
وبالنظر إلى سياسات الحكومات الأوروبية المختلفة، أشارت الباحثة الروسية “أورسوليا رازوفا” المهتمة بشؤون الدفاع الأوروبية والمنطقة الأوروبية بشكل عام، في مقال لها تحت عنوان “كيفية التعامل مع عودة المقاتلين الأجانب”، إلى أن بعض الدول الأوروبية، وذكرت بلجيكا وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا[6]، قد لجأت بشكل أكبر إلى التدابير الصلبة، ومنها “التجريم”. وتذكر الكاتبة أن هذه الحكومات قد اعتقلت أشخاصاً بتهمة الإرهاب. ولجأت أيضاً إلى تدابير من شأنها أن تلغي المواطنة المزدوجة من أجل منع عودتهم، لافتة إلى أن المملكة المتحدة قد مررت قانوناً يلغي الجنسية المزدوجة عن جميع المقاتلين العائدين. ومن جهة أخرى، هناك دول أوروبية أخرى قد لجأت بشكل أكبر للتدابير “الناعمة”؛ وذكرت رازوفا النرويج والسويد في هذا الصدد. حيث ركزت حكومات هذه الدول على إعادة دمج المقاتلين العائدين، من خلال تقديم المشورة لهم، وتوفير فرص العمل، وإقامة وتعزيز روابطهم الاجتماعية، ليصبحوا أعضاء فاعلين في مجتمعاتهم مرة أخرى. وفي الواقع، إن التدابير الناعمة وحدها لا تكفي، والتدابير الصلبة وحدها من المحتمل أن تؤدي إلى رد فعل عكسي قد يؤدي إلى تعزيز التطرف. وبالتالي فإن أفضل التدابير هي تلك التي تمزج ما بين النموذجين، وقد تراوحت سياسة بعض الدول الأوروبية في الدمج ما بين النموذجين، كألمانيا، التي تتخذ برامج فعالة تهدف لإعادة تأهيل ودمج المقاتلين العائدين في مجتمعاتهم، من أجل الحد من التطرف، وسياسات أخرى تشمل مصادرة جوازات سفر الأفراد المشبوهين وحظر المنظمات المتطرفة والتجريم وغيرها. وفي هذا الصدد، أشار “جيكوب بندسغارد” وهو ناشط بارز في برنامج “إعادة تأهيل الجهاديين” إلى ضرورة قيام السلطات المختصة بفتح حوار مع الجهاديين العائدين لمعرفة ما إذا كان الشخص قد ارتكب جرائم، وما نوعها حتى يتم التعامل مع حالته ومحاكمته، وإن تعذر إثبات قيامه بجرائم ولم يعترف بذلك، فإن على السلطات أن تبذل ما بوسعها لإعادة دمج ذلك الشخص. كما لفت “جيل دي كيرشوف”، وهو منسق الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب، إلى أنه من الصعب إثبات أن العائدين كانوا مسؤولين عن ارتكاب جرائم، ولفت إلى أن السجون تشكل بيئة خصبة للتطرف، وبالتالي يؤكد ضرورة تقويم الأخطار التي قد يشكلها العائدون، ويتم التصرف تبعاً لكل حالة. كما لفت إلى أن قلة من العائدين يخططون لتنفيذ هجوم إرهابي، إلا أن غالبيتهم قد يكونون مخذولين ويعانون من اضطرابات، وكل ما يحتاجون إليه هو “إعادة الاندماج في مجتمعاتهم”[7].
تلفت دراسة أخرى أعدها الباحثان “جورجيا هولمير”، المختصة في شؤون الإرهاب والتطرف والصراع في معهد السلام الأمريكي، و”آدريان شتوني”، وهو باحث في المعهد ذاته، إلى أن عملية إعادة تأهيل الأشخاص ودمجهم بالمجتمع تتطلب وقتاً وجهداً، نظراً لضرورة أن تكون البرامج متكررة ومستدامة، من أجل إزالة الأثر المتبقي للصدمات النفسية. وقد أشارت الدراسة إلى أن إعادة تأهيل المقاتلين الأجانب، الذين لا يزالون مرتبطين أيديولوجياً بالقضية سيكون أكثر تعقيداً وأكثر صعوبة بكثير من العائدين التائبين. ومن جهة أخرى هناك ضرورة للإبقاء على نوع من الترابط ما بين برامج إعادة التأهيل وإعادة الدمج، وبين خدمات إنفاذ القانون والاستخبارات، من أجل تقليص الأخطار التي قد تظهر في الحالات التي تعمل فيها الجهات المختصة مع أشخاص ما زالوا مرتبطين أيديولوجياً، ومن الممكن أن يلحقوا الأذى بالآخرين.[8] كما ظهرت تجارب متنوعة لمواجهة التطرف داخل السجون في بلدان أوروبية وعربية بشكل أقل، ففي ألمانيا انطلقت مبادرة مشاركة الأئمة في مكافحة الإرهاب، حيث يزور الأئمة المساجد لمقابلة السجناء والحوار معهم في كل القضايا التي تدور في أذهانهم.[9] في التجارب العربية نماذج مشابهة مثل النظم التي طبقت في السعودية، بينما توجهت التجربة المصرية نحو قيادات تنظيم الجماعة الإسلامية التي أصدرت مجموعة من الكتب تحت اسم “المراجعات”، والتي حاول فيها هؤلاء القادة مراجعة المفاهيم الأساسية للسلفية الجهادية، بما يقوض فاعليتها. وفي مقابل هذا الأسلوب الذي يعتمد على إحلال مفاهيم دينية بأخرى غيرها، جاء المشروع الألماني تحت مسمّى “شبكة منظمات مكافحة العنف”، وتتعاون في هذه الشبكة جمعيات أهلية غير ربحيّة، يعمل فيها موظفون مسلمون، وتربويون ومختصون اجتماعيون ونفسيون، على إدارة برامج تهتم بنزلاء السجون، وتتابع حالاتهم بعد خروجهم. وظهرت مبادرة بريطانية في إطار برنامج تدريبي يخوضه من هم معرضون للخطاب المتطرف، أو من المعنيين بمواجهة التطرف، وهي مبادرة بعنوان “إن كنت مسلماً ستكون بريطانيا”[10]، والمبادرة موجهة للبريطانيين المسلمين في سن المراهقة وبداية الشباب.[11]
في الجانب التونسي، تتولد المشكلة ذاتها، فقد ازدادت المخاوف من اتساع دائرة التطرف داخل السجون التونسية بعد ثبوت وقوع عمليات استقطاب داخلها وارتفاع أعداد المساجين المتورطين في قضايا إرهابية، وأرجعت المنظمات الحقوقية أسباب ذلك إلى حالة الاكتظاظ التي تشهدها السجون، حيث يختلط السجناء العاديون بالمتورطين في قضايا الإرهاب، وبدأت حملة تهدف إلى إنشاء مكتبات داخل السجون. وقد أطلقت المبادرة التونسية تحت عنوان “من حق السجين أن يقرأ”، وتهدف إلى جمع الآلاف من الكتب وتوزيعها على السجون كافة لحث المساجين على المطالعة وتنمية القراءة من أجل رفع المستوى المعرفي، وحمايتهم من كل أشكال التغرير والخداع واستغلال الجهل المعرفي. وذلك لأن السلطات المختصة وجدت مكتبات السجون تحتوي على كتب ذات محتوى ضعيف وبعضها يدعو إلى التطرف. وفي المغرب وقع تدريب الموظفين في السجون على كيفية مواجهة تطرف السجناء، حيث تعمل المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي بالتعاون مع المندوبية المغربية على تطوير دليل تدريبي حول مواجهة التطرف في مؤسسات السجن، لتمكين العاملين من معرفة تحوّل السجين نحو الفكر المتطرف[12].
تستهدف المندوبية العامة لإدارة السجون في المغرب، بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، تأهيل السجناء المدانين في قضايا الإرهاب من خلال من برنامج “مصالحة” الذي اعتمد على ثلاثة محاور أساسية، هي: المصالحة مع الذات، والمصالحة مع النص الديني، والمصالحة مع المجتمع، كمقاربة علمية تتكامل والمقاربة الأمنية الاستباقية، والتحصين الروحي ومحاربة الهشاشة[13].
أما في اليمن، فأشار محافظ حضرموت اللواء ركن فرج سالمين، في حديث سابق لمركز المسبار للدراسات والبحوث[14] إلى أن عملية التأهيل الفكري لن تقف عند البرامج التي تقدم في السجون، ولكن القيادة تعمل على توسيع العمل في هذا الإطار؛ إذ يتم العمل حالياً على مشروع كبير بالتعاون مع دولة الإمارات العربية المتحدة، يتمثل في مركز متخصص لإعادة تأهيل الموقوفين في قضايا الإرهاب، وسيشارك في هذا المشروع كبار علماء الدين وشخصيات اجتماعية فاعلة، وسيتضمن محاضرات وندوات وورش عمل تستهدف مكافحة التطرف وإعادة المنحرفين إلى جادة الصواب، كما سيتم الاستفادة بشكل كبير من برنامج “المناصحة” الشهير في المملكة العربية السعودية واستلهام خبراتهم في هذا المجال، خصوصاً وأن هذا البرنامج معروف بنجاحاته الكبيرة في مجال مناصحة المتورطين في قضايا إرهابية. وحول التجارب الناجحة التي حققها الفريق الذي يعمل على المناصحة في السجون هناك، قال اللواء فرج سالمين بأنه وقف على حالات كثيرة لأشخاص انخرطوا في برامج التأهيل وخرجوا من السجن وعادوا للمجتمع كأشخاص طبيعيين، كما أن عددا منهم قدم الكثير من المساعدة لرجال الأمن وبعضهم أصبح ضمن فريق إعادة التأهيل وساهم في مناصحة موقوفين آخرين.
في لبنان، في إطار دراسة أعدها رافاييل لوفيفر لمركز «كارنيغي للشرق الأوسط» عن الظاهرة السلفية في لبنان، يبرز دور السجون اللبنانية المكتظة، كمصانع للتطرف تنبغي معالجتها. وقد يكون العفو العام المرتقب في لبنان، مدخلاً لمثل هذا الحل، لا سيما أن هناك بعدين أساسيين لدور هذه السجون في إنتاج أجيال جديدة من السلفيين الجهاديين: الأول، يرتبط بالمعاملة السيئة داخلها والاكتظاظ الرهيب، والثاني غياب نظام لفرز السجناء وتصنيفهم.[15]
جهود مشتركة
اشترك مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ومكتب مركز مكافحة الإرهاب والمديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب في وضع مشروع بشأن إدارة الجناة المتطرفين العنيفين، والوقاية من التطرف المفضي إلى العنف في السجون. وهذا المشروع ينطوي على نشر كتيب شامل لموظفي السجون عن إدارة مخاطر التطرف في السجون، وسيبدأ في تقديم المساعدة التقنية إلى البلدان الرائدة. وتشمل الأهداف المحددة للمشروع تعزيز التعاون بين السلطات الوطنية المختصة، وتعزيز السلامة والأمن في السجون، وإسداء المشورة بشأن برامج فك الارتباط التي تتم في السجون. ولدى مكتب مركز مكافحة الإرهاب مشروع لإعادة تأهيل الأحداث في السجون في باكستان، يهدف إلى توفير التدريب المهني للأحداث الذين يُلقى القبض عليهم بتهمة أعمال عنف، حتى تتاح لهم فرص تطوير المهارات للتمكن من الحصول على الرزق ومقاومة نزعة التطرف في السجون[16].
تستمر المحاولات والجهود الدولية في تقديم المقترحات في شأن إدارة السجون بغرض منع التحول نحو التطرف والتطرف العنيف داخل السجون والتصدي لهما. ويضاف لما ذكر في هذا التقرير جهود المعهد الدولي للعدالة وسيادة القانون[17]، الذي يتخذ من مالطا مقراً له، والذي يتكون مجلس إدارته من دول عربية وأفريقية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان.
تعتبر مذكرة روما[18] لإعادة تأهيل المجرمين هي أول خلاصة وافية للقوانين الدولية غير الملزمة التي تروم تعزيز وتيسير جهود الدول لمكافحة التطرف العنيف، من خلال القضاء على نزعة التطرف في السجون. ومن المقتطفات البارزة من المذكرة [19] أنه “من غير المرجح أن ينجح (النهج الواحد المناسب للجميع)، فمعرفة ما جربته الدول الأخرى، سواء على المستوى الوطني أو المحلي، قد يكون مفيداً. إن معرفة المزيد عما نجح وما فشل وسبب نجاحه أو فشله، يمكن أن يقدم دروساً قيمة للحكومات خلال عملها على وضع برامجها أو تحسينها”. “يعتبر إدراك سبب انحراف الأفراد السجناء إلى التطرف العنيف بالغ الأهمية لتصميم برامج إعادة تأهيلهم، ويجب أن يشكل جزءاً لا يتجزأ من عملية قبول السجناء وتقويمهم. ويعتبر التقويم الدقيق والمستمر للمخاطر ولاحتياجات الأفراد عنصراً مهماً في إعادة التأهيل”. “في حالات الإرهاب الذي يُدّعى أنه بدوافع دينية، يملك عدد من المتطرفين المسجونين الذين يستشهدون بالدين على أعمالهم فهماً سطحياً للدين الذي يُفترض أنهم يستلهمون منه أعمالهم. ويمكن تشجيع علماء الدين المدربين بشكل جيد على الانخراط في حوار شامل مع السجناء، ومن الممكن أن يثيروا الشكوك بشأن آرائهم الخاصة بمقبولية استخدام العنف”. “استماع السجناء المتطرفين الذين يستخدمون العنف لما لعنفهم من تأثير مأساوي على المواطنين العاديين من فم الضحايا أنفسهم، قد يحدث تغييرا في عقلية هؤلاء السجناء. وعلاوة على ذلك، يمكن لحوار يُجرى بين السجناء والضحايا ومناصري الضحايا أن يقلص التوتر النفسي، وربما يسهم في نجاح إعادة تأهيل السجين”. “تكمن التحديات في تجاوز مجرد إدراك نواحي الاختلاف والتشابه والتسليم بها، إلى تحديد واختيار قواعد العمل الرئيسة التي يمكن اقتباسها وتطبيقها عبر السياقات، والتي يمكن أن تكون مفيدة من أجل تطوير وتنفيذ مبادرات إعادة التأهيل المستقبلية”[20].
[1] – إنفوغرافيك.. السجون وصناعة التطرف، سكاي نيوز عربية، 4 أبريل (نيسان) 2017:
https://www.skynewsarabia.com/world/937759-إنفوغرافيك-السجون-وصناعة-التطرف
[2]– الانكشاف للتطرف: دوافع تحول السجون من آلية للضبط إلى تجنيد الإرهابيين، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 2 أبريل (نيسان) 2018:
https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/3830/الانكشاف-للتطرف-دوافع-تحول-السجون-من-آلية-للضبط-إلى-تجنيد-الإرهابيين
[3] – وكر التطرف في القارة البيضاء.. كيف أصبحت «بلجيكا» القاعدة الخلفية لتنظيم داعش الإرهابي في أوروبا؟، الأهرام العربي، 5 أغسطس (آب) 2018:
http://arabi.ahram.org.eg/News/120396.aspx
[4]– أحمد لملوم، سجون أوروبا.. مراكز تجنيد وصقل مهارات الإرهابيين، المرجع، 28 يوليو (تموز) 2018:
http://www.almarjie-paris.com/2839
[5] – هل من الممكن القضاء على أسباب التطرف داخل السجون؟ يوربنيوز، 27 فبراير (شباط) 2018:
http://arabic.euronews.com/2018/02/27/dealing-with-radicalisation-in-a-prison-and-probation-context-
[6] – قال رئيس الوزراء الفرنسيّ إدوار فيليب: إنّ الحكومة تعتزم فتح (1,500) مقر جديد في العنابر المخصّصة شديدة الحراسة لعُتاة الرّاديكاليّين في عدّة سجون في كافّة أنحاء البلاد، بما يشتمل على (450) منها قبل نهاية العام الحالي. وسيتم أيضاً تدريب المعلّمين على تحديد هويّة المراهقين المُرَدكلين، وإغلاق المدارس الخاصّة التي يشتبه في أنّها قد أصبحت تربة خَصْبة للإسلام الراديكاليّ.
Noemie Bisserbe, France Cracks Down on Islamic Extremism in Prisons and Schools, The Wall Street Journal (WSJ), 23 Feb 2018:
https://www.wsj.com/articles/france-cracks-down-on-islamic-extremism-in-prisons-and-schools-1519399585
[7] المصدر السابق.
[8]– جمانة مناصرة، كيف تتعامل الحكومات الغربية مع عودة المقاتلات الأجنبيات إلى بلادهن؟، مركز المسبار للدراسات والبحوث، 2 فبراير (شباط) 2018:
https://www.almesbar.net/كيف-تتعامل-الحكومات-الغربية-مع-عودة-ال/
[9] – السجون من حاضنة للمتشددين إلى رادعة للتطرف، العرب، 3 يونيو (حزيران) 2016:
https://alarab.co.uk/السجون-من-حاضنة-للمتشددين-إلى-رادعة-للتطرف
[10] – من التدابير التي أعلنت عنها الحكومة البريطانية أنه سيتم العمل بثمانية تدابير جديدة، من بينها تعزيز السيطرة على رجال الدين وممارسة الشعائر، بالإضافة إلى إعادة النظر في تدريب موظفي السجون، وحظر الكتابات المتطرفة.
بريطانيا تكافح «التطرف» داخل السجون، الراي ميديا ديجيتال، 22 أغسطس (آب) 2016:
http://www.alraimedia.com/Home/Details?id=5d41c429-a411-46e3-91e3-2767ddf9a35a
[11] المصدر السابق.
[12]– المصدر السابق.
[13]– محاصرة التطرف داخل السجون.. الدولة تستعين بخريجي برنامج “مصالحة”، تيليكول عربي، 28 يناير (كانون الثاني) 2018، الرابط المختصر:
https://bit.ly/2O3eFry
[14]– في حديث لـ”مركز المسبار” حول إعادة تأهيل المتطرفين الموقوفين، مركز المسبار للدراسات والبحوث، 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017:
https://www.almesbar.net/في-حديث-لـمركز-المسبار-حول-إعادة-تأهي/
[15] – رافاييل لوفيفر، مركز «كارنيغي»: السجون في لبنان مصانع للتطرّف وللسلفية الجهادية، الحياة، 29 مارس (آذار) 2018:\
http://www.alhayat.com/article/924522/مركز-كارنيغي-السجون-في-لبنان-مصانع-للتطرف-وللسلفية-الجهادية
[16] – العدالة ومنع التطرف في السجون، المؤتمر الرفيع المستوى لمكافحة الإرهاب، الأمم المتحدة:
http://www.un.org/ar/counterterrorism/hlc/justice-and-the-prevention-of-radicalization-in-prisons.shtml
[17]– جهود التصدي للتطرف داخل السجون – اجتماع الخبراء، المعهد الدولي للعدالة وسيادة القانون، 13 ديسمبر (كانون الأول) 2016:
https://theiij.org/ar/events/جهود-التصدي-للتطرف-داخل-السجون-اجتم/
[18] – مذكرة روما الخاصة بالممارسات الجيدة لإعادة تأهيل ودمج المجرمين، المتطرفين المستخدمين للعنف، جلوبال كونترتيروريزيم فورم GCTF:
https://toolkit.thegctf.org/Portals/1/Documents/Ar/Rome-Memorandum-ARA.pdf
[19]– روما مذكرة، GCTF:
https://toolkit.thegctf.org/ar/إعادة-التأهيل-والدمج/التفاصيل/id/70
[20] – المصدر السابق.