تقديم
يتناول هذا الكتاب تعاطي الجماعات الأيديولوجية الإسلاموية مع بعض العلوم الاجتماعية، ويحاول الإجابة عن سؤالي: كيف درست هذه العلوم ظاهرة الإسلام السياسي؛ وكيف درّس الإسلامويون هذه العلوم، أو وظفوها لخدمة التسويق لمشروعهم السياسي والاقتصادي والإعلامي، وترسيخه عبر منصّات ونظريات صممت لتبدو وكأنها متماسكة ومُقنِعة؛ فصارت بسببها بعض مراجع هذه العلوم الجليلة ونظرياتها الواسعة، في نسختها العربية والإسلاموية: خادمةً لمشروعٍ سياسي ضيق الأفق أو مرافعةً عنه؟
يبدأ الكتاب بعلم التاريخ، فيرصد أبرز خلاصات مؤرخي الحركات الإسلامية، الذين طوّعوا الأحداث التاريخية لتخدم أغراضًا محددة، تصبُ في مصلحةِ «الطّليعة المنتقاة». يحدث ذلك بالتلاعب بمنهج القراءة، وتوظيف عملية التحليل، والتركيز على فترات الحروب، والشخصيات الخلافية، وجلب حوادث لتخدِم فكرةً تنظيمية راهنة، مع إهمالٍ تام، لكل ما يُمَثِّل رأيًا آخر؛ أو يعكس سيادةً لأزمنة السِلم والسكينة، فانتقت المؤلفات التأريخية للحركيين تاريخًا حركيًّا يوظّف لدعم خط التثوير في لحظات السخط المثلى!
ولئن كان جيل السبعينيات من الإسلاميين؛ آثر الدخول في مجالات الهندسة والطب والاقتصاد في الدراسة العلمية، فإنّه أفرغ وسعه كله في خدمة المجال الإعلامي؛ الذي ظلّت مجلّاته وصحفه هي الأهم طوال المواجهة الأفغانية السوفيتية، إلى وسط التسعينيات حيث ظهرت المبادرات الوعظية على «الكاسيت» مترافقة مع الانتقال لإعادة كتّاب مرحلة المواجهة الأفغانية إلى الشاشة البلورية؛ وبلغت ذروتها مع بداية الحرب على طالبان في بداية القرن الراهن.
تناول الباحثون، دوافع وآليات عطاء الجيل الثاني من الإسلامويين في المجالات التربوية، ودخولهم مضمارها العلمي، بنفسٍ تنظيمي احتاج إلى مقدماتٍ تربوية علمية؛ خبّأت مطامع تجنيد الطلبة، واحتكار توظيف المعلمين، والتأثير المباشر على المناهج.
ولاحقًا لاحق الجيل الأخير من الإسلاميين الدراسات الفلسفية؛ بانتقائية، لتحويلها لخطابٍ وعظي، محاولةً تطويع العلوم الفلسفية واستغلالها للتبرير أو استغلالاً لجاذبيتها، بتوظيف مصطلحاتها، لتكون حارسة للسياج الدوغمائي الخطابي الإسلاموي، ومنافحةً نظرية عنه.
على مستوى المدافعة عن التحالفات الإخوانية؛ وتبريرها سياسيًّا بمنطق القانون الدولي، أو الخطابات الحقوقية، ركز الكتاب على استغلال نظريات العلاقات الدولية من قبل الإسلامويين، خدمةً لمشروعهم خصوصًا في الأنموذج الإيراني، الذي طوّع نظريات جيوسياسية؛ ليفسر تمدده، ويصنع مناطق نفوذه المدّعاة، فتشير دراسة إلى اختراع نظريات، مثل: نظرية (أم القرى)؛ تحاول عبرها إيران سرقة مركزية العالم الإسلامي.
تجمع هذه الخيوط في ظلّ تبني التنظيمات الأيديولوجية، سياسة الاتجار بالجهل وتجزئته، وتجريف المعرفة وتفخيخها، وتحريف العلوم وتجفيفها، ويبقى الجهد لتطوير الاتجاه المضاد لذلك، بإعادة الاعتبار لمنهج التفكير النقدي العلمي الملتزم بقيم العلم، والمجتمع، والدولة.
رئيس التحرير
عمر البشير الترابي