كان للرهبنة المصرية فضل كبير على منطقة الشرق الأوسط وعلى العالم. واستطاع الأنبا أنطونيوس، رائد الرهبنة الانفرادية، أن ينقل للبشرية أنموذجًا متفردًا من الرهبنة المسيحية التي لم يعرفها العالم من قبل. فمن مصر انتقلت الرهبنة للغرب، فنجد أن هناك بعض النساك الذين وفدوا على مصر ونقلوا إلى بلادهم نماذج الحياة الرهبانية والديرية التي رأوها بأنفسهم في مصر، سواء بأحاديثهم وسلوكهم الرهباني أو بكتاباتهم، ومن أمثلة هؤلاء:
- بلاديوس[1]: (كاتب بستان الرهبان) (ت: 405م). حيث زار مصر مرات عدة.
- يوحنا كاسيان[2]: زار غالبية أديرة مصر وقضى بها عدة سنوات وتنقل بين الآباء النساك.
- روفينوس الأكوبالي[3]: (ت 394م)، الذي ترجم كتاب تاريخ الرهبان إلى اللاتينية.
- القديس جيروم[4]: (ت 385م) تسجيل الراهبة الرومانية بولا، وزار وادي النطرون وقام بنقل ما عرفه عن أنظمة باخوميوس[5] إلى اللاتينية سنة 404م.
بالإضافة إلى القديس باسيليوس الكبير وغريغوريوس أسقف نيصص وغريغوريوس الناطق بالعجائب، وكذلك كل من يوحنا ذهبي الفم[6] إيلاري أسقف بواتية الذي نفي إلى أسوان دفاعًا عن الإيمان على المذهب الأرثوذكسي، وبفضل هؤلاء الرجال انتشرت الرهبنة في الغرب بالمنهج والأسلوب المصري نفسه.
حياة الأنبا شنودة وتكوينه الفكري
إذا نظرنا لقصة وحياة الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، نلاحظ أن نشأته أثرت في تكوينه الفكري، وكان لتلك النشأة انعكاس على تكوين شخصيته، فمولده -كما جاء بالسنكسار أو جامع سير وأخبار القديسين- كان في قرية شندويل أو شنلالا أي “بلدة الكرم”[7] إحدى أعمال أخميم بصعيد مصر عام 333م[8]– ولذلك عرف بالأخميمي[9] – وقد اشتهر أبواه بالتقوى والفضيلة والغنى والثراء، ولما كبُر شنودة سلمه أبوه رعاية الغنم، فكان يرعاها ويعطي غذاءه للرعاة، ويظل هو صائمًا طوال يومه، وقد أثر ذلك على شخصية القديس شنودة، مما جعله يحب الخير والصلاة والصوم والصدقة كوالديه، فالنشأة هنا في وسط بيئة محبة وصلاح، انعكست على تكوينه النفسي والوجداني والعقيدي هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى وجود خاله الأنبا بيجول الذي كان من الرهبان ذائعي الصيت في مجال الرهبنة الباخومية[10]، فكان له خير قدوة ومثال على التقشف والتقوى وحب الجهاد الروحي والتمثل به، وتحقق ذلك بالفعل عندما اصطحبه والده معه لزيارة خاله، فباركه خاله ووضع يده على رأسه وقال: “بارك علي أنت لأنك ستصير أبًا لجماعة كثيرة”. وتركه أبوه ومضى وألبسه خاله رداء “إسكيم الرهبنة” وهو في سن صغيرة، كما أوعز الله له فى رؤيا، ثم عكف خاله على تعليمه وتثقيفه لما وجده في الطفل من حب للحياة الرهبانية -الذي سيكون ابنه في الروح[11]– فعني أول ما عني بتدريسه الكتاب المقدس دراسة عميقة مستفيضة، وكان لهذا أثره الواضح في أسلوبه الخطابي والكتابي البليغ، كما اهتم خاله بتعليمه اللغتين القبطية واليونانية[12]، وانتظم شنودة في سلك الرهبنة، وبلغ من شدة تقشفه أنه كان لا يتناول طعام إفطاره الذي يحتوي على قليل من الخبز والملح والماء إلا وقت الغروب يومياً[13]. وفي الأربعين المقدسة كان يقتات بالنباتات فقط. كما ذكر عنه المؤرخ تقي الدين المقريزي، أنه كان مرارًا يطوي في الأربعين المقدسة. وحدث بعد ذلك أن أثرت عليه تلك المعيشة الضيقة التي كان يحياها، إذ ضعف جسمه ونحل حتى لصق جلده بعظمه. هذا عن العاملين الأولين: عامل النشأة والتربية وسط البيئة الصالحة التقية، ووجود خاله كقدوة ومثال أمامه. أما العامل الثالث فهو: الدعوة الإلهية له، فكان سماعه ذات يوم صوت من السماء قائلًا: “قد صار شنودة رئيسًا للمتوحدين”. وكان لذلك تأثيره القوي عليه، فأجهد نفسه في الصلوات والأصوام والنسك الزائد والعبادة الكثيرة، ولما تنيح خاله الأنبا بيجول حل شنودة محله فاتبع نظام الشركة الرهبانية الذي وضعه القديس باخوميوس، وأضاف إليه تعهدًا يوقعه الراهب قبل دخوله الدير، وبلغ عدد الرهبان فى أيامه (1800) راهب، وبنى الأنبا شنودة ديرًا آخر، بلغ عدد رهبانه (2200) راهب، ومازال حتى الآن يضم كنيسة ويعرف بدير الأنبا شنودة[14].
- الجوانب الروحية في التراث الرهباني للأنبا شنودة رئيس المتوحدين
ظهر في مصر من القديسين الأقباط ما لم يعرف العالم أقوى منهم شكيمة في تثبيت المسيحية والكفاح ضد الوثنية، وكانت أقوالهم مثالاً احتذاه المسيحيون في العالم عند كفاحهم ضد الوثنية، وإني أذكركم بواحد من هؤلاء وهو الأنبا شنودة”[15].
ترك لنا الأنبا شنودة تراثًا أدبيًا وروحيًا رائعًا ويعتبر من أروع صفحات الأدب القبطي على الإطلاق، التي ما زالت موزعة على عديد من متاحف ومكتبات العالم، وجميعها باللهجة الصعيدية التي كان القديس يكتب بها لا بغيرها[16].
وتشمل هذه المخطوطات مجموعة من الخطابات، منها واحد للإمبراطور ثيؤدوسيوس الأول (347-395م)[17] وبعضها للبطريرك تيموثاوس الأول (380-385م) وعدد كبير من الخطب والعظات موجهة للرهبان ولمكافحة الوثنية وظلم كبار الملاك والحكام والدعوة إلى الرفق بالفقراء، ومن بينها ما يعالج موضوعات دينية وأدبية مختلفة. وما تزال الكنيسة القبطية محافظة على تلاوة خمس من عظات الأنبا شنودة في أسبوع الآلام.
أما عن الجوانب الروحية في كتاباته، فنركز هنا على اهتمامه بالقضاء على الوثنية والخرافات والبدع والخزعبلات بالموالد، وما يجري فيها من تمادٍ في التمسح بالقبور وعلى دينونة الله وعقاب الخطاة وعدالة أحكامه وأيضًا على التوبة، ومن أقواله في موالد الشهداء وكيفية الاحتفال بها بطريقة مثلى: “جميل جداً أن يذهب الإنسان إلى هيكل الشهيد، ويصلي ويقرأ وينشد المزامير ويطهر نفسه، ويتناول من الأسرار المقدسة في مخافة المسيح، أما من يذهب ليتكلم ويأكل ويشرب ويلهو، أو بالحري يرتكب الجرائم نتيجة للإفراط في الشراب والبغي والفساد وبالإثم، فهذا هو الكافر بعينه(…) وبينما البعض في الداخل يرتلون المزامير ويقرؤون ويتناولون، إذا بآخرين في الخارج يملأون المكان بصخب الآلات الموسيقية: “بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص، يا للغباء؟ إذا كنتم تذهبون لمواطن الشهداء لتأكلوا وتشربوا وتبيعوا وتشتروا وتفعلوا ما يروق لكم”. إذا فأية فائدة لبيوتكم التي في مدنكم وقراكم ويا لعقولكم المغلقة؟
“وزعموا أن بعض الشهداء ظهروا لبعض الناس وكشفوا لهم عن الأماكن التي دفنت فيها عظامهم، وعند البحث وجدوا أن هذه البقايا هي عظام كلاب. وزعموا أيضًا أن بعض المباني والتوابيت التي كان يكشف عنها خلال أعمال البناء أو الهدم، كان يظن أنها تضم أجساد الشهداء. إنما هي للشياطين التي كانت تظهر لهؤلاء الناس في أحلامهم في ثياب الشهداء، وبذلك كانت تبني لهم الهياكل الحقيقية قيمتها، وإنها –إذن- لمجازفة عظيمة أن تُبنى الهياكل على عظام لا يُعرف كنهها أو مصدرها”[18].
وبتحليل النص السابق لخطبة وموعظة القديس شنودة رئيس المتوحدين، نلاحظ أنه لا يمانع في ذهاب المرء لموالد الشهداء والاحتفال بهم، ولكن يجب أن يكون الاحتفال روحيًا يليق بالشهداء وليس بالكلام الكثير والأكل والشراب، وبالبيع والشراء وفعل الموبقات وما يغضب الخالق، كما يتحدث القديس شنودة عن بعض الخزعبلات والتخيلات التي جرى الكثيرون وراءها، وظنهم أن عظام الكلاب الموجودة بالمباني والتوابيت هي عظام لشهداء وقديسين، ولكن ذكر القديس شنودة أنها لشياطين تظهر لهم في هيئة شهداء، ونستشف من هذا النص مدى انتشار تلك الخرافات والخزعبلات من جهة، ومدى تفشي ظاهرة البدع والأفكار المغلوطة البعيدة كل البعد عن الاحتفالات الروحية بالشهداء والقديسين، وهذا ربما يكون مرجعه انتشار الأمية والجهل من جهة، والأفكار الوثنية المحيطة بهم من جهة أخرى.
وقال في موضوع آخر في باكر يوم الأربعاء من أسبوع الآلام عن دينونة الله وعقاب الخطاة وعدالة أحكامه: “أقول هذا الكلام ولا أتركه وهو هذا لا تظنوا بعد عزل التبن من الحنطة يحصل الخطاة على راحة، وأقول لكم كشهادة الكتب إنه وإن كان الملائكة أو رؤساء الملائكة يصمتون جميعاً وكذلك القديسون أيضاً يصمتون جميعًا، فإن لكلمة الله الحكم الكامل القاطع في اليوم الذي يفرز فيه الأشرار من بين الصديقين، وقت أن يُلقَى الخطاة في أتون النار المتقدة. هل الله كالبشر حتى يجعل له مشيرًا أو جليساً يسأله، ما هو الذي ينساه الله لكي يجيب به آخر أو يطلب عنه كلمة إلا هذا القول فقط أن يقال من فم واحد: أيها الديان الحق أحكامك عادلة، أنت المعطي كل واحد حسب أعماله، وليس لنا أن نذكرك بهذا لأنك أنت عندك كل الرأفات”[19].
ونستشف من العظة السابقة لقديسنا أن الله سيجازي كل إنسان حسب أعماله إن كانت خيرًا أو شرًا، ولا يحتاج لأحد لتذكيره بأعمال كل فرد فهو عالم بكل شيء، ولا يخفى عليه أي منها، فحاشاه أن يكون في حاجة لمعرفة ذلك؛ لأنه يرى ويسمع ويسجل كل شيء، وهو -أيضًا- قادر على كل شيء.
وعن التوبة يقول في عظة له في الساعة التاسعة من يوم الأربعاء من أسبوع الآلام:
“أمران أقولهما لكم: إن جميع الذين يفرح بهم في السماء من أجل توبتهم وهم على الأرض، لن يروا حزنًا ولا وجعًا في ذلك المكان، وأولئك الذين لم يفرح بهم في السماء لأجل عدم توبتهم وهم على الأرض، لن يروا فرحًا ولا راحة في ذلك المكان، فإلى متى تتكاسل أيها الإنسان؟ أطلب إليك ابك على نفسك ما دامت تقبل الدموع، وبالأحرى إذا كنت عملت أعمالًا يحق عليها البكاء فابك على نفسك وحدك، مادام جميع القديسين يبكون معك لأجل خلاص نفسك، طوبى لمن امتلأ بكاءً على نفسه وحده، ههنا فإنه سينجو من البكاء وصرير الأسنان الدائم ويفرح فرحًا سماويًا، فلنتيقظ يا أحبائي قبلما يقفل دوننا الخدر وباب التوبة، ونضرع أمام الباب فنسمع لست أعرفكم كل هذه وأردأ منها نسمعها إذا تمادينا في خطايانا”[20].
وتتضح في النص السابق الجوانب الروحانية لتراث الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، وحرصه على روحانية وتوبة ومنفعة الآخرين، وحثهم على التوبة والبكاء على الخطية، وأن السماء تفرح بالخاطئ التائب، وهي مكان السعادة والفرح الدائم وطوب القديس شنودة من يبكي على خطاياه، ويتيقظ دومًا قبل إغلاق باب التوبة وسماع عدم المعرفة من الله، ونستنتج من هذا النص كذلك مدى حب الأنبا شنودة للآخرين والحرص على خلاصهم.
الجوانب الاجتماعية والوطنية في تراثه
نلاحظ أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السيئة سالفة الذكر حركت قديسنا؛ لكي ينطلق من مبدأ إحساسه بالغير وحبه لمجتمعه ووطنه؛ ليقف في وجه الوثنية من جهة، وفي وجه الحكام البيزنطيين الظالمين وكبار ملاك الأرض من جهة أخرى. أما عن جهاده ضد الوثنية فنراه يخوض صراعاً مريراً وعنيفاً لاقتلاعها من جذورها حتى كتب له النصر في النهاية، وقرن تعليمه بالعمل، فكان يُطعم الجائع، ويكسو العريان، ويداوي المريض، ويؤوي الغريب. وفوق هذا كله فقد كان يذهب بنفسه مع المظلوم من المصريين إلى ساحة القضاء ليترافع عنه شخصيًا، فإن لم يفلح في إقرار العدالة توجه بالشكوى إلى الإمبراطور رأسًا، ولم يهدأ له بال حتى ينال المظلوم حقّه، وهذا يوضح كيف أنه لم يكن أنانيًا أو نفعياً يفكر في نفسه فقط، وخير مثال على ذلك وقوفه في وجه الحكام المستبدين الظالمين الذين يقول عنهم: “قد امتلأت قلوبهم إثما وزورا وقسوة وطمعًا وشحًا، فهم لا يتطلعون إلا إلى ما كانت في غير أيديهم حتى أصبحوا لا يتورعون عن الجري وراء كل ربح مشروع. أما سفاهتهم وصلفهم فليس لهما حدود. يا لعار هؤلاء الحكام أنفسهم، هم الذين يسعون لإثارة الفتن والعبث بالعدالة وهو أمر هين على أنفسهم ما داموا يكرهون الفقراء ولا يظهرون أمامهم إلا وقد انتفخت أوداجهم زهوًا وخيلاء. إن القسوة ضاربة أطنابها، وإن الأرض كلها تموج بالشرور، وأصبح كل من اعتلى كرسي الحكم لا هم له إلا اكتناز الفضة والنحاس، والويل لمن يكون الضحية، إنه يصبح ويمسي فإذا به يلتمس العيش الكفاف، وحتى جنودهم يضجون بالشكوى لحرمانهم من رواتبهم”. وفي موضع آخر عن أوضاع وأحوال الفقراء من بيئته المحيطة يقول: “وأحسب أنه لم يتبق سوى أن يجعلوا منهم عبيدًا فيشدون النير على كواهلهم ليدوروا بالسواقي ليروا حدائقهم. من الذي يجهل أن الإقليم إن لم تكن البلد كلها ملأي بعظام الحيوانات التي نفقت خلال الأوبئة التي أرسلها الله علينا بسبب خطايانا. فلتقع هذه الدينونة العظيمة على رؤوس من يظلمون الفقراء”[21].
إذا حللنا النص السابق ونظرنا إليه نظرة فاحصة متأنية، نجد أن الأنبا شنودة كان متابعًا جيدًا وعالمًا بكل الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحيطة به، وكان إحساسه بالغير عاليًا، فهو يصف الحكام وكبار الملاك بالصلف والغرور وحب جمع المال إلى أبعد الحدود، وسوء حال الرعية لنهم الراعي بشهوة اكتناز الذهب والفضة وحرمان الفقراء من سبل العيش الكريم، وانعكاس جشع الحكام وكبار الملاك على أوضاع الجنود الذين يحرمون من رواتبهم الأمر الذي يجعلهم يسطون ويسلبون القرى والمنازل والأديرة المحيطة بهم. ويتضح من هذا النص السابق الجانب الاجتماعي الغيري الشديد في هذا المجال من كتابة القديس شنودة وتراثه الرهباني، فهذا النص له بعد اجتماعي وهو الإحساس بالآخرين ومحاولة تخفيف آلامهم، فيفرح مع الفرحين ويبكي مع الباكين، وله بعد سياسي هو مدى فداحة وقسوة حكام البلاد البيزنطيين، وسوء أوضاع رعيتهم اجتماعيًا واقتصاديًا. كما يتضح من خلال ثنايا هذا النص أن القديس شنودة لم يألُ جهدًا في سبيل الدفاع عن حقوق المظلومين، ومواجهة طغيان الظلم والظالمين من الرؤساء والحكام وكبار الملاك البيزنطيين، بل لا يكتفي بالدفاع عن الفقراء والمظلومين، بل يرفع شكايتهم لحاكم الإقليم أو الحاكم العام إن أمكن، وإن تعذر ذلك فإنه يرفع الأمر للقسطنطينية للإمبراطور نفسه وهو بهذا، أي: القديس شنودة ينبه مواطنيه وبني وطنه للمطالبة بحقوقهم وعدم الخوف من الحكام حتى ولو كانوا هم المشكو في حقهم.
وتمثل الجانب الوطني والقومي في كتاباته وتراثه في بثه الروح الوطنية والقومية في نفوس الشعب المصري، عندما وقف في وجه الحكام المستبدين الظالمين ومعرفته بمدى الظلم الواقع على شعبه ورعايته لهم من غارات البربر، واستضافته لهم وإمدادهم بكل ما يحتاجونه من مؤن وغذاء وكساء ودواء، واستقباله لهم ورعايتهم أوقات الأوبئة والمجاعات، فوثقوا به وبثوا شكواهم لديه فنراه ينبري للدفاع عنهم وعن حقوقهم، فهو بهذا مخلص لوطنه وقومه مندد بظلم الحكام البيزنطيين ومساوئهم، ومن أمثلة ومظاهر وطنيته وقوميته اهتمامه باللغة القبطية، وسخر قلمه ليكتب كل تراثه الرهباني بها ويطهرها من كل ما علق بها من ألفاظ يونانية، بل إن تراثه الرهباني كتب كله بلغة قبطية، بلهجة صعيدية، وموزع على متاحف ومكتبات العالم كافة[22].
جعل الأنبا شنودة من الدير الأبيض معهًدا دينيًا واجتماعيًا منذ فتح أبوابه على مصراعيها؛ لاستقبال جموع الأهالي الوافدين إليه من مختلف جهات الصعيد الأعلى عموماً، ومنطقة أخميم خصوصاً، إما للصلاة واستماع العظات وإما لالتماس المشورة والمعونة التي لم تكن ترفض أبداً، وقد أدى هذا لإيجاد صلة مستمرة بينه وبين عامة الشعب الذي استهوى عقولهم بشتى مواهبه وميزاته، فهو حريص على العناية بشؤونهم والدفاع عنهم وعن مصالحهم، فاطمأنوا إليه وبثوه شكواهم وكشفوا له آلامهم وآمالهم. وتجلت نزعته الوطنية منذ دخول الأجانب الإغريق الدير الأبيض وقصره على المصريين فقط الذين كان يخاطبهم قائلًا: “أيها الهللينيون والهراطقة من كل نوع ” وكان صدى روح الشعب المظلوم؛ فيعبر عن مشاعره المكتومة، ويصور طموحه إلى الحق والإنصاف، ويدعو إلى استرداد حقوقه المسلوبة وأرزاقه المنهوبة، ومن أجل هذا حمل حملة شعواء على الحكام وكبار الملاك[23]. كما كان القديس شنودة لا يقنع بشيء في سبيل خير مواطنيه، فنراه يرفع شكواهم للحكام وكبار الملاك بالإقليم، وإن لم يرجع الحق لأصحابه يرفع مظلمتهم وشكواهم للقسطنطينية والإمبراطور نفسه، بل يذهب بنفسه للعاصمة الإمبراطورية لرد المظالم والدفاع عن حقوق المصريين المظلومين، وبهذه الأفعال وإصراره على أخذ حقوقهم أيقظ فيهم الشعور الوطني والقومي وضرورة المطالبة بالحق؛ لأنه لا يضيع حق وراءه مطالب، وضرورة الشكوى من الظلم والمطالبة بإقرار العدل، حتى ولو كان المغتصبون لحقوق المصريين الأباطرة أنفسهم، كما كان القديس شنودة قوي الشخصية فضلا عن اتصالاته القوية بالأباطرة وحكامهم وقوادهم وبالبطاركة، ولا ننسى اتصالاته واشتراكه بمجمع أفسس عام 431م مع البابا كيرلس الكبير، فكل هذا أكسبه زعامة ونفوذاً شعبياً قوياً بين جموع الشعب المصري، وهذا يعطي انطباعًا قويًا عن وطنية الكنيسة المصرية من جهة، ووطنية وقومية رهبانها ممثلة في قديسنا القديس شنودة من جهة أخرى، وعلى الترابط القوي بين الكنيسة المصرية ورهبانها ورجالاتها بالشعب المصري والمجتمع المحيط من ناحية ثالثة.
وهكذا وجد المصريون للمرة الأولى منذ القرن الثالث قبل الميلاد، متنفساً للتعبير عن مشاعرهم. ولقد كان كثير من الرهبان والنساك ينحدرون من أصل مصري. وكانت نتيجة ذلك أن أصبح للكنيسة المصرية طابع قومي قوي[24].
- سمات نظام رهبنة الأنبا شنودة رئيس المتوحدين[25]
وإذا أمعنا النظر في التراث الرهباني للأنبا شنودة رئيس المتوحدين نلاحظ أنه:
- كان متنوعًا غزيرًا لم يركز فقط على الجانب الروحي داخل الأديرة فقط، بل انشغل بقضايا وطنه وقضايا كنيسته العقائدية، وكانت له كتابات لاهوتية عميقة أسهم بها مع آباء الكنيسة العظام في مواجهة الهرطقات التي هددت إيمان الكنيسة وسلام المؤمنين، مثل:
- أزلية الله الكلمة.
- سر تأنس كلمة الله من العذراء.
- دقة مصطلح والدة الإله (ضد نسطور).
- حقيقة تحول الخبز والخمر (ضد الأوريجانيون.(
فرض القديس شنودة على الكثيرين من النساك المتوحدين بالمغائر والجبال المجاورة لديره، ضرورة الحضور إلى الدير الكبير أربع مرات سنوياً للتناول من الأسرار المقدسة. وكان يحتم على حديثي العهد أن يمضوا أولاً زمناً خارج الدير لاختيارهم. ثم يصرح لهم بعد ذلك بالدخول إلى الشركة متى ثبتت مقدرتهم على معيشة النسك الطاهرة، ويسمح للراهب منهم بالإقامة في غرفة خاصة. وكان يتعهدهم بنفسه جميعاً ويحتم عليهم التخلي عن كل ما يملكون. وكانت الطاعة والعفة من الشروط الأساسية المهمة التي إذا لم تتوافر للراهب يطرد من الشركة. كما أن جميعهم في الزي والأكل سواء، وبذلك انعدمت أية فوارق اجتماعية بينهم[26].
- ومن الأشياء الجيدة التي تحسب للقديس الأنبا شنودة، إدخاله نظام العمل على حياة الراهب، ولم يجعل عمل الراهب مقتصرًا على النواحي الروحية فقط كالصلاة والصوم وقراءة الكتاب المقدس باستمرار، ولكن جعل الراهب يستغل وقت فراغه في شيء مفيد، وتعلم مهنة ضرورية تعينه على الحياة انطلاقًا من الآية التي تقول: “من لا يعمل لا يأكل أيضاً” ولم يعد الرهبان يعيشون عالة أو معتمدين على الإعانات أو التبرعات النقدية والعينية لسكان البلاد المجاورة للدير المقيمين به، ولكن انتشرت حرف ومهن مختلفة بينهم، وأنشئت العديد من المصانع اللازمة لهذه الحرف والصناعات.
[1]* مدرس التاريخ الإنساني بقسم العلوم الإنسانية جامعة دراية بالمنيا.
– كان بلاديوس رجلاً من غلاطية قام بسياحتين إلى مصر، الأولى سنة 388م ودرس الفلسفة النسكية وأقام حتى سنة 399م، وفي سنة 400م رُسم أسقفا لهيلينوبوليس. وقد دافع عن القديس يوحنا فم الذهب، ثم نفي إلى أسوان سنة 406م ومكث في مصر ست سنوات. وعندما رجع إلى غلاطية، كتب تاريخًا حوالي سنة 420م وأهداه إلى لوزاس (Lausus) أمين الإمبراطور ثيؤدوسيوس الثاني وحينما تقرأ تاريخه تلاحظ أن كاتبه لم يتبع نهجاً معيناً أو مدرسة معينة، كما أنه لم يكن له أي مطمح أدبي، وله كتاب ( Historia Lausiaca ) أو ما يسميه البعض بستان الرهبان. للتفاصيل انظر: منير شكري، ( الرهبنة القبطية وآبائه)، ضمن قراءات في تاريخ الكنيسة، رسالة مار مينا الرابعة عشرة، (الإسكندرية 1993م)، ص341 .
[2]– سجل كاسيان تجاربه ومشاهداته ولكن بطريقة مختلفة، إذ إن كتابه “المعاهد” (Institutions ) له سمة الرسالة كما أن “المواعظ” ( Conferences) الشهيرة فيها أسلوب المؤلفات الدينية الخاصة، وتوفي يوحنا كاسيان سنة 345م ولم يتفق إلى الآن على وطنه الأصلي، وكان ناسكا في بيت لحم مع صديقه جرمان (Germain) وذاعت في ذاك المكان شهرة المتوحدين المصريين فذهبا إليهم. وقد زارا مصر السفلى وعاشا على الأخص في برية شيهيت ولا يبدو أنهما ذهبا إلى مصر العليا. للتفاصيل انظر: منير، شكري، “الرهبنة القبطية وآباؤه” رسالة مار مينا الرابعة عشرة، ص341 .
[3]– يرى البعض أن ما كتبه روفينوس لم يكن سوى مترجم لكتاب بلاديوس إلى اللاتينية. ولكن مما لا شك فيه أنه زار الأماكن نفسها التي زارها بلاديوس وعرف أكثر أبطاله، وإن التشابه في كثير من المواضع بينهما هو مما يقوي قيمتهما التاريخية. انظر: منير شكري، “الرهبنة القبطية وآباؤها”، مرجع سابق، ص341 .
[4]– يعتبر القديس إيرونيموس أو القديس جيروم ( St. Jerome ) من أعظم آباء الغرب في تفسيره للكتاب المقدس، له تراث عظيم في هذا المجال مع مقالات نسكية وجدلية ضد الهراطقة ورسائل. انظر: يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنسية، ترجمة، القمص مرقس داود، (مكتبة المحبة القاهرة 1998 )، ص265. انظر أيضاً:
Kazhdan and others، The Oxford Dictionary of Byzantium، Vol.II، Oxford 1991، p.1033.
[6]– وُلد يوحنا فم الذهب بمدينة أنطاكية نحو سنة 347م. تشرب روح الحق على يدي أمه التقية التي أرضعته لبن تعاليمها منذ الطفولة. لكنها لم تكتفِ بهذا بل اجتهدت في تثقيف عقله بالعلوم والمعارف، فأودعته لدى ليبانيوس يتدرب على البلاغة والمنطق، ولدى أندروغاثيوس Androgathius يدرس الفلسفة. وكان يبكت الخطاة وكل ذي زلة مهما كان مقامه. وتنيّح بسلام سنة 407م. من كلماته: تأملوا هذا التقدم العجيب! إنه يرسل ملائكة إلى البشر، ويقود الناس إلى السماويات. هوذا سماء تقام على الأرض لكي تلتزم السماء بقبول الأرضيين. للتفاصيل انظر:
:Kazhdan and others،The Oxford Dictionary of Byzantium، Vol.II. (Oxford 1991)،pp.1057-1058.
نقلاً عن القمص تادرس يعقوب، قاموس آباء الكنيسة وقديسيها مع بعض شخصيات كنسية، ج2، (القاهرة 1995).
[7]– بانوب، حبشي، شنودة (333-451م )، صور من تاريخ القبط، العدد الرابع، ص112.
[8]– أنبا بطرس، الجميل وآخرون، السنكسار القبطي الجامع لأخبار الأنبياء والرسل والشهداء والمستعمل في كنائس الكرازة المرقسية في أيام وآحاد السنة التوتية، ج2، ص292؛ انظر أيضاً:
Amlineau،E، Les Moines Egyptiens، Vie de Schinoudi،،pp.13-10.
[9]– ليلى، عبدالجواد إسماعيل، تاريخ مصر وحضارتها في الحقبة البيزنطية القبطية، القاهرة، 2008. ص92.
[10]– ويعد القديس باخوميوس (292-346) واضع أسس النظام الديراني، فقد استطاع أن يضع لهذه الحياة الرهبانية نظمها وطرائقها في صورتها الجماعية وقد أورد المؤرخ الكنسي سوزومين تفصيلاً كاملاً للأسس التي كانت تقوم عليها العلاقات بين أفراد الدير الباخومي في (طبانسين Tabennesi قرب أخميم panopolis ) ويذكر أن باخوم قسم جماعته التي تحيط به والتي يبلغ عددها نحو ألف وثلاثمئة إلى أربع وعشرين مجموعة. ميز كلا منها بحرف من الأبجدية اليونانية، وقد تكاثر عدد الرهبان الطبانسيين بعد ذلك حتى بلغ الآلاف السبعة. ويتبين من حديث سوزومين أن النظام الباخومي كان يشبه إلى حد كبير التشكيلات العسكرية في دقتها وانضباطها -لحد كبير- وهذا راجع لكونه في الأساس جنديا وثنيا اعتنق المسيحية. للتفاصيل عن نظام القديس باخوم أب الشركة انظر:
Dom،C.Butler،The Lausiac History of Palladius،،pp.233-236;Amlineau،E.، Les Moines Egyptiens، Vie de Schinoudi، pp.42-43; Goehring،E،J، Pachomius and the white monastery in Christianity and Monasticism in upper Egypt،Vol.I، pp.47-50
وانظر كذلك أنبا بطرس الجميل وآخرون، السنكسار القبطي الجامع لأخبار الأنبياء والرسل والشهداء والمستعمل في كنائس الكرازة المرقسية في أيام وآحاد السنة التوتية، ج1، ص178-179
[11]– انظر:
Amlineau،E، Les Moines Egyptiens، Vie de Schinoudi، pp.48ff.
[12]– كانت المدارس ملحقة بالعهد الفرعوني بالمعابد، بينما ألحقت في العصر المسيحي في مصر بالأديرة، وحاليا تلحق بالكنائس لتعليم الأطفال اللغة القبطية والألحان وغيرها.
وانظر أيضاً: منير شكري، “الرهبنة القبطية وآباؤها” ضمن قراءات في تاريخ الكنيسة، رسالة مار مينا الرابعة عشرة، ص386؛ الأنبا مارتيروس، الرهبنة القبطية الأم لرهبانيات العالم، (القاهرة 2002)، ص38-44 .
[13]– رءوف حبيب، الرهبنة الديرية في مصر، ص177.
[14]– أنبا بطرس الجميل وآخرون، السنكسار القبطي الجامع لأخبار الأنبياء والرسل والشهداء والمستعمل في كنائس الكرازة المرقسية في أيام وأحاد السنة التوتية، ج2 ص292-293 ؛ وللتفاصيل عن نشأة ونظام القديس شنودة الرهباني انظر:
Amlineau،E.، Les Moines Egyptiens، Vie de Schinoudi، pp.60-68;
وانظر أيضاً: رءوف حبيب، الرهبنة الديرية في مصر، ص177-180؛ ليلى عبدالجواد، تاريخ مصر وحضارتها في الحقبة البيزنطية القبطية، ص92-106؛ حامد زيان غانم، تاريخ مصر وحضارتها في العصر البيزنطي (الحقبة القبطية)، (القاهرة 2010) ص91-94؛ مصطفى العبادي، مصر من الإسكندر إلى الفتح العربي، (القاهرة 1999)، ص344-350.
[15]– مراد، كامل، القبط في ركب الحضارة العالمية، الرسالة الخامسة، (الإسكندرية، مجلة جمعية مار مينا العجائبي 1954)، ص17.
[16]– للتفاصيل عن ذلك وعن مكانة القديس شنودة في تاريخ الحياة الرهبانية انظر:
Stephen Emmel،Shenoute’s place in the history of Monasticism in Christianity and monasticism in Upper Egypt، Akhmim and Sohag، Vol.I، (Cairo 2007)،pp.31-45.
[17]– يعتبر الإمبراطور ثيؤدوسيوس الأول آخر إمبراطور للإمبراطورية الرومانية الموحدة حيث انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى شطرين بعد وفاته بين ولديه أركاديوس في الشرق وعاصمتها القسطنطينية، وهونوريوس في الغرب وعاصمتها ميلانو بإيطاليا، وعُين ثيؤدوسيوس الأول إمبراطورا للدولة الرومانية 378م. تبنى الإمبراطور ثيودوسيوس الأول المسيحية في عام 380م، وجعل منها دينا وحيدا للإمبراطورية عام 391م للتفاصيل انظر:
Walford، The ecclesiastical history of Sozomen، translated from Greek،(London 1855)، pp.313-316; Kazhdan and others، The Oxford Dictionary of Byzantium، Vol.III، pp.2034-2035.
وانظر أيضاً: يوحنا النقيوسي، تاريخ العالم القديم ودخول العرب مصر، ترجمة وتعليق: القمص بيشوي عبد المسيح، (دمياط د.ت)، ص93-100؛ إسحق عبيد، الإمبراطورية الرومانية بين الدين والبربرية مع دراسة في مدينة الله، (القاهرة 1971) ص76-77؛ هسي . ج.م: العالم البيزنطي، ص97.
[18]– رؤوف، حبيب، الرهبنة الديرية في مصر، مرجع سابق، ص185.
[19]– يوسف، حبيب، عظات أسبوع الآلام للقديس العظيم أنبا شنودة رئيس المتوحدين، (القاهرة 1971)، ص19 نقلاً عن المخطوطة رقم (408) المتحف القبطي بالقاهرة 1342 ش /1636م وواردة بطبعة 1921، 1949.
[20] – يوسف حبيب، عظات أسبوع الآلام للقديس العظيم أنبا شنودة رئيس المتوحدين، ص20 غير موجودة بطبعة 1921 وثابتة بطبعة 1949 وبالمخطوطة رقم (90) بمكتبة الفاتيكان ورقة رقم (125) و(126)، تاريخها 1440ش سنة 1721م 17، ويلاحظ أن هذه العظة تماثل عظة باكر يوم الثلاثاء في ابتدائها مع بعض الإضافات عليها.
[21]– رؤوف، حبيب، الرهبنة الديرية في مصر، ص182-183.
[22]– يتنوع تراث الأنبا شنودة بين قوانين ورسائل وعظات، وتنقسم كتابات الأنبا شنودة لثلاثة مجلدات: واحد بمتحف اللوفر واثنان بالمعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة. للتفاصيل عن التراث الرهباني الأدبي والديني للقديس شنودة رئيس المتوحدين انظر: شنودة ماهر إسحق وآخرين، تراث الأدب القبطي تاريخ اللغة القبطية ولهجاتها مصادر الأدب القبطي ومبادئه، (القاهرة 2003)، ص101-109؛ منير، شكري، الرهبنة القبطية وآباؤها‘ ضمن قراءات في تاريخ الكنيسة، رسالة مار مينا الرابعة عشرة، ص402.
[23]– المرجع نفسه، ص400-401.
[24]– هـ . إدريس بل، مصر من الإسكندر الأكبر حتى الفتح العربي لها، ترجمة: عبداللطيف أحمد علي (القاهرة، دار النهضة العربية، 1973 )، ص171.
[25]– اتسمت رهبنة القديس شنودة بالشدة عن الرهبنة الباخومية ووجه عناية فائقة بالصلاة وجعلها فردية وجماعية، كما اهتم بتعليم وتثقيف رهبانه، للتفاصيل راجع: بانوب، حبشي، شنودة (333-451م)، صور من تاريخ القبط، العدد الرابع، ص119-127. انظر أيضاً:
Cf.Bentley Layton، The ancient rules of Shenoute’s monastic federation، in Christianity and monasticism in upper Egypt، Akhmim and Sohag،Vol.I، (Cairo 2007)، pp.73-79;Nina Lubomierski، The Coptic life of Shenoute، in Christianity and monasticism in upper Egypt، Akhmim and Sohag، (Cairo 2007)،Vol.I،،pp.91-97.
[26]– رءوف حبيب، الرهبنة الديرية، ص178-179.