عبدالله حميد الدين∗
تمثل زيارة الملك سلمان للأزهر الشريف واستقباله البابا تواضروس منعطفاً مهما، ونقطة انطلاق جديدة لأجل نشر الاعتدال والتسامح في المنطقة. ويمكن القول: إن ذلك نواة لتكوين مثلث تسامح واعتدال قائم على أساس المصالحة والتعاون بين كل من مؤسسات الإسلام السني ومؤسسات الإسلام الشيعي ومؤسسات المسيحية العربية. إنَّ الخطوة الكبيرة التي تمت في مصر وضعت حجر الأساس لتلك المصالحة والتعاون. فالملك سلمان حين استقبل البابا تواضروس أرسل رسالة واضحة لمؤسسات الإسلام السني بخصوص ضرورة التسامح والتعايش بين الإنسانية بقطع النظر عن دينها. وكان لذلك الاستقبال قيمة خاصة لأنَّ رسالة الملك سلمان ستصل بشكل أساسي لمؤسسات الإسلام السلفي، التي تُعتبر الأكثر تشدداً فيما يخص التسامح والتعايش. وأتوقع في هذا الصدد أن يقوم الملك سلمان بثلاث خطوات مهمة لإكمال أسس هذا المثلث الحيوي. الخطوة الأولى: تكرار توجيهاته الحازمة لعلماء المملكة بالكف عن نشر الفتاوى والآراء التي تثير الطائفية، أو تعزز كراهية أتباع الأديان الأخرى. والخطوة الثانية: العمل على دعم المؤسسات الشيعية العربية، والخطوة الثالثة: توسيع دائرة المسيحيين في هذا المثلث بضم مسيحيي العراق ولبنان وسوريا والأردن وغيرهم من مسيحيي الوطن العربي. وباكتمال هذه الخطوات سيكون الملك قد أسّس لواقع جديد في العلاقات الإنسانية بين أتباع الأديان والمذاهب في المنطقة، بل في العالم.
وقد كانت زيارة الملك سلمان للأزهر الشريف وتقديم دعمه الكامل لأعمال الأزهر الشريف خطوة ضرورية. فلا يمكن لمثلث الاعتدال والتسامح أن يسفر عن مصالحة وتعاون بين أتباع الديانات جميعاً ما لم يحصل تعاون وثيق وتقارب عملي بين المؤسسات الدينية السلفية والمؤسسات الدينية الأشعرية، واللذين يمثلان معاً جناحي الغالبية الساحقة من المسلمين، بل من الناحية العملية والسياسية يمثلان جناحي الإسلام. فالأزهر الشريف مؤسسة دينية تحظى بشرعية واسعة في العالم الإسلامي، وتمتلك عديد الشبكات الحيوية، ممثلة في المدارس التي يرعاها الأزهر في العالم، وآلاف المشايخ الذين يتبعونه، وعشرات الآلاف من الطلبة الذين يدرسون لديه. ومؤسسات الدين السلفية الموجودة في السعودية أيضاً تحظى بشرعية واسعة في العالم الإسلامي، ولديها كذلك شبكة واسعة مكونة من آلاف العلماء والطلبة. فضلا عن التمويل الكبير الذي تناله من مختلف المتبرعين، وأيضاً من الميزانيّات الرسمية المخصصة لها. وإلى الأمس هناك تنافس شرس وغير مقبول بين مؤسسات الدين الأشعري ومؤسسات الدين السلفي. تنافسٌ شغلها وصرفها عن العمل لأجل خدمة المسلمين، وجعلها كيانات تعمل –فقط- لأجل زيادة أتباعها ومحاربة أتباع غيرها. والأسوأ من ذلك أنَّ هذه الخلافات شكّلت الفراغ الذي نمت فيه كافة أشكال التطرف والتشدد والتكفير والإرهاب وكراهية الآخرين. وأظن أنَّ الآثار السيئة للتنافس بين السلفية والأزهر على العلاقات بين المسلمين، وعلى العلاقات بين المسلمين وغيرهم هو ما حدا بالملك سلمان لزيارة الأزهر بنفسه، وعدم الاكتفاء بإرسال كبار علماء السلفية للأزهر. لقد ذهب بنفسه وقدّم باسم المملكة الدعم السخي لمشاريع الأزهر لكي يكون بمثابة إعلان وبيان منه للمسلمين، ولبعض المترددين من السلفية، أنّه حان –فعلاً- وقت تجاوز هذه الخلافات، وحان الوقت للعمل معاً فيما يحقق المقاصد العليا للدين، والتي على رأسها العيش بسلام ومحبة واستقرار.
لا شك أنَّ الأمر سيتطلب أكثر من زيارة أو استقبال لرموز دينية. وأنَّه لا بد من قرارات حازمة وشاملة وعمل دؤوب. فكما قلت أولاً: لا بد من إكمال المثلث بضم الشيعة العرب، أو لتوسيعه بضم بقية المسيحيين العرب. أيضا لا بد من مقاومة الأصوات الرافضة للمصالحة بين المسلمين أنفسهم، أو بين المسلمين وغيرهم. هذه الأصوات اعتاشت على الفرقة وتسيّدت بسبب الخلاف، وهي -لا شك- ستحاول مقاومة هذا بشتى الطرق المباشرة وغير المباشرة. ولكن الأهم من كل شيء هو تكثيف التفاعل بين دعاة الألفة وبين الأغلبية الصامتة من المجتمع، التي طالما رفضت خطابات التطرف ولكنّها لم تجرؤ أو لم تتحمس لإعلان رفضها. ربما لأنها لم تجد نموذجاً تحذوه. اليوم وُضعت نواة هذا النموذج، وعلينا الآن إيصاله لهم ليكون مظلتهم التي يلجؤون إليها كلما حاول المتطرفون تمزيق وحدتنا.
∗ باحث سعودي، وعضو هيئة التحرير في مركز المسبار للدراسات والبحوث.