الدمام: «الشرق الأوسط»
صدر عن مركز «المسبار» للدراسات والبحوث في دبي، دراسة حملت عنوان «العنف اللفظي وبلاغة التحريض في خطاب (داعش)»، من إعداد الدكتور عبد اللطيف السلمي، الأستاذ في علم اللغة بجامعة جدة.
الكتاب ناقش ثلاث قضايا جوهرية، وهي: تحديد العنف اللفظي، وبيان مظاهره اللغوية والخطابية ومقاصده التداولية، وإجراء تصنيف أو نمذجة لأشكاله، والكشف عن الآليات الدلالية والتداولية والسيميائية «للعنف اللفظي» انطلاقاً من خطابات تنظيم داعش.
الفصل الأول من الكتاب حمل عنوان «العنف اللفظي: بحث في الدلالة والخطاب»، الذي فيه لاحظ الباحث أن العنف اللفظي ليس موضوعاً واضحاً ودقيق المعالم، بل هو مفهوم يُطابقه تعريف دلالي متغير، تختلف دلالته حسب مجالات استعمالاته. فمعناه يتغير بسرعة مع مرور الوقت ارتباطاً مع أحداث الحياة السياسية، إذ يتحول بموجبها العنف، خصوصاً عند التنظيمات المتطرفة إلى تطرف ثم إلى إرهاب.
ولإعادة بناء مفهوم العنف اللفظي استعان المؤلف بنموذج نظري في اللسانيات التداولية، يأخذ بعين الاعتبار دلالة الممكنات الحجاجية التي ترتكز على دمج الدلالة في التداوليات، وفك شفرات المعنى المعجمي كما تضمره خطابات تنظيم داعش.
في الفصل الثاني الذي حمل عنوان: «العنف اللفظي الاقتضاء التداولي والخطابي»، ناقش الكاتب ما إذا كان تنظيم داعش استطاع في خطاباته السيطرة على اللغة التي يتكلّمها فاعلاً بها ما يريد وفق شروطه الخاصة ومشكّلاً إياها وفق تصوراته المسبقة، أم أن اللغة تلعب دوراً أساسيّاً في عملية التعبير، بحيث تفرض شروطها وتتحول متكلِّماً نيابة عن التنظيم. وقد أظهرت خطابات «داعش» كيف أن اللغة يمكن أن تستخدم لتنجز وعداً أو وعيداً أو تصريحاً أو تهديداً أو توبيخاً أو ترهيباً أو ترغيباً، وقد ذهب تنظيم داعش بعيداً في استعماله لهذه اللغة لخدمة مقاصده، مستغلاّ وظيفتها الإقناعية.
أما في الفصل الثالث من الكتاب: «العنف اللفظي: الآليات السيميائية والتأويلية»، فرصد الباحث الخطاب الداعشي على الشبكة العنكبوتية، والذي وجد التنظيم فيها هويته الإلكترونية، كما أكد على أن الدعاية الرسمية للتنظيم والمنشورة على شبكة الإنترنت هي دعاية أكثر تعقيداً من تلك التي نملك عنها تصوراً، والتي تروج لها وسائل الإعلام الرئيسية. كما ركز في هذا المبحث على التقنيات الجاذبة التي تستعملها الدعاية «الجهادية» الداعشية لتجنيد المتعاطفين الجدد.
استراتيجية «داعش» الجاذبة استفادت من الأزمات التي يعانيها الأفراد، على مستوى الهوية الاجتماعية والسياسية والدينية والاقتصادية، إذ إن الأمر يتعلق بأزمة هوية تطال وتميز المجتمعات المعاصرة، لتأتي «داعش» وتقدم نفسها كبديل للدولة الوطنية وللأسرة. ولذلك كان الشباب الأكثر عرضة للتطرف العنيف، هم أولئك الذين يعانون من صعوبة الاندماج في مجتمعاتهم، وفي العثور على مكان لهم فيها. لذا يطمحون من خلال انضمامهم للتنظيمات المتطرفة إلى عيش شكل جديد من أشكال الذاتية والحرية. ذلك ما تقدمه «داعش» عبر خطاباتها، من تركيز على الهوية والتحريض على الكراهية والرفض من المجتمع، والعنف ضد الدول «الملحدة والمرتدة والكافرة»، ومن يساند هذه الدول من شرطة وجيش وعلماء. كما تسعى لتكريس القداسة والشرعية وتمجيد الخليفة وجنوده، وترسخ ذلك عبر ترديد أوصاف من قبل: جنود الخلافة / أسود الخلافة / فرسان «الجهاد»، وغيرها مما تعج به مجلاتهم وأشرطة الفيديو الدعائية.