ملخص عن دراسة الباحث المصري علي بكر، جاءت بعنوان “الخطاب الديني في قطر: السلفية في خدمة الإسلام السياسي”، نشرت في كتاب المسبار الشهري “ما بعد قطر: السياسات القطرية وحافة الهاوية” (الكتاب الثاني والثلاثون بعد المئة، ديسمبر/ كانون الأول 2017).
يشير الباحث المصري علي بكر المتخصص فى شؤون الحركات الإسلامية، إلى أن قطر سعت إلى استغلال علاقاتها بالتيار السلفي، الذي تربطها به علاقات تاريخية، في توطيد علاقاتها بالتنظيمات المتطرفة في المنطقة، تحت ذريعة أنها سلفية النهج والاعتقاد، وذلك من أجل تحقيق أهداف سياستها الخارجية، ولا سيما أن هذه التنظيمات صارت تدين بالكثير من الولاء لحكام الدوحة بسب هذا الدعم، وهذا ما يدفعها إلى الدفاع عنها، وتصويرها بالدولة التي تدافع عن الإسلام في وجه أعدائه، مخالفة بذلك توجهاتها وأيديولوجيتها، حيث وظفت هذه التيارات خطابها لخدمة قطر، والدفاع عن مواقفها السياسية، وهو ما يمكن وصفه بالتحالفات فوق الأيديولوجية، وهو ما يعني القفز فوق الفكر والنهج من أجل تحقيق مصالح سياسية ومكاسب دينية.
وبالرغم من أن قطر حاولت خلال العقدين الأخيرين، إعادة صوغ أسسها الأيديولوجية وقناعاتها المذهبية، ومواقفها السياسية، بما يتناسب مع تطلعاتها للعب دور جديد في المنطقة، وإن كان لا يتناسب مع حجمها وإمكاناتها الجغرافية والسياسية، عبر الدخول في تحالفات مع بعض التيارات المتطرفة، بداية من جماعة «الإخوان المسلمين»، ومروراً بالتنظيمات الجهادية، وانتهاء بالتحالف والتعاون مع القاعدة، إلا أنها ما زالت تحافظ على الصبغة السلفية، وقد استغلت حالة السيولة السلفية، في توسيع التحالفات السابقة، من باب أن كل هذه التنظيمات ذات خلفية سلفية في مسائل الاعتقاد والتوحيد.
وهذا ما جعل الإخوان المسلمين، والتنظيمات الإرهابية الأخرى، التي تتحالف مع ما يسمى السلفية الجهادية، تمثل أداة جيدة لتنفيذ السياسة الخارجية القطرية، في الانتشار والتمدد في مناطق متعددة، لرغبتها في أن تكون صاحبة الأذرع الطويلة عبر هذه التحالفات، حيث مكنتها من التدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول، والوجود في مناطق لم يكن لها الوجود فيها دون هذه التحالفات.
وقد اتخذت الحكومة القطرية آليات عدة، لتوطيد هذه العلاقات، حتى تكون صاحبة فضل على هذه التيارات، وبالتالي تنفذ أجندتها السياسية، كان من أهمها الأداة الإعلامية، عبر بث قناة الجزيرة، لشرائط أسامة بن لادن وقادة «القاعدة»، وعقد الحوارات مع قادة هذه التنظيمات، مثل حوارها مع أبي محمد الجولاني (زعيم جبهة النصرة، جناح القاعدة في سوريا)، في سبتمبر (أيلول) 2016. فضلاً عن استضافتها بعض رموز هذه التنظيمات، مثل عبدالله المحيسني (مشرع جبهة النصرة)، الذي تمت استضافته في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، عقب ظهوره في تسجيل مصور وهو يبارك أحد الأشخاص في طريقه لتنفيذ عملية انتحارية، وانتهاء بالإشراف على تشكيل ميليشيات ذات توجه سلفي، في بعض الدول من بينها ليبيا.
ملامح دعم «السلفية الجهادية» لقطر
التعاون بين قطر والتنظيمات الإرهابية، خصوصاً في ظل الدعم القطري الكبير لهذه التنظيمات، تحت غطاء دعم التوجهات السلفية في المنطقة، من أجل نشر الدعوة الإسلامية، وتطبيق الشريعة الإسلامية، دفع هذه التنظيمات إلى الدفاع عن قطر بكل قوة خلال أزمتها الأخيرة مع دول المقاطعة، حيث صورت الخلاف السياسي بين الطرفين، على أنه معركة بين الإسلام الذي تمثله قطر، وبين أعدائها حلفاء الصليبيين، الذين تمثلهم «دول المقاطعة»، حيث تنوع الدعم الذي قدم لقطر من عدد من التيارات المتطرفة ورموزها، مما كشف عن الوجه الحقيقي لكل من الطرفين، حيث إن كلاً منهما يوظف خطابه الديني من أجل تحقيق مصالح ومكاسب سياسية، من خلال مناصرة الحليف الذي يمكن أن يقدم له الدعم والمساندة.
فبعد إعلان الدول الأربع المقاطعة، أقام الأمير تميم بن حمد يوم 6 يونيو (حزيران) 2017 مأدبة إفطار لعدد من الدعاة، كان على رأسهم يوسف القرضاوي الذي قام الأمير بتقبيل رأسه[1]، وفي المقابل تعددت أشكال الدعم والمساندة التي قدمتها التيارات المتطرفة لقطر في تلك الأزمة، حيث لم تقتصر على تيار بعينه، كما أن هذا الدعم قد اتخذ أكثر من شكل، ما بين الدعم «الفردي» و«الجماعي»، ويمكن تحديد أهم ملامح هذا الدعم في الآتي:
دعم رموز التطرف: لم يتوان قادة ورموز التيارات المتطرفة، عن تقديم الدعم والمساندة لقطر، بمجرد الإعلان عن قرارات المقاطعة، من خلال شن هجوم قوي على تلك القرارات والدول التي اتخذتها، ولم يقتصر هذا الدعم على رموز تيار بعينه، وإنما جاء من توجهات عدة، حيث بادر المفتي الشرعي لـ«جبهة النصرة» -ذراع القاعدة- في سوريا، عبدالله المحيسني، بالدفاع عن قطر، ووصف قرار المقاطعة بـ«الحصار الجائر»، كما أيده في ذلك أبو حفص الموريتاني (مفتي القاعدة السابق) الذي أعلن عن تضامنه مع الدوحة.
الدعم القاعدي: لم تقتصر المساندة لقطر من قبل التنظيمات المتطرفة، على الدعم الفردي من قادتها ورموزها، بل تعدتها إلى الدعم التنظيمي الصريح، من قبل تنظيم «القاعدة»، الذي سارع إلى دعم قطر في أزمتها الحالية، عبر مجلته الأسبوعية «المسرى»، الناطقة باسم تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، فرع اليمن، وذلك في عددها الصادر في 6 يونيو (حزيران) 2017[2]، تحت عنوان «قطر في مرمى النيران، وأكبر انقسام سياسي تشهده دول الخليج العربي»، حيث شن «التنظيم» هجوماً على الدول المقاطعة، في حين قام بمساندة قطر ومناصرتها، وفي العدد نفسه أيضا، استهجن عبدالحكيم بلحاج، القيادي البارز في الجماعة الليبية المقاتلة، التي تعد حاليا إحدى أذرع «القاعدة» في ليبيا، قطع العلاقات مع قطر، حيث اعتبره عدواناً على من أسماهم بـ«المخلصينَ لأمتهم وقضاياها». الأمر الذي يشير إلى قوة العلاقة بين قطر وتنظيم «القاعدة».
الدعم الإخواني: لم تتوان جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية التي تدين بالكثير من الفضل والولاء لقطر، عن مساندتها في أزمتها الحالية، بكل ما أوتيت من قوة، حيث بادرت الجماعة في مصر بإصدار بيان في 7 يونيو (حزيران) 2017، استنكرت فيه قرار المقاطعة، ورفضت فيه اتهام الدوحة بدعم الإرهاب. ولم تتوقف المساندة على إخوان مصر فحسب، بل تعدتها إلى فروع الجماعة في الدول الأخرى، حيث أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، بياناً في 17 يونيو (حزيران) 2017، تستنكر فيه قرار المقاطعة وتصفه بأنه «ينتهك حقوق الشعب القطري». كما أعلن علي الصلابي (المحسوب على الإخوان المسلمين في ليبيا، والعضو في مؤسسة «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» التي يترأسها يوسف القرضاوي)، عن دعمه لقطر بشكل صريح، ومن تركيا جاء الدعم الإخواني، من قبل وجدي غنيم الذي اتهم الدول المقاطعة، بأنها تتحالف مع الكفار والصليبيين ضد دولة قطر التي تدافع عن الإسلام[3].
دعم المؤسسات الدينية غير الرسمية: لم تتوقف مساندة التيارات المتطرفة لقطر في مواجهة قرارات المقاطعة، عند التنظيمات الإرهابية فحسب، وإنما تعدتها إلى المؤسسات الدينية غير الرسمية، التي يسيطر عليها عدد من رموز وقيادات هذه التيارات، مثل ما يعرف بـ«الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، الذي يترأسه يوسف القرضاوي، حيث أصدر بياناً في 8 يونيو (حزيران) 2017، يحرم فيه مقاطعة قطر من الناحية الشرعية، وفي السياق نفسه، أصدر نائب رئيس الاتحاد: المغربي أحمد الريسوني، بياناً مشتركاً مع الكويتي حامد بن عبدالله العلي، على شكل فتوى شرعية، يصفان فيه قرار المقاطعة بـ«الحصار الشنيع المحرم، الذي لا يجوز السكوت عليه، وأن الساكت عليه شيطان أخرس»[4].
كما قامت مؤسسة دينية أخرى غير رسمية، تطلق على نفسها، «الجبهة التنسيقية لعلماء أهل السنة» ومقرها إسطنبول بتركيا، بإصدار بيان في 11 يونيو (حزيران) 2017، وقّعه (100) عالم من مختلف دول العالم -على حد زعمهم- يعلنون فيه بشكل صريح أن «مقاطعة دولة قطر وحصارها حرام شرعاً، ولا تجوز المشاركة فيه، بأي حال من الأحوال». كما ساند قطر أيضا، «هيئة علماء المسلمين في العراق»، التي صرح المتحدث الرسمي باسمها يحيى الطائي، بأن «حصار قطر لا يجوز عقلاً ولا شرعاً». وتكمن خطورة دعم هذه المؤسسات، كونها ينظر إليها على أنها موازية للمؤسسات الدينية الرسمية، مما يجعل العديد من الناس يعتقدون بصحة الفتاوى الصادرة عنها، ولا سيما أن رموزها لهم جماهيرية في مناطق متعددة[5].
كشفت أزمة مقاطعة قطر، عن مدى الدعم الذي قدمته التنظيمات الإرهابية، التي تزعم بأنها تنضوي تحت مظلة «السلفية الجهادية»، والذي تمثل في دفاع رموز التطرف والإرهاب باختلاف توجهاتهم عن قطر في تلك الأزمة، وكذلك الدعم القاعدي الواضح لها، إضافة إلى المساندة الإخوانية، ثم دعم المؤسسات الدينية غير الرسمية، التي يسيطر عليها المنتمون للتوجه السلفي، الأمر الذي يشير بقوة إلى توظيف قطر للتيارات السلفية، في تحقيق أهدافها السياسية، وكيف أنها وظفت الفكر السلفي الذي يمكن وصفه بالسائل، في تحقيق أهدافها، لكن في المقابل فإنها أسهمت في نشر العنف والتطرف والإرهاب على نطاق واسع.
[1]– وفاء، العرفاوي، «بعد الأزمة الخليجية- القطرية: مستقبل الحاضنة الفكرية للإخوان المسلمين»، جريدة المغرب، 7 يونيو (حزيران) 2017، تاريخ الدخول 30 أغسطس (آب) 2017، على الرابط المختصر التالي:
goo. gl/441Frn
[2]– إعلام القاعدة يدعم قطر ويهاجم الإمارات والسعودية، موقع سكاي نيوز، 6 يونيو (حزيران) 2017، تاريخ الدخول على الرابط 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، على الرابط المختصر التالي:
goo.gl/j6RC4H
[3]– فيديو تصريح وجدي غنيم بعد قرار مقاطعة قطر، 8 يونيو (حزيران) 2017، على الرابط التالى:
[4]– الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يحرم مقاطعة قطر.. والأزهر: ضمان لوحدة الأمة، موقع CNN العربى، 8 يونيو (حزيران) 2017، الدخول على الرابط في 28 نوفمبر (تشرين الثاني)، على الرابط التالى:
https://arabic.cnn.com/middle-east/2017/06/08/iums-azhar-qatar
[5]– مفتي السعودية يرد على «الإخوان» ويشرّع محاصرة قطر، موقع روسيا اليوم، 11 يونيو (حزيران) 2017، الدخول على الرابط في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، على الرابط التالي:
goo.gl/avKCw8