ريتا فرج
أدى تنامي دور المرأة في “داعش” إلى تبدل الأدوار التقليدية المحددة للنساء في الحركات الجهادية، لا سيما على صعيد التجنيد والعمليات الانتحارية والدعاية للتنظيم الإرهابي عبر “الميديا الجديدة”. لم تصل الجهاديات في “حركة القاعدة” إلى هذا المستوى من الحضور النسائي كما نلاحظه في السنوات الأخيرة، علماً أن حراك “الجهاد النسائي القاعدي” بدأ عملياً مع أبي مصعب الزرقاوي (1966-2006) الذي عمل على إدراج النساء في العمليات القتالية والإرهاب الانتحاري بدءاً من عام 2005، خروجاً على التوجهات التنظيرية العامة لأسامة بن لادن (1957-2011) وخليفته أيمن الظواهري: “إذ تخلو خطاباتهم ورسائلهم من الحديث حول قضايا المرأة وتقتصر مساهمتهم الفكرية على بعض التوجيهات النادرة بالتشديد على عدم مشاركة المرأة في الأعمال القتالية، والحفاظ على أدوارها التقليدية في رعاية المنزل وتربية جيل جهادي، باعتبار ذلك ذا قيمة في الحفاظ على الهوية؛ ولم يستدخل تنظيم القاعدة المركزي النساء في هياكله التنظيمية على الرغم من وجود حالات نسائية فردية رغبن بالالتحاق والمشاركة والانتماء للتنظيم”. (راجع: أبو رمان، محمد، حسن أبو هنية، عاشقات الشهادة: تشكلات الجهادية النسوية من القاعدة إلى الدولة الإسلامية، مؤسسة فريدريش إيبرت، عمان، الطبعة الأولى، 2017، ص88).
إن تشكيل ما يسمى “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” لـــ”كتيبة الخنساء” و”كتيبة أم الريان” في محافظة الرقة السورية التي سيطر عليها منذ عام 2013 فاقم من تفجر “الحراك الإرهابي النسائي الداعشي”. يمكن رسم الأدوار التي تقوم بها “نساء الخلافة” بالآتي: العمل الاستخباراتي، الجهاد الإلكتروني، العمليات الانتحارية -بعد سيطرة تنظيم داعش على الموصل عام 2014، نفذت إحدى بنات أم خالد الوهاجي، عملية انتحارية على وحدات حماية الشعب الكردي في معركة عين العرب (كوباني)- والقتالية، الترويج للأفكار الإرهابية، جمع الأموال، الحسبة، الشرطة، التعليم، دعم الجهاديين من خلال ما عُرف بــــ”جهاد النكاح”؛ وعلى الرغم من الالتباس الذي تُثيره هذه المسألة لجهة التشكيك بصحتها، وبكونها جزءاً من الآليات الدعائية التي يلجأ إليها النظام السوري ضد “الجهاديين”، “فإن وزارة الداخلية التونسية كانت أول من أقر بوجود شبكات تستقطب الفتيات والنساء بهدف السفر إلى سوريا، وممارسة الجنس مع المقاتلين. وقد سميت هؤلاء النسوة بمؤازرات الفراش. وأثبتت الشهادات التي قدمتها العائلات، وبعض الضحايا في وسائل الإعلام أن استقطاب الفتيات حدث في المؤسسات التعليمية، والجامعات والمساجد وغيرها. بيد أنه ينبغي التمييز بين الفتيات المغرّر بهن اللواتي زُجّ بهن في “الدعارة الحلال”، والفتيات اللاتي رغبن في الانخراط في جهاد النكاح إيماناً منهن بأنّ شحذ همم الرجال، وقضاء حاجتهم الجنسيّة حتى يتفرّغوا للقتال نشاط لا يقلّ أهميّة عن بقية الأنشطة الموكولة إلى النساء”. (راجع: قرامي، آمال، الجهاد النسائي: الإرهاب بتاء التأنيث، موقع المركز العربي للبحوث والدراسات، 20 يونيو/ حزيران، 2015).
والحال، ما الأسباب التي تدفع بعض النساء إلى الانخراط في تنظيم إرهابي؟ وهل تدفع الظروف الاجتماعية والاقتصادية -تحديداً الفقر والنقمة على المجتمع- بالكثيرات إلى الانضمام لداعش؟ وأي دور للعامل الديني في ذلك؟ تحدد بدرة قعلول، رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية (تونس)، سبعة دوافع لانضمام المرأة للتنظيمات الإرهابية، وهي:
1- أغلب المنخرطات لديهن رغبة في الهروب من واقعهن والبحث عن الذات.
2-ضعف الشخصية والميل إلى ممارسة السلطة وملامح الشخصية المضطربة نفسانياً واجتماعياً.
3-وجود نزعة العنف والتعذيب والانتقام.
4-ضعف التحصيل العلمي.
5-صغر السن وسهولة التأثير وخصوصاً عند المراهقات.
6-أغلب المنخرطات تأثرن عبر الإنترنت.
7-العنوسة.
في (Le Jihadisme des femmes: Pourquoi ont-elles choisi Daech) (Le Seuil (14 septembre 2017 “جهادالنساء: لماذا اخترن داعش؟” يبين المحلِّل النفسي فتحي بن سلامة وعالم الاجتماع فرهاد خوسروخافار في كتابهما المشترك حول “الجهاديات الأوروبيات” اللاتي انضممن إلى داعش “أن التطرف الإسلامي، الذي نشرته دعاية داعش روّج لأسطورة نوع جديد من الأنثوية الكاملة، بالتوازي مع إعطاء دروس أخلاقية حول العلاقات بين الرجل والمرأة، وتأكيد معايير قمعية أغرت بعض المراهقات والشابات اللواتي يعانين من أزمة هوية (…) وتعود أسباب انضمام نساء إلى تنظيمات “جهادية” في العراق وسوريا -في الكثير من الأحيان- إلى صدمة شخصية تركت أثراً قوياً، أو إلى بحث وجودي، أو إلى رؤية إسلامية طوباوية”.
لا تلغي هذه الدوافع المتعلقة باضطرابات الهوية والعوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية توافر محفزات أخرى تدفع بالنساء للالتحاق عن “وعي” بـــ”داعش”، بعيداً عن المؤثرات الضاغطة، أي إنه ثمة إيمان بأفكار التنظيم من قبل العديدات. قام داعش باستخدام بعض النصوص الدينية والشواهد التاريخية لاستقطاب النساء للقتال معه، ويعد الدافع الديني الأخطر في “التحفيز النسائي الجهادي”، بسبب حمولته السياسية والتوظيف المذهبي المرتبطين بالعنف الدائر في الإقليم.
إن ظاهرة “الجهاديات” في التنظيمات الإرهابية مسألة مركبة، وأيُّ قراءة علمية جادة عليها أن تأخذ بالاعتبار التحليل المتعدد الجوانب لهذه الظاهرة. لقد كشف تنظيم “داعش” عن ضعف بعض الأدبيات المعاصرة حول الإسلام الجهادي، فبات لزاماً على المتخصصين في هذا الحقل البناء على “الكلاسيكيات” والقفز عليها لتشكيل فهم أعمق حول “الجذب الجهادي” للرجال والنساء معاً.