في مايو (أيار) 2013، برز تصوّر في الدوائر الغربية بأن قطر “تصدّرت تسليح المعارضة السورية” بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). وتحدثت تقارير إخبارية دولية عن ترتيب تعمل بموجبه الولايات المتحدة مع قطر والمملكة العربية السعودية لضمان ألا تصل الأسلحة إلى أيدي “جماعات مثل جبهة النصرة“. وكانت الخطة تقضي بأن تساعد قطر المتمردين الناشطين في شمال سوريا، بينما ترسل المملكة العربية السعودية الذخائر إلى الجنوب. وذكر مسؤولون قطريون أن شحنات الأسلحة التي أرسلوها ضمّت بنادق كلاشنكوف (إيه كي 47)، وقذائف (آر بي جي)، وقنابل يدوية، وذخائر، بالإضافة إلى “تعليمات بشأن أساليب القتال الميداني مثل تركيب الأسلحة على المركبات“. ومع ذلك، فإن ثمة مصدراً غربياً تحدّث إلى مراسل لرويترز كان يدرك أن “الأسلحة التي ترسلها قطر تصل إلى الجماعات المتشدّدة في الواقع” –لكنه نسب هذه الظاهرة إلى غموض العمليات العسكرية من حيث المبدأ. وقد أعلن وزير الخارجية القطري خالد العطية رسمياً سنة 2015، “أننا نتحدّث إلى كل السوريين، باستثناء جبهة النصرة وداعش“.
لكن في السنة نفسها، اتهمت وزارة الخزانة الأمريكية قطر بأنها لا تفي بالتزامها بمنع تدفّق الأموال إلى الإرهابيين في سوريا، وذكرت جبهة النصرة على وجه التحديد. ووصف ديفيد كوهين، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، قطر والكويت بأنهما “سلطتان متساهلتان” مع تمويل النصرة والدولة الإسلامية“. واتهم دبلوماسي غربي، من دون الكشف عن اسمه، بأن “هناك (8) إلى (12) شخصية في قطر تجمع ملايين الجنيهات للجهاديين” في سوريا، “وللنصرة إلى حدّ كبير“.
ومع ذلك ظهر خلاف في الرأي بشأن الأدلّة لاحقاً داخل إدارة أوباما. فمن جهة، عبّر بيان صادر عن بن رودس، نائب مستشار الأمن الوطني، عن الرضا عن توسّع الجهود القطرية في مكافحة الإرهاب. وشعرت إدارة أوباما أيضاً بأنها أقنعت السلطات القطرية بالتصرّف بمزيد من المسؤولية. ومن جهة أخرى، أكّد التقرير السنوي الذي تصدره وزارة الخارجية الأمريكية بشأن تدريب الإرهابيين أن “جهات وأفراداً داخل قطر لا يزالون مصدراً للدعم المالي للإرهابيين والجماعات المتطرّفة العنيفة، لا سيما الجهات الإقليمية المنتسبة للقاعدة مثل جبهة النصرة“.
بيد أن ثمة تقارير لاحقة مستقاة من وثائق وزارة الخزانة وموادّ المصادر المفتوحة تقدّم أدلّة واسعة على الدعم القطري لجبهة النصرة، بالإضافة إلى جبهة فتح الشام التي حلّت محلها. ولا شك في أن قسماً كبيراً من الدعم قدّمته جهات غير حكومية، أو قدّم في إطار تعاملات أخرى، لكن تشير كثرة الحالات إلى نمط متّسق يوحي بأن الطبيعة غير المباشرة للمعونة صمّمت لإخفاء دور الحكومة أو إمكانية معقولة لإنكار المسؤولية. ويمكن إيجاز الأدلّة بالآتي:
- اعتباراً من يناير (كانون الثاني) 2017، مثلما أوضح الباحث ديفيد واينبرغ في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، قدّم ستة رجال –على الأقل– دعماً كبيراً بالمال والسلاح إلى جبهة النصرة في سوريا. ويخضع خمسة منهم لعقوبات مكافحة الإرهاب التي تفرضها الولايات المتحدة والأمم المتحدة. ويشمل هؤلاء القطري إبراهيم عيسى البكر، والقطريين سعد بن سعد الكعبي وعبداللطيف بن عبدالله الكواري، وأردنيين يحملان هوية قطرية (الأخوين أشرف عبدالسلام وعبدالملك عبدالسلام، يسمّى أيضاً “عمر القطري“)، ووالد الأردنيين الملقّب بأبي عبدالعزيز القطري. وأضاف واينبرغ في تقريره أن قائمة الأشخاص الستة غير كاملة، إذ “اتُّهِم قطريون آخرون لم تحدّد أسماؤهم بمساعدة جامعي الأموال الخاضعين للعقوبات الآن بتهم تمويل النصرة“.
- وبين سنتي 2013 و1016، أفيد عن أن الحكومة القطرية حوّلت إلى سوريا ما يزيد على (27) مليون دولار ، ووصلت إلى جبهة النصرة على شكل سلسلة من المبالغ المالية المدفوعة لافتداء رهائن. وشملت الرهائن مواطنين من لبنان، وتركيا، وإسبانيا، والولايات المتحدة. ووفقاً لتقرير صادر عن رويترز، فإن العديد من الدبلوماسيين الغربيين يعتقدون بأن المبالغ ترقى إلى وسيلة لتمويل جبهة النصرة “عبر الباب الخلفي” –مع أن الحكومة القطرية أنكرت هذه التهمة.
وتختلف الآراء في أوساط صنّاع السياسة الغربيين في سعيهم لفهم المنطق القطري لدعم جبهة النصرة. لكن سجل المساعدة كبير، وقد أصبحت الحاجة إلى القيام بسبر عميق لهذه الظاهرة أكثر إلحاحاً.