ظهر العقيد طارق صالح، ابن شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، أخيرا على رأس قوة عسكرية – يربو عددها كما أعلن على زهاء عشرة آلاف فرد – مقاتلة في جبهة الساحل الغربي لليمن. وجاء الظهور بعد أشهر من الأعداد لهذه القوة العسكرية التي يتكون معظم قوامها من منتسبي الحرس الجمهوري وقوات الحماية الخاصة التي كان يقودها سابقا – قبل ٢٠١٢ – وجرى إعادة تشكيلها وتجهيزها اليوم بدعم مالي وتسليحي ولوجستي من دول التحالف.
وقد أثار عند هذه اللحظة على سطح مشهد الصراع العسكري والسياسي الراهن في اليمن العديد من التساؤلات الشائكة، التي تتمحور في مجملها حول خلفيات وأهداف هذا الدور العسكري الجديد لطارق صالح، وحظوظه هذه المرة في إحداث تغيير فعلي في ميزان/ خارطة القوى العسكرية القائم على الأرض، وحول طبيعة الخط السياسي الذي يمثله أو المشروع السياسي الذي يتبناه في ضوء حالة اللايقين التي يمر بها المؤتمر الشعبي العام في هذا الوقت، وصولاً الى بعض تساؤلات حول آفاق الدور المحتمل لطارق صالح في مستقبل المشهد السياسي اليمني.
وفي محاولة للوصول إلى الإجابات الأكثر معقولية لهذه التساؤلات وغيرها، بالارتكاز إلى معطيات الواقع، وما أفضت إليه حتى الآن حركة الأحداث الجارية في اليمن منذ أكثر من ثلاث سنوات، وما يمكن أن تفضي إليه تطورات الأحداث في الفترة القادمة، بعيداً عن صخب التهويل والتهوين الذي تعج به وسائل الإعلام حول الدور الذي يقوم به طارق صالح هذه الأثناء.. نسلط الضوء على بعض الزوايا والتشعبات ذات الصلة في مشهد الصراع القائم في اليمن.
في الخلفيات والأهداف
بالتأمل في سياق الأحداث الجارية في الساحة اليمنية منذ عام 2011 وحتى اليوم، بكل تراكماتها وتشعباتها المحلية والإقليمية، وربطها بطبيعة وتوقيت الدور الذي يقوم به طارق صالح اليوم بدخوله خط المواجهات العسكرية الآن في جبهة الساحل الغربي، نستنتج أن خلفيات وأهداف هذا الدور لها جانبان اثنان :
الأول: أنه يمثل امتداداً مباشراً لأحداث ديسمبر (كانون الأول) 2017 التي اندلعت حينها بين حلفاء الأمـس (حركة أنصار الله من جهة، والرئيس السابق الراحل علي عبدالله صالح) والتي كان لطارق صالح –كما أضحى معروفاً– دور محوري فيها، إن في جهة دوره “المؤثر” في إقناع عمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام بفض التحالف/ الشراكة مع أنصار الله وإعلان المواجهة معهم، أو في قيادة المواجهات المسلحة التي دارت رحاها في أجزاء من العاصمة صنعاء، والتي كما هو معلوم أفضت حينها إلى مقتل عمه الرئيس السابق، وتم حسمها لمصلحة أنصار الله، بينما أمكنه النجاة منها بأعجوبة.
أماالجانب الثاني في خلفيات هذا الدور العسكري الجديد لطارق صالح، فإنه يندرج ضمن تداعيات أحداث عام 2011 (ما سمي بالربيع العربي) الذي كان في طليعتها -كما هو معلوم- حزب الإصلاح (فرع الإخوان المسلمين في اليمن) والتي أدت بالنتيجة إلى خروج الرئيس السابق علي عبدالله صالح من سدة الحكم.
وفي هذا الإطار يظهر أن من أهم الأهداف “المرحلية والاستراتيجية” لهذا الدور تتمثل في:
- السيطرة العسكرية على أكبر عدد ممكن من المناطق –إن في محافظة الحديدة أو في محافظة تعز- الواقعة حالياً تحت سيطرة أنصار الله، وعدم انتقالها إلى سيطرة حزب الإصلاح.
- في حال نجاح هذه القوة العسكرية بقيادة طارق في إحداث تغيير واضح في ميزان القوى القائم الآن على أرض الواقع في الساحة اليمنية، يمكن أن يُصار إلى التعامل مع هذه القوة العسكرية كنواة لجيش يمني جديد.
بين المشير حفتر والعميد طارق
لا شك أن النموذج الليبي المتمثل في القوة العسكرية التي جرى تشكيلها وتجهيزها في ليبيا بقيادة المشير خليفة حفتر، والنجاح الذي أمكنه تحقيقه حتى الآن في تغيير ميزان القوى القائم على الأرض في الساحة الليبية.. كان هو النموذج المُلهم لفكرة دعم العميد طارق صالح في تشكيل وتجهيز هذه القوة العسكرية التي دخلت أخيراً تحت قيادته خط المواجهة في جبهة الساحل الغربي لليمن.
ويبدو أن هذا الأمر قد جرى بالاستئناس بوجود بعض أوجه التشابه/ القواسم المشتركة بين الحالتين، بينما وكما هي طبيعة الأشياء في أحوال كهذه، يوجد أيضاً بين الحالتين بعض أوجه الاختلاف التي يصعُب تجاهلها.. ومن بين ما يوجد في كفتي التشابه والاختلاف هذه:
في أوجه التشابه
- أن كلا الرجلين (حفتر وطارق) ينتميان إلى المؤسسة العسكرية الرسمية التي كانت قائمة في كلا البلدين، وسبق لكل منهما أن تقلد مواقع قيادية في هرم المؤسسة العسكرية في بلده، وبالتالي فهما ليسا من الضباط المغمورين، إلى جانب توافر الدافع لدى كل منهما للقيام بهذه الأدوار بصرف النظر عن اختلاف الأسباب المنشئة لهذا الدافع عند كل منهما.
- إن أكثرية المنضويين في قوام هذه القوات العسكرية التي بقيادة حفتر في ليبيا، والتي بقيادة طارق في اليمن، هم من ضباط وأفراد الجيش السابق في البلدين.
- بالنسبة للدول العربية الداعمة لقوات حفتر في ليبيا وقوات طارق في اليمن، فإن هذا الدعم يندرج ضمن حساباتها للمشهد الكلي للصراع القائم في عموم المنطقة العربية.
في أوجه الاختلاف
- العمر العسكري والسياسي للمشير حفتر الممتد إلى خمس وسبعين سنة.
- تحرر حفتر من وزر فترة حكم القذافي الطويلة.
- إن ميزان القوى العسكري والسياسي القائم في ليبيا مكون من طرفين رئيسين اثنين فقط.
- ما تمثله مصر بالنسبة لحفتر كظهير جغرافي متصل بشكل مباشر بالمناطق التي توجد فيها قوات حفتر، في إطار دورها ضمن الدول العربية الداعمة لقوات حفتر.
الآفاق المستقبلية المحتملة لدور طارق
بالانتقال إلى محاولة استشراف الدور المستقبلي المحتمل لطارق صالح في المشهد اليمني القادم، في ضوء معطيات الواقع القائم وما أفضت إليه حتى الآن حركة الأحداث الجارية في الساحة اليمنية بكل تداعياتها وتشعباتها.. يمكن القول: إن تقدير الدور المستقبلي لطارق صالح في المشهد اليمني القادم مرتبط بمجموعة من العوامل، منها:
-
- ما يمكن أن تفضي إليه تطورات الأحداث على الجانب العسكري في الفترة القادمة على خلفية الغارة الجوية للتحالف التي أودت بحياة الأستاذ صالح الصماد في مدينة الحديدة منتصف أبريل (نيسان) المنصرم.
- مدى قدرة القوة العسكرية بقيادة طارق في إحداث تغيير واضح في ميزان القوى القائم اليوم على الأرض.
- تحديد الخط السياسي الذي يمثله الدور الراهن لطارق أمام حالة اللايقين التي يمر بها المؤتمر الشعبي العام في هذه المرحلة.
- طبيعة الخيارات المتاحة أمام طارق في التحالف مع أي من القوى السياسية الفاعلة اليوم في الساحة اليمنية.
- ولهذا الحدث وهذا الحديث بقية…
- مطهر لقمان
- 29 أبريل (نيسان) 2018