(1)إبراهيم أمين نمر
يُقصد بمصطلح (الذئاب المنفردة) أولئك الذين يُقدِمون على تنفيذ هجمات فردية، دون قيادة مركزية لها، يبدؤون بتأثرهم بأفكار متطرفة وعنيفة، ويختتمونها بأعمال إرهابية. نضيف عليها: سواء كان تأثير تلك الأفكارعقائديًا أم قوميًا، حسب تصورنا في هذا المقال.
كثيرًا ما يربط باحثون المصطلح باعتباره جزءًا من منظومة أو خلية تقودها المركزية بتوجيهات صدرت عن (القاعدة/ داعش)، تم تجهيزها لعملية الاندماج الوهمي المجتمعي يكون فيها الهدف المجتمعات الغربية لتنطلق إليها تلك الذئاب لتنفيذ هجمات مستغلين ثغرات قوانين اللجوء في بعض تلك البلدان، ليصبحوا من طلبة اللجوء فيها، بل والحاصلين على امتيازاتها في الغالب، أو زائرين، أو قد يكونون من مواطنيها ممن تبنوا أفكارًا متشددة، ومستعدين للانخراط بأعمال إرهابية، وتعرف إما بـ “الخلايا الناشطة” وهي عادة مكشوفة للأجهزة الأمنية ويجري التعامل معها، أو “الخلايا النائمة” ويكون فيها الأشخاص بعيدين عن أي شكوك في استعدادهم للقيام بأعمال عنفية لما يتميزون به من “هدوء” و”اتزان” في الوسط الاجتماعي الذي يعيشون فيه، وبعيدين عن أعين الرصد. على الرغم من ذلك ما زلنا لم نضف صفة “المنفردة” إلى تلك الذئاب البشرية.
يعتبر باحثون “الذئاب المنفردة” جزءًا من خريطة أوسع لما يعرف بـ”الخلايا النائمة” مثل الكاتب والباحث المصري إميل أمين، فيما يخبرنا الباحث الدكتور محمود البازي أن المصطلح قد شاع عام 1990 “حين دعا العنصريان الأميركيان ألكس كيرتس وتوم متذغر، الخلايا الفردية والصغيرة، إلى العمل تحت الأرض، وبسرية تامة، بدلاً من العمل كمنظمات كبيرة فوق الأرض تعمل وتنشر الإرهاب” حسب ما قرأناه في صحيفة الشرق الأوسط. وهو يمثل هنا حسب التقسيم أعلاه ما نتصوره حول الذئاب المنفردة المرتبطة بالفكر القومي، لكن في حالة البازي سنجد انسلاخا لحالة الفردية عنها فهناك عمل جماعي، وهدف أكبر من المصلحة الخاصة. لذا لا ينطبق ذلك على “الذئب المنفرد”.
أما في حالة الذئاب “المنفردة” المرتبطة بالفكر العقائدي، فإنه يختلط على الباحثين أنفسهم التفريق بين المقاتلين العائدين، وأولئك الموجّهين لتنفيذ عمليات باعتبارهم ذئابًا “منفردة”. وفي المصطلح الأول هو ليس موضوع بحثنا.
الذئب “المنفرد” وما يرتبط بطبيعته الغريزية في الفطرة الحيوانية في اختيار طريدته واصطياده لها وفق أساليبه التي تعلمها من القطيع وطوّر عليها أدواته في الغابة بمعزل عن حلقات الاتصال التي تمايز “فردانيته” –تتمثل هنا في دخول “الجنة” وحصوله على “حور عين” محققًا تلك الفردانية بتقاطعها مع اعتبارات “الجماعات الإرهابية” مثل حلم دولة الخلافة، العنف أداتها- عن “القطعانية الجمعية” التي شكلها حلم الخلافة لأولئك الحالمين فيها، متخطين بعنفهم الجمعي الأعراف والقوانين الإنسانية والدينية كافة ما دام ذلك يتوافق مع مرادهم.
على الرغم من أن مصطلح “الذئاب المنفردة”، ما زال يُطلق حتى اللحظة، لم تشهد الأحداث الإرهابية في الدول الغربية حالة واحدة ممن نفذ عملاً إرهابيًا أو ألقي القبض عليه إلا وتبين لاحقًا ارتباطه فيما بعد بجماعات إرهابية تكفيرية (بعد بيعة قد أتمها أو ساعة صفر مقدرة تتركها قياداتهم كداعش، للمنفذين منعًا من كشفها أو وقوعها بيد أجهزة أمنية واستخباراتية)، أو تجد الجهات الأمنية مؤثرين آخرين ممن ساهم وساعد في تقديم العون لمن أبدى ميولاً واستعدادًا وتأثرًا بتلك الأفكار، بل وقدموا المساعدات والتسهيلات التي قد يحتاجها معنويًا أو ماديًا. لذا فإن التعريف الذي قدّمناه في بداية المقال وفق هذا الشاهد أصبح منسوفًا كونه “منفردًا”.
فكان أهم من أشار إلى هذا الواقع -حسب ما أشارت له صحيفة الشرق الأوسط- البروفيسور جيتي كلاوسن، أستاذ التعاون الدولي في جامعة برندس، الذي يعمل في مركز الدراسات الأوروبية في جامعة هارفارد، في مقال له عبر مجلة «فورين آفيرز» الأميركية تحت عنوان «لا مزيد من الذئاب المنفردة»، وعنده أنه بعد سنوات من القلق مما يطلق عليه «الذئب المنفرد الإرهابي»، “اتضح أن الإرهابيين الخطرين حقاً لا يفترقون، فالتركيز العالي من الانتحاريين المستعدين للتفجير والقتل العشوائي في حي صغير واحد، يمكن فهمه عبر النظر إلى الخطر الإرهابي كفيروس اجتماعي ينتشر عبر عملية عدوى معقدة”.
كنا قد أسمينا –سابقاً- ما يصفه كلاوسن بعملية العدوى المعقدة بمصطلح “متلازمة الإسناد”(2) الإعلامي، الاجتماعي، العقائدي، القومي، الذي يمثل محرك ذلك التفاعل لتصبح عدوى اجتماعية قائمة على الجمعية لا على الفردانية.
إصدار “تنظيم داعش” «استراتيجية الذئب المنفرد» والتي كتبها أحد عناصره ويكنى بـ«أبو أنس الأندلسي» والذي نشر في أغسطس (آب) 2015، كان خير دليل على عدم انفصال الذئاب (المنفردة) عن قطيعها توجيهيًا وإن ابتعدت المسافات، وصعبت فيها الاتصالات، ما دام أن الخطط رسمت والنيّة عقدت. والاستراتيجية روّجت.
فـ”لا مزيد من الذئاب المنفردة” بعد اليوم.
(1) باحث وإعلامي، عضو هيئة التحرير بمركز المسبار للدراسات والبحوث بدبي.
(2)إبراهيم أمين نمر، دراسة “داعش والإصدارات المرئية”، كتاب “الميديا الجديدة والعنف المقدس”، دبي، مركز المسبار للدراسات والبحوث، مارس (آذار) 2015، العدد 99، ص251.