في ضوء أزمة تفشي وباء (كوفيد– 19)، وما نتج عنه من خوف وهلع، وآمال وتطلع من شعوب العالم كافة في أن يجد العلم لقاحاً أو علاجاً يُنهي هذه المعاناة، خرج محمد عبدالمجيد الزنداني، نجل الإخواني اليمني عبدالمجيد الزنداني، ليعلن من تركيا، حيث يقيم هناك، اكتشافه لعلاج جديد يقضي على الفيروس في أقل من (72) ساعة، وأنه في طور إنتاجه بعد الحصول على الموافقات الرسمية! يقول محمد الزَّنداني في تغريدة له: “بعد إلحاح الكثير من الأصدقاء عليّ بالسؤال عن مسألة التوصّل للقاح خاص بعلاج كورونا، فإننا بفضل الله وتوفيقه قد توصلنا لعلاج ناجع يقضي على الفيروس وعلى أعراضه في فترة لا تتجاوز (72) ساعة”، يساعده في الاكتشاف أخوه عبدالله الزنداني.
لم يأت هذا الهوس للأبناء من فراغ، إنما بحكم الوراثة، فالأب عبدالمجيد بن عزيز الزنداني، سياسي إخواني وداعية يمني، ومؤسس جامعة الإيمان باليمن، وما تسمى الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرِآن والسنة، ورئيس مجلس شورى حزب التجمع اليمني للإصلاح، وأحد قادة جماعة الإخوان المسلمين في اليمن[1]. للزنداني الأب باع طويل في ادعاء صنع وصفات طبية مبنية -كما يدعي- على “الإعجاز العلمي في القرآن والسُنّة” وقد ادعى سابقاً أنه وضع “علاجاً” لمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، حين أعلن عن التوصل لهذا “العلاج” عام 2004.
وبعد تزايد الضغوط عليه للكشف عنه، تحجج بضرورة إجراء تجارب سريرية قبل طرحه بالأسواق، وبعد مرور أربع سنوات أعلن نجاح التجارب السريرية[2]، رافضاً إعلان الوصفة الطبية، ومتذرعاً بضرورة تسجيل براءة اختراعها حتى لا تضيع عليه حقوقه، واستغلال الغرب لمنجزه الطبي دون الإشارة إلى أنه اُختراع على يد مسلم، وظل يراوغ حتى عام 2012، عندما أعلن تسجيل براءة “اختراعه” في المنظمة العالمية للملكية الفكرية أو ويبو ( (WIPO التابعة للأمم المتحدة[3] إلا أنه لم يقدم أي شهادة معتمدة تدعم هذا الادعاء، وبعد البحث والتقصي ظهرت براءة المنظمة من صدور أي براءة اختراع لهذا “المنتج”!
مع مرور الوقت، وطول الانتظار، وعدم ظهور هذا الدواء الشافي من الإيدز، خرج الزنداني ليؤكد من جديد وجوده، وأن وصفة العلاج مبنية على أحاديث نبوية شريفة، وعندما سُئل عنها، ردّ بأنها سر يحتفظ به لنفسه؛ حتى لا تحصل الشركات الغربية على الأسرار العلمية الواردة في هذه الأحاديث التي يجهلها كل المسلمين، وخُفيت عنهم، وتفرد وحده بمعرفتها[4]، وحتى كتابة هذا المقال في أبريل (نيسان) 2020، أي بعد مرور ستة عشر عاماً لم ير هذا “العلاج” النور!
ربما لو لم تكن مقاطع الفيديو التي تحدث فيها الزنداني، عن “اكتشافاته الطبية” متوافرة، لكان من الصعب بل من المستحيل تصديق هذه الروايات، ولتم وضعها في خانة الافتراءات عليه. فاكتشافاته غطت مجالات الطب كافة، ولم تتوقف عند الإيدز. بل شملت أنواع السرطان، وغيرها من الأمراض؛ وعلى خطى والدهم يمضي الآن الأبناء من مقر إقامتهم في مدينة إسطنبول.
هل هي حالة فردية؟!
سوّق الدكتور زغلول النجار، وهو مصري، لنظريات بالعلوم الطبيعية لعلماء غربيين غير مسلمين، ثم حاول تطويعها مع آيات قرآنية، لتأكيد أسبقية الإسلام عبر القرآن الكريم في التوصل إليها. وقد وجدت هذه المحاولات تأييداً كبيرًا، وشعبية جارفة من المحبين. ولكن على الرغم من جاذبية الموضوع عند طرحه في بدايته، وتحقيقه لجماهيرية واسعة، لكنه تحول إلى عبء عليه، وأصبح مطالباً بتقديم تفسير لكل الظواهر الكونية، ومسائل العلوم الطبيعية والإنسانية من خلال القرآن الكريم، وذلك تماشياً مع المنهج الذي سوق له، وهو ما دفع النجار للتوسع في ربط نظريات عدة لم تتحول لمعلومات مؤكدة، وما زالت في طور النظريات القابلة للنقض والتغيير، بل إن بعضها كان مثيرًا للأسئلة الحادة والانتقادات، من قبيل تحول سائق شاحنة لشاعر لحصوله على قلب شاعر سابق، وكذلك شخص تحول لعازف دون معرفة بالموسيقى لأنه حصل على قلب موسيقار، وتعرض شخص للقتل غيلة، وعبر نقل قلبه لشخص آخر رأى قاتله في المنام، ودل على أوصافه، وهو ما مكّن الشرطة من القبض عليه[5]. وكل هذه القصص الوهمية التي تسوق للخزعبلات. ليخلق ربطا بينها وبين قوله تعالى {َأفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[6].
تعرض النجار في الكثير من محاضراته، لانتقادات قاسية، أبرزها التي كانت في المغرب عام 2017. حيث تعرض لأسئلة من متخصصين في العلوم الشرعية، والعلوم الطبيعية[7]، وصفهم بأنهم “حفنة من الأشرار والجهلة”[8]، ولم يوفق في تعضيد، خبر استخدام شركة سويسرية لبول الإبل في صنع علاج للعقم والقلب والكبد![9].
يدفعنا كل ما سبق لطرح سؤال آخر: هل يوجد قاسم مشترك يجمع زغلول النجار، وعبدالمجيد الزنداني. غير هذا؟ الإجابة: نعم! فكلاهما ينتمي لتنظيم الإخوان المسلمين، وهو ما أقر به النجار عام 2008[10] على شاشة قناة الجزيرة القطرية.
وظَّف الإسلامويون “المقدسات”، بشكلٍ مفرط استغلالاً لجهل كثير من الناس، فعملوا على اللعب على عواطف المؤمنين، واستثمروا في إنتاج فئة من “المفكرين”، مستغلي الدين الذين يرجعون كل شيء إلى القرآن الكريم والأحاديث النبوية وفق تصوراتهم، يحسمون كل نقاشٍ علمي ولو مختبري بـ”قال تعالى”، وبذلك يصبح معارضوهم خصوماً للدين، ويكفرون بالإسلام؛ لا مجرد معارضين سلميين لأفكارهم، ولأن شعارهم الذي يُنهي أي نقاش قبل أن يبدأ “الإسلام هو الحل” فكان من الطبيعي تحويل المقدس لأداة وأيديولوجية سياسية، بالترويج لهذا يقولون إنهم هم من يمتلك مفاتيح المعرفة بأسرار وبواطن الإسلام وكتابه المقدس، فدعاتهم لديهم من القدرة على صنع الأدوية الشافية لكل الأوبئة المستجدة، والأمراض المستعصية، وفهم الظواهر الكونية التي عجز العقل العلمي عن تفسيرها لقرون، وكل هذا يُسوق باسم الإعجاز العلمي في ظاهره، ويحمل في باطنه دعاية لمنطقهم وأيديولوجيتهم الهدامة.
ربما يكون هذا المنهج سياسيًا لكن أثره على العقل الجمعي يشكل خطراً كبيراً، لا سيما الفئات التي تملك إيماناً بسيطاً. إنه يفتح الباب لأن يستثمر الساسة في الجهل ويستغلوا العاطفة الدينية النبيلة. والإشارة الأكبر خطرًا أن المنابر قد تُفتح لهذا النوع من التفكير، لنشر أفكارهم أمام شرائح واسعة، وقد شهدنا في السنوات الأخيرة تزاحم العديد من المواقع والفضائيات على عرض برامج وأفكار خطيرة من أجل الكسب الأيديولوجي، تزيد من تعميق الجهل والتخلف في موضوعات يكون للعلم كلمة الفصل فيها، وهنا تأتي المسؤولية التي يجب أن تتحملها الجهات المختصة للحد من هذه الظواهر المهددة للأمن الصحي والمجتمعي.
[1]– السيرة الذاتية لعبدالمجيد الزنداني – موقع إعجاز القرآن والسنة، على الرابط التالي:
[2]– تقرير قناة الجزيرة، اكتشاف علاج الإيدز للزنداني، على الرابط التالي:
[3]– الزنداني يحصل على براءة اختراع لعلاج الإيدز، موقع الجزيرة نت، 21 سبتمبر (أيلول) 2012، على الرابط المختصر التالي:
https://cutt.us/qSpM2
[4]– الزنداني يرفض الكشف عن الأحاديث النبوية التي يدعى أنه استند إليها في اكتشاف علاج الإيدز، على الرابط التالي:
[5]– القلب والمخ وقوله تعالى: “أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها”، على الرابط التالي:
[6]– القران الكريم، سورة الحج، الآية 46.
[7]– سي إن إن العربية، زغلول النجار يحاضر بالمغرب حول الإعجاز العلمي في القرآن.. هذه أسئلة حارقة تلاحقه، 14 أبريل (نيسان) 2017، على الرابط التالي:
https://arabic.cnn.com/middle-east/2017/04/14/zaghloul-el-naggar-morocco-conference
[8]– سي إن إن العربية، زغلول النجار بعد الضجة: التقيت حفنة من الأشرار بالمغرب.. وسأردّ عليهم قريبًا لإثبات مدى جهلهم، 20 أبريل (نيسان) 2017، على الرابط التالي:
https://arabic.cnn.com/social-media/2017/04/20/zaghloul-najjar-morocco
[9]– زغلول النجار: شركة سويسرية تصنع علاجاً من بول الإبل، على الرابط التالي:
[10]– قناة الجزيرة، برنامج زيارة خاصة، زغلول النجار، أنتمي للإخوان ومدين لمدرستهم بكل ما أنا عليه من ثقافة إسلامية، 2008، على الرابط التالي: