يسرنا في مركز المسبار للدراسات والبحوث في دبي، نشر أعمال المؤتمر الدولي الثالث: «المصادر التاريخية لمسيحيي الشرق الأوسط»، الذي جاء ثمرة شراكة مع «المركز الثقافي الفرنسيسكاني للدراسات القبطية». انعقد المؤتمر في الفترة من 15-17 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 في القاهرة، وشارك فيه مجموعة من الباحثين والأساتذة الجامعيين من دول عدة، من بينها: المملكة العربية السعودية، مصر، ليبيا، لبنان، إيطاليا، النمسا، المجر، أميركا، ودول أخرى، أتوا من دياناتٍ وثقافاتٍ عدة، جمعهم البحث العلمي.
قام المؤتمر على خمسة محاور: أولها: كتابات المؤرخين والمستشرقين والرحّالة؛ التي عكست التاريخ وتداخل الثقافات فيه ومصادرها، والثاني: الشخصيات المسيحية المؤثرة في مجتمعاتها؛ والتي امتد أثرها إلى «الآخر»، والثالث: التأثيرات الفنية والمعمارية المتبادلة بين مسيحيي الشرق الأوسط؛ التي عكست أنماط العمران وفنونه، والرابع: بحث الحياة الاجتماعية والاقتصادية بوصفها مساحةً للالتقاء ولروايةٍ شفاهية للتاريخ، والمحور الأخير؛ درس التراث الديني الشعبي.
تُبيِّن دراسة مصادر تاريخ المسيحيين في المشرق العربي وشمال أفريقيا وشبه الحزيرة العربية؛ الأهمية العلمية التي يختزنها التراث بأنواعه وميادينه؛ ففي الجزء التاريخي المكتوب طُرِحت ست أوراق: «المجامع السريانية: مصادر كنسية تاريخية»، «حروب الفرنج (الصليبية) في المصادر القبطية والسريانية»، «التراجمة ونشاطهم السياسي والاقتصادي في العصر المملوكي»، «المخطوطات القبطية والعربية خلال القرنين الثاني والثالث عشر الميلادي»، «المسيحية في الجزيرة العربية بين القرنين الرابع والسادس الميلادي»، «مملكة المسيحيين العرب.. اللخميّون والغساسنة بين روما وفارس»، و«مصادر دراسة تاريخ مسيحيي مدنية طرابلس الغرب خلال العهد القرمانلي (1711-1835) ».
تناولت أعمال المؤتمر شخصيات مسيحية بارزة، كان لها تأثيرات أدبية ودينية لافتة في التاريخ القديم والمعاصر، بعضها كان جسر تواصل ثقافي وديني، وصل إلى صناعة الحدث والتأثير فيه، برز منها: «قسطا بن لوقا: المسيحي العربي صاحب الدليل الصحي الأول للحج إلى مكة»، و«فرنسيس الأسيزي وتأثيره في أوروبا والشرق الأدنى»، و«الراهبة هندية (حنة عجيمي)» وهي شخصية محورية في تاريخ الكنيسة المارونية في القرن الثامن عشر، و«يواكيم مبارك» أحد أهم روّاد الحوار الإسلامي- المسيحي في المجال الإبراهيمي. أما في مجال التأثيرات الفنية والمعمارية غطى المؤتمر«رعاة الفن القبطي في مصر: إبراهيم وجرجس الجوهريان».
في محور المستشرقين والرحّالة، دُرِّس مخطوط رحلة «إيجيريا» إلى الأراضي المقدسة، بما يوفره من معلومات جيدة وغنية للدارسين، المهتمين بالطبوغرافيا الدينية.
تضمن محور التراث الديني الشعبي: «العادات الشعبية وقوانينها في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية»، «موالد القديس جرجس في مصر: العادات والطقوس»، «هروب العائلة المقدسة إلى مصر في الأدب الشعبي المسيحي»، «أقباط مصر وعاداتهم كما رواها الباحث البريطاني ليدر» (1865-1930)، وأخيراً «مولد القديس برسوم العريان في المعتقدات الشعبية».
يقدم هذا الكتاب قيمة إضافية للمكتبة العربية، لا سيما في سياق فهم التراث الديني المسيحي ومصادره، الذي يحتاج إلى مزيد من الدرس والتحليل، خصوصاً في المجال المرتبط بالتقاليد والتدين الشعبي والشخصيات الدينية المؤثرة في صناعة الحوار والعيش المشترك بين أبناء الديانات.
ختاماً، نتوجه بالشكر لكل الباحثين المشاركين في المؤتمر؛ ونخصّ بالذكر القائمين على «المركز الثقافي الفرنسيسكاني للدراسات القبطية»؛ وعلى رأسهم الأب ميلاد شحاتة، منسق التعاون، والزميلة ريتا فرج التي أشرفت على إخراج هذا الكتاب، ونأمل أن يستمر العمل بيننا في مضمار رفع الوعي المعرفي.
رئيس التحرير
عمر البشير الترابي
