في الوقت الذي يتجه فيه المسلمون إلى الصيام والصلاة وقراءة القرآن بشهر رمضان، يدعو أتباع السلفية الجهادية، لا سيما تنظيم (داعش) إلى مزيد من العنف والعمليات الإرهابية، مستغلين الأجواء الرمضانية كمحفز لأتباعهم، خاصة وأن الشهر يمثل الذكرى السنوية لإعلان الخلافة، فأوائل رمضان عام 2014 أعلن الزعيم الداعشي الراحل أبو بكر البغدادي الخلافة العامة، بتغيير اسم التنظيم من “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” إلى “تنظيم الدولة الإسلامية”.
تهديدات سنوية
بالأسبوع الأول من رمضان 2015، أطلق المتحدث باسم تنظيم (داعش) “أبو محمد العدناني” (قُتِل 2016) إصدارا بعنوان “يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّه” بث “23 يونيو (حزيران) 2015″، دعا فيه أتباع التنظيم لشن هجمات في مختلف المناطق في شهر رمضان: “… وإن أفضل القربات إلى الله الجهاد، فسارعوا إليه واحرصوا على الغزو فى هذا الشهر الفضيل والتعرض للشهادة فيه”!
ثم أطلق بقرب بداية رمضان 2016، بياناً “21 مايو (أيار) 2016″، دعا فيه أتباع التنظيم لشن هجمات بالولايات المتحدة والغرب “اجعلوا هذا الشهر بمشيئة الله شهر المصائب على الكفار في كل مكان. هذه (الدعوة) موجهة خصيصا إلى أنصار الخلافة الإسلامية في أوروبا وأميركا”، واصفاً شهر رمضان بأنه “شهر الغزو والجهاد”.
أصدر رمضان عام 2017، أبو الحسن المهاجر(قُتِل 2019) المتحدث الإعلامي “خليفة العدناني” بياناً يدعو فيه أتباع التنظيم والمسلمين عامة لشن هجمات خلال شهر رمضان، ولم تتوقف دعوته للعرب فقط، بل دعا المسلمين في شتى أنحاء العالم لذلك: “إلى إخوة العقيدة والإيمان في أوروبا وأمريكا وروسيا وأستراليا وغيرها، لقد أعذر إخوانكم في أرضكم فثبوا على أثرهم واقتدوا بصنيعهم وسوريا وإيران والفلبين”.
قبيل رمضان 2018، وعلى غير المعتاد، لم يصدر التنظيم بيانات رسمية تذكر يدعو فيها أتباعه لشن هجمات في مناطق بعينها، وظهرت حملته الرمضانية محدودة الأثر. قبيل رمضان 2019، كان هناك إصدار البغدادي، الذي حمل عنوان “في ضيافة أمير المؤمنين” الذي تحدث فيه عن استمرار وبقاء التنظيم، وأشاد بعملياته في سريلانكا والسعودية، في محاولة إلهام أتباع التنظيم للاستمرار في شهر رمضان.
استجابة أعضاء التنظيم:
وفقاً لموقع “SITE Intelligence Group” ادعى تنظيم (داعش) تنفيذ (393) عملية إرهابية في رمضان 2016 في (16) دولة، بالإضافة إلى (3) عمليات استهدفت السعودية،(519) عملية بشهر رمضان 2017 في (15) دولة، وبالعام 2018 نفذ التنظيم نحو (251) عملية إرهابية بشهر رمضان في نطاق جغرافي شمل (16) دولة.
وفقاً للنبأ الداعشية في الأعداد (181 إلى 185) ادعى التنظيم قيامه بـ(381) عملية، مثلت عمليات التنظيم خلال شهر رمضان 2019، بنطاق جغرافي شمل (15) دولة.
رمضان 2020 ادعى التنظيم قيامه بـ(374) عملية، وفقاً لصحيفة النبأ الأعداد (232-235)، بنطاق جغرافي (15) دولة:
ركز التنظيم في شهر رمضان للفترة من (2016-2020) على (33) دولة، من بينها يستمر التنظيم في نشاطه بـ(8) دول رئيسة وهي: العراق، سوريا، أفغانستان، مصر، باكستان، الفلبين، الصومال، اليمن.
فشل التنظيم في تهديده، فعلى الرغم من تركيز التنظيم في خطاباته وحملاته قبل شهر رمضان على تنفيذ عمليات في الدول الغربية وأمريكا، فلم تسفر تلك التهديدات في رمضان للسنوات (2016-2020) إلا عن (9) عمليات شملت “أمريكا، فرنسا، بريطانيا، روسيا، أستراليا، بلجيكا”، أكثرها كان بالعام 2018، الذي غابت فيه وانخفضت حملات التنظيم بواقع (4) عمليات (2 روسيا، 1 فرنسا، 1 بلجيكا)، مع غياب واضح لتنفيذ تهديداته باستهداف الدول الغربية رمضان 2019.
التغيرات رمضان 2020
ظهر نشاط لتنظيم (داعش) في (3) دول أفريقية: “تشاد، موزمبيق، مالي”، كان قد غاب النشاط الرمضاني بها في الأعوام الأربعة السابقة (2016-2019)، وهذا في ظل محاولة التنظيم للظهور مرة أخرى، ومحاولة السيطرة على مناطق جديدة. مع زيادة نشاط التنظيم في غرب أفريقيا خاصة نيجيريا، التي زاد فيها النشاط رمضان 2020 عن رمضان 2019 بنسبة (62.1%).
اللافت في التغيرات هو زيادة عدد العمليات في العراق بنسبة (58.8%) حيث بلغ عدد عمليات التنظيم في العراق رمضان 2019 (133) عملية مقابل (226) عملية رمضان 2020. كما انخفض عدد عمليات التنظيم في سوريا بنسبة (50%) حيث بلغ عدد عمليات التنظيم في سوريا رمضان 2019 (126) عملية مقابل (63) عملية رمضان 2020.
وعلى الرغم من أن التنظيم يتداخل في سوريا والعراق، مع السكان المحليين، كان من المفترض أن يؤدي في ظل انتشار وباء كورونا إلى انخفاض عدد العمليات في الدولتين، إلا أن ذلك لم يطبق في العراق، وشهدنا انخفاضاً في سوريا فقط.
بالنسبة للعراق، تنشط التنظيمات الإرهابية في أوقات الأزمات بصورة أكبر مما هي عليه في الأوقات الطبيعية، حيث تنطلق التنظيمات من سمة استغلال الظروف للبحث عن مكاسب. بالنسبة للعراق تأتي الاحتجاجات تزامنا مع وباء كورونا، لتوفر فرصة ملائمة لتنظيم (داعش) الذي يعاني من ضعف في السنوات الأخيرة للعودة مرة أخرى للساحة.
ففي ظل الاحتجاجات الداخلية، التي يعيشها العراق منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حاول تنظيم (داعش) إعادة تموضعه وزيادة نشاطه في العراق، فبتتبع مسيرة عمليات التنظيم في العراق وفقاً لما أعلن عنه في صحيفة النبأ، نجد أنه في الشهور الثلاثة الأولى (أكتوبر/ تشرين الأول، نوفمبر/ تشرين الثاني، ديسمبر/ كانون الأول) للتظاهرات أخذت عمليات التنظيم في الزيادة بشكل ملحوظ (60، 96، 144) على التوالي. إلى أن انخفضت يناير (كانون الثاني) 2020، وعاودت الارتفاع منذ فبراير (شباط) الشهر الذي سجلت فيه أول حالة إصابة بفيروس كورونا في العراق حتى أبريل (نيسان) 2020 لتسجل (75، 102، 148) على التوالي.
ختاما، من المتوقع وفقاً لسير نشاط التنظيم في رمضان الحالي، استمرار تركيز التنظيم على الدول الأفريقية خاصة غرب أفريقيا، مع محاولة التنظيم بكل قوته العودة للداخل العراقي، مستغلاً الاحتجاجات بالإضافة إلى محاولة استغلال تبعات مقتل البغدادي وسليماني على الداخل العراقي، واحتمالية إثارة الصراعات الطائفية به، مثلما حدث في 2005 من سجالات واتهامات متبادلة ما بين أبي مصعب الزرقاوي، ومقتدى الصدر، وادعاء كل منهما أن كل طرف تعاون مع القوات الأمريكية ضد الآخر، وقد ساهم البغدادي في استمرار سلسلة استهداف الشيعة، وتغذية المشاعر الطائفية بناء على مزاعم الاضطهاد من الحكم الموالي للشيعة، ومثلما فعل البغدادي فعل سليماني بناء على المظلومية.